مؤتمر العراق ما بعد الإنسحاب الأميركي

أشار مراقبون خلال أعمال المؤتمر الذي ينظمه المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية حول quot;العراق ما بعد الإنسحاب الأميركيquot; إلى ضرورة ممارسة دور اقليمي للحفاظ على أمن العراق، منعاً للتصادم الطائفي وأشاروا إلى ضرورة دعم وحدة العراق من دون الاصطفاف مع اي من قواه السياسية.


أسطنبول: أكد باحثون ومفكرون ايرانيون وأتراك وعرب ضرورة ممارسة دور اقليمي، للحفاظ على أمن واستقرار العراق ووحدته وبما يمنع التصادم الطائفي بين ابنائه الذي سيجر المنطقة إلى صراع ويسبب لها الكثير من المصاعب والمشكلات وشددوا على ضرورة قيام النخب السياسية العراقية بالعمل على جعل بلدهم مصدرا للجذب وليس ساحة لصراعات اقليمية او دولية.

واشاروا خلال اعمال اليوم الثاني من المؤتمر الذي ينظمه في مدينة اسطنبول التركية حاليا المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية حول quot;العراق ما بعد الانسحاب الأميركيquot; إلى ضرورة دعم وحدة العراق من دون الاصطفاف مع اي من قواه السياسية او الطائفية او الاقليمية وبما يحفظ وحدة مكوناته.


تركيا تعمل لمنع تفجر صراع طائفي في العراق

وقال الباحث التركي الدكتور بيكلي ديومان المستشار بمركز الشرق الأوسط في أنقرة إن السياسة التركية نحو العراق ليست توسعية ولا تتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وهذا ما أكدته أحداث الربيع العربي في عدد من هذه الدول. وأشار إلى أن السياسة التركية تركز على هذه السياسة إلا في حالة استثنائية وهي تهديد أمنها القومي.

وأوضح إن تركيا رفضت استخدام أراضيها عام 2003 لضرب العراق، برغم علاقاتها القوية مع الولايات المتحدة لأنها ترى أن دورها في هذا البلد لا يجب ان يبنى على القوة وفرض الارادات. وأوضح ان العراق يمثل أولوية بالنسبة للسياسة التركية لأسباب تاريخية وجغرافية وتجارية لما يمثله من امكانات طاقوية ضخمة، حيث تمر صادرات الطاقة العراقية وخاصة النفظ عبر تركيا إلى اوروبا. واكد انه لكل هذه العوامل فإن تركيا تعمل من أجل تحقيق استقلال العراق وأمنه الداخلي والإقليمي واستقراره ومنع تفجر الصراعات الطائفية على ارضه.

وأضاف إن تغير الظروف في العراق بعد الانسحاب الأميركي تهدد بصراعات وعنف مذهبي يهدد بتقسيم العراق وتفتته، وهو أمر تقف تركيا ضده بقوة. وقال إن العراق يمر حاليا بظروف حرجة برغم محاولات ترسيخ نظام ديمقراطي فيه، لأن كل واحدة من القوى العراقية تؤسس لمصالحها الخاصة، وهو مايؤثر على قيام نظام سياسي مستقر وقوي .

وأوضح انه لذلك تحاول تركيا الوقوف على مسافة واحدة من كل هذه القوى العراقية من اجل جمعها على أهداف وطنية واحدة. وأضاف إن الوضع العراقي يشير حاليا إلى تركز القوى السنية في الوسط والغرب، والشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال موضحاً إنه برغم مشاركة السنة في السلطة إلا ان هذه المشاركة ضعيفة وغير مؤثرة على عكس الشيعة الذين يركزون اقدامهم في السلطة.

وشدد على ضرورة قيام الدول الاقليمية بدعم وحدة العراق بدل الدخول في الصراعات بين قواه السياسية، ودعم جميع هذه القوى وجمعها على مشتركات وطنية، وقال ان تركيا تعمل من اجل هذا الهدف بالتعاون مع دول المنطقة وخاصة ايران.


دعوة لعراق جاذب اقليمي وليس ساحة لصراع اقليمي

ومن جهتها أكدت الدكتورة وصال العزاوي، رئيسة المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية إن العراق بحاجة إلى رسم خارطة علاقات خارجية واضحة وموحدة، واعتماد سياسة لتصفير مشكلاته الداخلية والخارجية، وليكون مصدر جذب لا ساحة للصراع الاقليمي. وأشارت إلى ان العلاقات العراقية التركية لم تشهد صراعات دامية، وكل منهما بحاجة للآخر، حيث تقوم السياسة التركية على حماية الأقلية التركمانية في العراق، ومواجهة حزب العمال الكردستاني وتقاسم المياه المشتركة ورفض تقسيم العراق والحيلولة دون وصول نظام معارض للديمقراطية إلى حكم العراق، وانما نظام حريص على الأمن الاقليمي.

وأضافت إن تركيا تحاول العمل مع بقية القوى الاقليمية من أجل تعايش القوى والمكونات العراقية انطلاقا من منظور اقليمي عام وليس منظور خاص بها. واوضحت إن وجود علاقات عراقية تركية متوازنة سيساهم في تحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة ودولها.


ايران لا تتدخل في شؤون العراق وتدعم وحدته واستقراره

أما الباحث الايراني رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة طهران، الدكتور محمد علي مهتدي فقد أشار إلى أن الايرانيين يعتبرون الإنسحاب الأميركي من العراق نصر للعراق ولجميع المناضلين في المنطقة وأكد ان ايران حريصة على وحدة العراق ارضا وشعبا، وهي ترفض اي محاولة لتقسيمه او تفتيته وتقف ضدها بقوة. وحذر من أن أي تقسيم للعراق سيجر الويلات على المنطقة ولن تنجو اي من دولها ومن ضمنها ايران من آثاره السلبية لأنها جميعا تتشكل من مكونات اثنية وطائفية واجتماعية مماثلة.

وأضاف إن التقسيم يخدم الأهداف الصهيونية والأميركية في المنطقة لتفتيت دولها إلى كيانات طائفية صغيرة تتصارع فيما بينها. وأكد ان ايران مهتمة باستقرار العراق لأنه بعكس ذلك فان الأمر سيؤثر سلبا على الأمن القومي الايراني ولذلك فإن من مصلحة ايران وجود عراق آمن مستقر بعيداً عن العنف والعمليات الإرهابية. وأوضح إن هذا لن يتحقق الا بتفاهم جميع مكونات الشعب العراقي ومن هنا تعمل ايران من اجل التقريب بين هذه المكونات من دون التدخل في شؤونها.

وقال إن موقع العراق الإقليمي يجعل منه دولة تمتلك جميع عناصر القوة تمكنه من التحول إلى دولة اقليمية مهمة تلعب دورا اقليميا كبيرا مستقبلا. وأضاف إن ايران يهمها ان يكون دور العراق الاقليمي بعد الانسحاب الأميركي معارضا للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة، او على الأقل محايدا تجاه التدخل الأميركي. ورفض الخطاب السياسي الذي يقول بوجود نفوذ وأطماع ايرانية في العراق مشددا على ان هذا الخطاب ليس عمليا ولا يخدم المصالح العراقية والايرانية.


الاستراتيجيات الايرانية في العراق

وأشارت الدكتورة فاطمة صمادي الباحثة في الشؤون الإيرانية وأستاذة الاعلام في جامعة الزرقاء بالأردن في كلمتها حول الرؤية الايرانية لما بعد الانسحاب الأميركي من العراق، إلى ان هذا الانسحاب أمر مهم في تشكيل الاستراتيجية الايرانية المستقبلية تجاه العراق انطلاقا من وجود الشيعة في الحكم.

واشارت إلى ان ايران ترى انه اذا استقر العراق فإنه سيشكل تهديدا لاستراتيجيتها في المنطقة خاصة وان الانسحاب لم يبعد القوات الأميركية عن ايران، وانما نقلها من مكان قريب إلى آخر وحولها من العراق إلى الكويت المجاورة. وشددت على أن استراتيجية ايران في العراق محكومة بمصالحها القومية في المنطقة ولذلك ستحاول توسيع نفوذها في العراق والتدخل في شؤونه خاصة وأن الظروف أصبحت مهيأة اكثر الآن من خلال الانسحاب الأميركي، والتهديدات التي تواجه العملية السياسية الهشة بسبب الخلافات والصراعات التي تضرب القوى المشاركة فيها.


ايران ستستخدم اذرعها في العراق لضرب كل ما يهددها

ومن جانبه قال الباحث في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية نزار السامرائي، ان العلاقات الايرانية العراقية محكومة بصراع الارادات فكل منهما وعلى امتداد التاريخ له رغبة في التمدد على حساب الاخر.

وأشار إلى انه لا توجد حاليا رؤية عراقية موحدة للدور الايراني في العراق بعد الانسحاب، وقال إن هناك وجهات نظر متباينة حول هذا الأمر لكنه استدرك بالقول إن ايران ستدعم في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، مشروع تقسيم العراق. وأوضح إن هناك اذرعاً ايرانية في العراق تمثلها بعض القوى السياسية العراقية المرتبطة بها، والمجاميع المسلحة التي ترعاها وهي ستحاول تحريك هذه الاذرع وفقا لتحقيق مصالحها في العراق والمنطقة، حيث ستستخدم ايران قواها الداخلية على الساحة العراقية لاطلاق يدها في منطقة الشرق الاوسط وفي الخليج العربي.

يذكر ان المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية مؤسسة بحثية متخصصة، تعنى بإجراء الدراسات والبحوث الاستراتيجية المتعلقة بالشأن العراقي، وفق رؤية موضوعية غايتها اثراء الدراسات الأكاديمية والمساهمة في استثمار الكفاءات العراقية من أجل تصويب وتطوير تجربة بناء الدولة العراقية .وقد تأسس المركز في بغداد عام 2006 واتخذ من عمان مركزا رئيسيا مؤقتا له، لكن له فرع في بغداد نظرا للاوضاع الامنية فيها، وهو يضم عدداً من الاقسام العلمية بحسب تنوع أهتمامات المركز وهيكليته حيث يشرف عليها عدد من المختصين في العلوم السياسية والعلوم ذات الصلة .

ويهدف المركز إلى دراسة وتحليل واستشراف مجمل التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية الجارية في العراق وانعكاساتها على مستقبل البلاد والوطن العربي، ونشر الوعي العلمي لدى الرأي العام العراقي والعالمي بحقيقة ما يجري في العراق، والاهتمام بمخاطبة السياسيين والباحثين والمهتمين، والمؤسسة العسكرية ودورها في تحقيق الاستقرار السياسي في العراق، وسيناريو تقسيم العراق. وشهد عام 2008 تنظيم ندوات عن :

الموازنة المالية العامة وأزمة الاقتصاد العراقي، ومستقبل الوحدة الوطنية في العراق في ضوء التطورات السياسية الراهنة، ومستقبل بناء الدولة في العراق، رؤية تحليلية.

ونظم المركز عام 2009 ندوات ومؤتمرات حول: نحو استراتيجية عربية فاعلة تجاه العراق، والمرأة العراقية واستحقاقات التغيير.

وفي عام 2010 عن الانتخابات التشريعية ومستقبل العراق ، وعراق مابعد الانتخابات.

كما يقوم المركز برصد شهري للأوضاع على الساحة العراقية والعربية والدولية ومحاولة تحليل كل الظواهر المرئية وغير المرئية واعداد خلاصة تقديرية مقاربة نسبية للموقف موضع البحث والتحليل .