آلاف من السوريين يشاركون في تشييع قتلى سقطوا إثر التفجير الانتحاري يوم الجمعة

قرر الجندي السابق في الجيش السوري محمد إسماعيل التوقف عن تلقي الأوامر بقتل المتظاهرين ضد النظام، فانشق عنهم، وأصبح اليوم من المعارضين والمقاتلين بهدف إسقاط الرئيس بشار الأسد، وها هو يروي تفاصيل هروبه عبر الحدود إلى لبنان.


بيروت:قُتل المئات من المتظاهرين برصاصة قناصة النظام السوري خلال الثورة، التي بدأت منذ عشرة أشهر، بهدف إسقاط الرئيس بشار الأسد. لكن واحداً من هؤلاء القناصة سئم القتل، ونقل بندقيته إلى الكتف الآخر، ويريد الآن القتال ضد النظام.

لشهور طويلة، تمركز محمد إسماعيل (23 عاماً) على أسطح المباني في مدينة حماه، مهدداً سكان المدينة مع بندقيته الصينية الصنع. كان يراقب الجميع من أعلى المباني، فيشاهد من خلال بندقيته المزوّدة بعدسة تلسكوبية كيف يركض الرجال والنساء والأطفال في ذعر، بعد أنيسمعوا أزيز طلقاته. كانوا يتركون لافتاتهم المعادية للنظام، ويهرعون ليختبئوا في المباني والأزقة المجاورة.

مثل أي قنَّاص، تلقى تدريباً عالياً من نخبة لفرقة 18 في الجيش السوري، كان محمد إسماعيل يتلقى الأوامر مراراً وتكراراً من الضباط، الذين يطلبون منه إطلاق النار على المتظاهرين. كان يتفرج، فيما كانت الشرطة السرية تعتقل المتظاهرين، وتضرب الناس بوحشية في الشوارع تحت قيادته.

ويقول إنه استمع إلى حفنة من رفاقه، أنصار النظام المتشددين، يتفاخرون ببراعتهم في إصابة أهدافهم بشكل دقيق، ويسجلون إحصاءات القتلى من المتظاهرين، الذين كانوا يعتقدون أنهم عملاء يتلقون مبلغ 100 دولار في اليوم من قبل إسرائيل وغيرها من أعداء سوريا.

لكن إسماعيل، وهو من العرب البدو من المنطقة الصحراوية في شرق البلاد، لم يكن على يقين من صحة هذا الرأي.

في حديث إلى صحيفة الـ quot;تليغرافquot;، يقول محمد إسماعيل: quot;في البداية صدّقنا الضباط عندما قالوا إننا نقاتل ضد أعداء سوريا. لم يسمحوا لنا بمشاهدة التلفزيون، وأخذوا هواتفنا النقالة بعيداً، لذلك لم نكن نفهم ما كان يحدث في بلدناquot;.

quot;كنا نشعر بالحماسة. أردنا أن نقوم بواجبنا ونقاتل الإرهابيين. لكن البعض منا سرعان ما أدرك أن الحشود كانت مجرد مجموعة من الناس العاديين، وهم يهتفون للحريةquot;، يضيف إسماعيل.

لم يكن يتجرأ على رفض أوامر الضباط بإطلاق النار، فكان يعلم أنه إذا فعل ذلك يمكن أن يُقتل. بدلاً من ذلك، كما يقول، كان يحرص دائمًا علىإضاعة الأهداف المرسومة له: يصوِّب أعلى من الهدف بقليل، ويصلِّي بصمت لكي لا تصيب الرصاصة أحداً، وبعد ذلك يضغط على الزناد. ولإراحة ضميره، يدّعي إسماعيل أنه لم ير أحداً من المتظاهرين يسقط برصاصه.

طفح الكيل به في تشرين الأول (أكتوبر) - عندما قرر الضباط إعادة نشر وحدته بالقرب من الحدود اللبنانية - فقرر إسماعيل الفرار. لكن عندما كان يحاول الهرب، أصيب برصاصة في كتفه، ويعتقد بشدة أن الضابط المسؤول عنه هو الذي أطلق عليه النار. كان إسماعيل ينزف بغزارة، إلى أن تمكن بعض اللاجئين من سحبه إلى برّ الأمان.

الآن يعدّ إسماعيل رقماً مضافًا إلى العدد المتزايد من المنشقين عن الجيش السوري، الذين وجدوا طريقهم على طول الطريق الخطرة عبر الحدود إلى لبنان المجاور.

انضم بعض المنشقين إلى منظمة باتت تعرف باسم quot;الجيش السوري الحرquot;، والتي تكرّس نفسها للقتال ضد النظام، ويعتقد إسماعيل أن آلافاً آخرين من الجيش سيغادرون مواقعهم على الفور، فقط في حال كان لديهم ملجأ آمن داخل بلدهم يهربون إليه.

يقول إسماعيل: quot;كنت أريد الهروب في شهر أيار (مايو)، حالما أدركت أنهم يكذبون علنًاquot;، مضيفاً من مخبئه في مدينة طرابلس اللبنانية: quot;لكن لم أكن أعرف أين سأذهب في ذلك الوقت. تقريباً كل شخص في الجيش الحكومي يقول في سرّه إنه ضد النظام. لكن من يريد أن يخسر حياته ومستقبله وعائلته من أجل لا شيء؟quot;.

كغيره من المنشقين عن الجيش السوري، يقول إسماعيل إن الغرب لديه الوسائل لتوفير الفرصة للجنود الباقين بالإنشقاق، الأمر الذي سيؤدي إلى الانهيار السريع للنظام. وأضاف: quot;إذا كانت هناك منطقة حظر الطيران، وبعض الأراضي المحمية ليلجأ إليها هؤلاء، ستنتهي المعركة بسرعةquot;.

يعتقد إسماعيل إنه quot;في حال توافر الدعم المناسب، سينشق آلاف الجنود عن الجيش السوري، وسيقتلون الجنرالات المتشددين، الذين ما زالوا يؤيدون الرئيس بشار الأسد.

الاحتجاجات السلمية وحدها لا تكفي، ونحن في حاجة إلى الجيش السوري الحرّ وإلى دعم من دول أجنبيةquot;.

بعد عشرة أشهر من الاحتجاجات السلمية، في معظمها، والتي تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل 5000 من المتظاهرين والمعارضين أثناءها، يقوم المزيد والمزيد من السوريين بحمل السلاح لحماية أنفسهم من وحشية النظام السوري.

تجتمع يوم الأحد لجنة الجامعة العربية في القاهرة لاتخاذ قرار بشأن ما إذا سيتم السماح لفريق من المراقبين من داخل سوريا بمواصلة عمله، حيث لم تخف موجة العنف منذ دخول المراقبين في نهاية الأسبوع الماضي.

إضافة إلى أن عدد القتلى يتزايد، فأدى تفجير نفذه انتحاري يوم الجمعة الماضي إلى مقتل 26 شخصاً وإصابة 63 آخرين، بعدما استهدف فيما يبدو حافلة للشرطة وسط دمشق.

ألقت الحكومة باللوم على القاعدة متهمة إياها بتنفيذ الهجوم، متعهدة بالاستجابة بـ quot;قبضة من حديدquot;. لكن المتحدث باسم المجلس الوطني السوري اتهم النظام بتنفيذ التفجيرات الأخيرة، معتبراً أنها quot;لعبة النظام القذرةquot;، فيما أشار النشطاء إلى أن الهجوم استهدف حي الميدان، وهي منطقة تشهد مظاهرات كل يوم الجمعة.

من جهته، يقول إسماعيل: quot;لا يوجد تنظيم القاعدة في سوريا، والتفجير تم تنفيذه من قبل النظام في محاولة لتخويف الناس. يريدون من السوريين أن يظنوا أنه في حال سقوط النظام، سيكون هناك سفك دماء وحرب أهلية مماثلة لما حدث في العراق. السوريون يعرفون أن هذا الأمر ليس صحيحاً، ويعرفون أن النظام هو القاتلquot;.

يتساءل كارالوك كال، الناشط السوري، الذي فر إلى بيروت قبل ستة أسابيع،: quot;إن النظام كان دائمًا من المؤيدين لتنظيم القاعدة في العراق، فلماذا يقوم تنظيم القاعدة بالهجوم عليهم الآن؟quot;.

ويضيف: quot;النظام السوري لا يشعر بالرحمة، ولا يمانع في سفك دماء الفقراء، وحتى الشبيحة، الذين يدفع لهم الأموال لدعمه، وهم من الذين قتلوا في هذا التفجيرquot;.

بعدما أصرّوا في البداية على الاستمرار في الثورة السلميةلإسقاط النظام، يطالب المتظاهرون في المدن السورية الآن بالحصول على دعم عسكري من الغرب.

ويزعم المنشقون أن عشرات الآلاف من الجنود فرّوا من ثكناتهم بحوزتهم بنادقهم، وهم يحاولون حماية المتظاهرين من هجمات النظام السوري، إنما بنجاح محدود.

يقول إسماعيل: quot;لا أحد يستطيع فهم حجم معاناة الناس في أماكن مثل حماه، حيث يتم قطع الغذاء والكهرباء عن الأحياء المعارضة للنظام. ليست هناك سلطة، والقناصة يطلقون النار عشوائياً على الناسquot;.

ويضيف: quot;إذا حاربنا، نعتقد أننا سنفوز في نهاية المطاف. وإذا توقفنا عن القتال، سوف يقتلنا الأسد جميعاًquot;.