النظام السوري يرد على المبادرة العربية بمزيد من القتل

انقسمت المعارضة السورية بين مؤيّد ومعارض للمبادرة الأخيرة، التي قدمتها جامعة الدول العربية، والقاضية بتسليم الرئيس بشار الأسد صلاحياته إلى نائبه، وقد اعتبرها البعض تكرارًا للتجربة اليمنية، إلا أن الإجماع كان على أن هذه المبادرة هي موقف متقدم للجامعة.


إسطنبول: قدّمت الجامعة العربية مبادرة جديدة، محورها تسليم الرئيس بشار الأسد صلاحياته إلى نائب الرئيس، وطالبت النظام السوري الالتزام بها، في حين ردّ الأخير بتصعيد كبير في عمليات القتل.

تراوحت آراء معارضين سوريين ما بين مؤيّد ومنتقد، لكنها أجمعت على أن المبادرة العربية هي موقف متقدم للجامعة لسحب البساط من تحت أرجل النظام السوري.

واعتبر وحيد صقر المعارض السوري الناطق باسم التكتل السوري الموحد أن quot;المبادرة العربية تتضمن تكرارًا للتجربة اليمنية، وإعطاء ملاذًا آمنًا للقاتل مقابل رحيلهquot;.

وقال في تصريح خاص لـquot;إيلافquot;: quot;المبادرة جاءت كمصيدة لنظام بشار وعصاباته، لأنه من البديهي أنه لن يقبل بالتنحّي، وألا يرضى بتسليم فاروق الشرع مهام رئيس الجمهوريةquot;. وأضاف: quot;إن اغتيال الشرع، كما تم نحر محمود الزعبي، أهون على بشار، ومن يلوذ به من التنحّيquot;.

وأضاف: quot;أن هذا النظام قرر الاستمرار في قتل الشعب، ولا بد لكل محلل أن يرى جيدًا أن ما يقوم به بشار ونظامه الذين هم عبارة عن مافيا عصابات، كانت تعتبر سوريا مزرعة لهم، والأهم أنهم الآن يشعرون بأنهم سيكونون خارج سور تلك المزرعة، لتعود سوريا إلى حقيقتها، ويعود الياسمين الدمشقي إلى عبقهquot;.

ولفت إلى أنه quot;منذ بداية الثورة كنت أول من قال إن هذا النظام لن يرحل حتى يجعل البلاد خرابًا، وأعي تمامًا أن المبادرة العربية تدركجيدًا أن بشار لن يستجيب لها، والغريب أنه كيف لوليد المعلم أن يقبل بتمديد شهر للمراقبين فعلاً، وكيف تعطي الجامعة العربية مهلاً دموية عن قصد أو غير قصد؟، وخاصة في حال التزام النظام بتطبيق بنود المبادرة. ولكن هذا يعني تضييق الخناق على بشار عندما يتبنى مجلس الأمن تفعيل المبادرة، وأن العد العكسي بدأ فعلاً، ونرى وحشية وهمجية النظام على حقيقتهاquot;.

وشدد على رؤيته quot;أن النظام حتى الآن لم يكشر عن أنيابه، رغم كل ما فعل من انتهاكات وقتل وقمع وتهجير، لكن هناك ما هوآت يجعلنا ندرك، ومن خلال معرفتنا بعقلية النظام، أن النظام مستعد لتوجيه صواريخ قاسيون إلى دمشق، أي بمعنى آخر إنه لن يرحل إلا بتدخل عسكري أو ضربات استباقية جوية على أقل تقدير، ومن هنا أرى أن روسيا بموقفها تدافع عن النظام لرفع الثمنquot;.

من جانبه قال شلال كدو، القيادي في لجنة إقليم كردستان للمجلس الوطني الكردي في سوريا، في تصريح خاص لـquot;إيلافquot; إنه لا شك في quot;أن الموقف الرسمي العربي آخذ بُعداً آخر أكثر تقدماً، حينما طالبت جامعة الدول العربية صراحة الرئيس السوري بترك السلطة، وتسليم كل صلاحياته إلى نائبه، وتشكيل حكومة وطنية تشاركية بين المعارضة والسلطة، في محاولة منها لاستنساخ التجربة اليمنية في سوريا، متناسية بأن الوضع في سوريا يختلف عن الوضع اليمني، وبالتالي ليس بالضرورة أن ينجح تطبيق التجربة اليمنية في سورياquot;.

وأضاف quot;لكن في كل الأحوال، فالجامعة العربية سوف تضطر في النهاية - كما يبدو- بعد انقضاء مهلتها الأخيرة، البالغة ثلاثة أشهر، إلى رفع الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي، لتأخذ القضية طريقها نحو التدويلquot;.

وأوضح quot;رغم إيجابية المبادرة العربية الأخيرة، فهي جاءت منقوصة ومبتورة، حيث لم تشر إلى حق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه كسائر شعوب العالم، والذي يعد أحد أكبر المكونين الرئيسين، الذين يتألف منه الشعب السوري، ويعيش على أرض آبائه وأجداده الآوائل منذ مئات السنين، إن لم نقل الآلاف من السنين، مع العلم أن نسبته تتجاوزالـ15 بالمائة من مجموع سكان سوريا. ورغم ذلك فإنه يتعرّض منذ بناء الدولة السورية الحديثة، إلى أبشع أنواع الظلم والاضطهاد وإنكار لوجوده، إضافة إلى محاولات حثيثة لتغيير ديمغرافية مناطقه التاريخية (كردستان سوريا)، من خلال زرع عشرات المستوطنات منذ سبعينيات القرن المنصرمquot;.

وشدد كدو على أن quot;الموقف السعودي الأخير، القاضي بسحب المفتشين السعوديين من بعثة المراقبين العرب العاملة في سوريا، يمكن وصفه بالموقف الجريء والأكثر حزماً من بين مواقف الدول العربية حيال النظام السوري، الذي اتخذ من القمع والتنكيل خياراً في التعاطي مع الثورة الشعبية المستمرة في مختلف مناطق البلاد، منذ ما يقارب 11 شهراً، ويرى الكثيرون أن الموقف السعودي، سوف يلقي بظلاله على مواقف غالبية الدول العربية، لتكون أكثر صرامة مع النظام السوري، الذي يغرق بلاده بدماء المتظاهرين السلميين. وفي هذا المنحى، رأينا كيف تبنّت دول مجلس التعاون الخليجي الموقف السعودي، وسحبت بدورها مندوبيها من بعثة مراقبي جامعة الدول العربية إلى سورياquot;.

واعتبر أنquot; الرد السوري السلطوي أو الرسمي على المبادرة العربية الجديدة، الذي رأيناه، متوقع، إذ لا يمكن أن يقبل النظام بهذه المبادرة، لا سيما أنه لا يزال قوياً ويمتلك معظم الأوراق، التي تؤهله لضرب المتظاهرين العزل، من هنا فإن أية مبادرات من هذا القبيل في المرحلة الراهنة، لن يستجيب لها النظام الاستبدادي الحاكم في دمشق، طالما أنه لا يستطيع قبول الآخر المختلف سياسياً وثقافياً وإثنياًquot;.

إلى ذلك، رأى المعارض السوري هيثم بدرخانأن quot;المعادلة السورية لم تعد في إطار أقطاب معارضة، ونظام استبدادي، بل دخلت فيها المنطقة العربية والإسلامية والعالمية، ولكل منهم مواقفه ومصالحه، التي يدفع ثمنها شعبنا السوري، الذي يسعى إلى أبسط الحقوق الإنسانية للعيش شبه الكريم. وجاء تدخل الأطراف بناء على التصعيد الذي فرضه شعبنا على العالم. وكانت المواقف المتباينة بين المد والجزر من طلب التنحّي عن السلطة، ومنحها للمعارضة، التي لم تلتحم بعدquot;.

وأضاف في تصريح خاص لـquot;إيلافquot;: quot;الكل يدرك أن مطالب الثورة لن تتحقق بمجرد المطالبة، وكل يوم يزداد عدد الشهداء والدمار، ويدفع شباب الثورة ثمنًا باهظًا من أجل الحرية، ورغم هذا لم يتحرك ضمير المعارضة لتوحيد مواقفها، والإرتقاء إلى مستوى الحدث والمهام. ودخلت أقطاب المعارضة المندسة والمعارضة، التي ترفض التدخل الخارجي، ومعارضة تسعى إلى تدخل خارجي أكثر من سعيها إلى إسقاط النظام، ومعارضة مأجورة، تنفذ مصالح أرباب العمل، ومن مصلحتهم استمرار الوضع على ما هو عليه، لكي لا تنتهي مهمتهم الأبديةquot;.

وتابع quot;من هنا جاءت المواقف العربية والدولية متباينة على مستوى المعارضة، وبقي الشارع السوري هو المرصاد لكل الأطراف. ويرى البعض أنه لو تحركت الشام وحلب لكان أفضل من التحرك العربي والدولي، حيث أثبتت الثورة السورية جدارتها وقدرتها على تحدي كل الأطراف، وهي تعرف تمامًا من ركب الشارع بشعاراتها، وأحزاب تريد تبرير سبب ضرورة وجودهاquot;.

واعتبر بدرخان quot;أن بعثة الجامعة العربية تعكس عبر ممثليها واقع التشرزم العربي المعروف تاريخيًاquot;.

كما يرى رئيس الجالية السورية في موسكو الدكتور طارق فرحان quot;أن قرارات الجامعة العربية، والتي أقرّها وزراء الخارجية العرب، جاءت بفضل بعض الدول العربية الشريفة، في محاولة منها لتلقي الدعم الدولي لقرارات الدول العربية، وهي خطوة إلى الأمام، ولو لم تكن على مستوى مأساة شعبنا في سورياquot;. ويؤكد فرحان quot;أن ثورتنا ستجبر العالم على اتخاذ مواقف أكثر حزمًا لنصرة شعبنا الأعزل أمام آلة القتل التي يستخدمها النظامquot;.

ويشير إلى quot;أن الوقت الآن غير ملائم، وخاصة أن الإنتخابات الأميركية والروسية على الأبواب. إضافة إلى المحور الإيراني، الذي سيقدم كل الدعم للنظام السوري لحماية نفسه والمحافظة على المحور، بما فيه العراق وسوريا ولبنان. ويمكن اليوم الإعتماد أكثر على الموقف الأوروبي، حيث تقدمت فرنسا بمشروع جديد إلى مجلس الأمن الدولي أشد لهجة من سابقتهاquot;.

وأوضح quot;أن الجامعة العربية ومجلس الأمن على علم تام بأن النظام في سوريا لم ولن ينفذ أي بند من بنود القرارات العربية والدولية، إلا ضمن اللعبة التي يراها. والنظام السوري يرى عدم جدية الجامعة العربية، والمعروفة تاريخيًا بقرارتها المشؤومة، ويدرك عدم جدية الموقف الدولي الآن، وذلك للدور الذي يلعبه في تأمين حدود إسرائيل. ويدرك النظام أن إسرائيل ليست قادرة على تدمير برنامح إيران النووي، كما أن أميركا غير مستعدة الآن، لا اقتصاديًا ولا سياسيًا، لخوض معركة جديدة في الشرق الأوسط. وبالطبع سيستمر التصعيد الهادئ من قبل المجتمع الدولي والجامعة العربية وتركيا لإسقاط النظامquot;.

في الإطار نفسه، تحدث لـquot;إيلافquot; الناشط والمعتقل السياسي السابق أكرم الصفدي وقال: quot;الثورة السورية هي ثورة شعب أراد الحرية معتمداً على خبراته وبقواه الذاتية، ولن يعود من دون تحقيق أهدافه بإسقاط النظام التسلطي وبناء دولة مدنية ديمقراطيةquot;.

وأكد: quot;أن النظام ببنيته الأمنية والسياسية التسلطية، لن يقبل بأي حلّ تفاوضي سلمي، يجنب البلاد المخاطر المحيطة، ويتنكر لكل المبادرات الداخلية والخارجية بهذا الخصوصquot;.

وأضاف إن الموقع الجيوسياسي لسوريا يجعلها عرضة لتوازنات وتقاطعات مصالح إقليمية ودولية معقدة، قد حالت حتى الآن دون اتخاذ قرار عربي أو أممي حاسم، يوقف نزيف الدم السوري، قرار الجامعة العربية الأخير يعبّر عن أن التوازنات الإقليمية والدولية باتت أقرب إلى اتخاذ قرار بإسقاط النظامquot;.

وشدد الصفدي على أن quot;مبادرة الجامعة الأخيرة يمكن أن تكون في حال تبنيها دولياً، وسيلة ضغط على النظام وعلى داعميه الإقليميين والدوليين، من أجل وقف النزيف السوري، الذي ما فتئ يسيل بغزارة منذ أشهر من عمر الثورةquot;.