وسط مخاوف من صبّه الزيت على نار الصراع الإثني الذي تشهده مدينة كركوك العراقية الشمالية الغنية بالنفط فقد أثار قرار للحكومة العراقية بإلغاء إجراءات النظام السابق بمصادرة أراض يملكها أكراد وتركمان المدينة ومنحها لمواطنين عرب استقدموا من الجنوب ضمن سياسة التعريب المتبعة آنذاك أثار خلافات بين مكونات المدينة، حيث رحّب به الأكراد، ورفضه العرب، وتحفظ عليه التركمان وسط مخاوف من عامل صراع جديد.
إلغاء قرارات لجنة شؤون الشمال |
أسامة مهدي: ألغى مجلس الوزراء في جلسته الاسبوعية الثلاثاء الماضي كل القرارات الصادرة من لجنة شؤون الشمال المنحلة التابعة لمجلس قيادة الثورة المنحل منذ ثمانينات القرن الماضي، والتي منحت حرية التصرف بالاراضي الزراعية التابعة للاكراد والتركمان في محافظات ديالى ونينوى وكركوك.
كما أقرّ مجلس الوزراء توصية لجنة تنفيذ المادة 140 من الدستور بشأن تعويض المواطنين الملغاة عقودهم الزراعية وتعويضهم عن قيمة المنشآت والمغروسات والمستحدثات المقامة على العقود الزراعية الملغاة وتعويضهم بقطع أراض سكنية قريبة من اماكن سكناهم في محافظاتهم الأصلية التي استقدمهم النظام السابق منها، واسكنهم في كركوك، ضمن سياساته التي هدفت الى تعريب المدينة، التي يسكنها حوالى المليون نسمة من التركمان والاكراد والعرب.
تحفظ تركماني
قالت الجبهة التركمانية، التي تضم القوى والاحزاب التركمانية في العراق، ان تركمان البلاد تعرّضوا للكثير من التعسف خلال في الفترة السابقة، وخاصة مصادرة اراضيهم تحت مختلف الذرائع quot;التي لا يزالون يحتفظون بوثائق ملكيتها (الطابو)، ويطالبون باستعادتها كحق طبيعي من حقوقهم التي نص عليها الدستور ومواثيق حقوق الإنسان المحلية والدوليةquot;.
وأكدت الجبهة في بيان سياسي اليوم تلقت quot;إيلافquot; نسخة منه ان التركمان quot;لا يكتفون بإلغاء قرارات لجنة شؤون الشمال الملغاة، والتي تمت مناقشتها في جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي، الذي ينص على إطفاء الحقوق التصرفية لأراض زراعية، أصحابها من المكونين التركماني والكردي، واستبدال الاراضي الزراعية للعرب الوافدين، لما سمي بالحزام الامني لكركوك، ذلك ان هذا الإلغاء استثنى اراضي التركمان في مناطق حمزلي وتسعين وغيرها، بناء على طلب وزارة البلديات، بذريعة حاجتها إليها، أي إن هذا الإلغاء لا يعيد إلى المكون التركماني من أراضيه المسلوبة سوى الجزء اليسيرquot;.
وأشارت الجبهة الى ان الاراضي العائدة أصلاً للتركمان quot;قد تم الاستيلاء عليها وإطفائها ومصادرتها استنادا الى قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، ومنها القرار المرقم ٣٦٩ لسنة 1975 و القرار١٠٦٥ لسنة ٧٨، والقرار ٩٩٤ لسنة ٧٧، والقرار المرقم ١٨٩ لسنة ٧٩، وغيرها الكثير من القرارات الجائرة، والتي نصت على مصادرة أراضي التركمان والأكرادquot;.
وقالت ان اللجنة العليا لتنفيذ المادة الدستورية 140 (المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها) وبعض أعضائها من مجلس محافظة كركوك لم يكونوا على مستوى المسؤولية في تقديم توصيات عملية وقانونية الى مجلس الوزراء بشأن هذه الاراضي.
وأوضحت الجبهة انها تنظر بعين الحذر الى اعمال هذه اللجنة في كركوك، ولذلك فهي تكرر مطالبتها للحكومة العراقية ومجلس النواب بضرورة الغاء كل القرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورة المنحل، والاسراع في تعديل القانون رقم 13 لسنة 2010 الخاص بهيئة دعاوى الملكية، وما يخص منها الحاجة الفعلية إلى هذه الاراضي من قبل الوزارات المعنية.
وحذرت الجبهة التركمانية الكتل السياسية في البلاد من quot;استغلال هذه القضية في هذا الوقت العصيب الذي يمر به البلد، واستخدامها كورقة مساومة في ما بينها، وسنبقى نحن في الجبهة نطالب بإعادة هذه الاراضي الى أصحابها الأصليين، حيث إن أراضي حمزلي وتسعين هي قلب مدينة كركوك، فضلاً إلى أراضي يايجي وبلاوا وبشير وغيرها، ولا يمكن ان نستغني او نتنازل عليها أبداquot;.
.. ورفض عربي
من جهتهم قال النواب العرب عن مدينة كركوك إن قرار مجلس الوزراء الغاء قرارت لجنة شؤون الشمال المنحلة مؤشر خطر سيلحق ضررًا كبيرًا بمصالح مواطني كركوك. واضافوا خلال مؤتمر صحافي في بغداد تحدث فيه نيابة عنهم النائب عمر الجبوري quot;ان الغاء قرارت لجنة شؤون الشمال يلحق ضررًا كبيرًا بمصالح مواطني كركوك، من خلال المساس بمصالح الدولة العراقية، لأن غالبية الاراضي المشمولة بقرارات اللجنة مخصصة لأغراض النفع العام ومسجلة بأسماء الوزارات المختلفة، واصحابها تسلموا تعويضات عن اطفائها او استملاكها في حينهquot;.
واوضح quot;ان خشية عرب كركوك وتحسبهم متأتيان من اعتبار تلك المصادقة مؤشر خطر باتجاه تنفيذ حلقات المادة الدستورية 140 في اطار سياسة الوعود الممنوحة للتحالف الكردستاني كأسلوب للمساومات السياسية، مما قد يتسبب في إبعاد العرب عن كركوك وتهجيرهم بشكل جماعي خصوصًا اذا ما تم فسخ العقود الزراعية للفلاحين العربquot;.
وعبّر عن الاستغراب مما اسماه صمت القائمة العراقية المعنية قبل غيرها عن إجهاض هذا المشروع لتهديده مشروعها السياسي المعلن ومصالح جماهيرها، خصوصًا في محافظات كركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين. وطالب العراقية بأن تعلن صراحة رفضها لتنفيذ المادة 140، وحذرها من ان استمرارها في هذا الصمت سيعرضها للتمزق وانفضاض جماهيرها عنها.
وطالب قوى التحالف الوطني quot;ومن موقع مسؤوليتهم المتصدرة للعملية السياسية بالحرص على وحدة البلاد وحماية ابناء الشعب العراقي في كل المحافظات.. ودعاهم الى quot;الانتباه لمخاطر تداعيات مشروع تنفيذ المادة 140 المتزامن والمرتبط مع التوجهات الأخيرة نحو الفيدرالية، مما يشكل تهديدًا جديًا لوحدة البلاد وأمنها واستقرارهاquot;.
وتنص المادة 140 من الدستور على ان تقوم السلطات بإنهاء عمليات التطبيع والإحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها، لتحديد ارادة مواطنيها في مدة أقصاها 31 كانون الاول/ديسمبر 2007 للانضمام الى اقليم كردستان او البقاء محافظة مستقلة. لكن هذه الاجراءات لم تستكمل، الامر الذي اثار خلافًا بين العرب والتركمان، الذين يعدونها مادة منتهية من جهة، وبين الاكراد الذين يصرّون على تطبيقها من جهة اخرى.
ويؤكد المواطنون العرب في كركوك انهم لن يتركوا اراضيهم بسهولة quot;كما يرغب بعض الساسة الذين يحاولون التجاوز على حقوقنا في هذه الاراضي، التي منحت لنا بموجب قانون الاصلاح الزراعيquot;. وبهذا الخصوص يقول عضو المجموعة العربية في مجلس محافظة كركوك محمد خليل الجبوري إن quot;هناك 2282 عقدًا غير مشمولة بقرارات لجنة المادة 140 لأن أصحابها شرعيون، ومن عرب كركوك الأصليينquot;. واعتبر ان قرار إلغاء قرارات لجنة شؤون الشمال quot;جاء في وقت غير مناسب، وجرى بغياب وزراء العراقية، وهو خطوة لتجزئة كركوك وتخدم المكون الكردي فحسبquot;.
.. وترحيب كردي
على خلاف الموقفين التركماني المتحفظ والعربي الرافض، فقد رحّب الاكراد بالقرار، وقال رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان فؤاد حسين إن رئاسة الإقليم ترحّب بإلغاء مجلس الوزراء لقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، وكل قرارات لجنة شؤون الشمال المنحلة الصادرة في محافظة كركوك، مع التأكيد على ضرورة إصدار قرارات أخرى مماثلة.
وقال حسين في تصريحٍ صحافي quot;ان رئاسة الإقليم تثمّن هذه الخطوة عاليًا، وفي الوقت نفسه ترى بضرورة إتخاذ خطوات إيجابية أخرى مماثلة بهذا الإتجاه، لأن الإقدام على إصدار قرارات كهذه هو إحقاق للحق، وخطوة كبيرة نحو إزالة آثار ومخلفات النظام السابق، وإنصاف جميع من تضرر جراء تلك القرارات الجائرةquot;.
من جهته قال النائب الكردي لرئيس مجلس محافظة كركوك ريبوار طالباني إن الغاء كل قرارات لجنة شؤون الشمال سيسهم في إعادة حقوق الاكراد وإلغاء السياسات السابقة التي انتهجها النظام السابق، وهو خطوة لحل مشكلة تخص كركوك، وخاصة بإعادة آلاف الدونمات الى اصحابها وانهاء سياسية التعريب.
زراعة كركوك توضح .. ومراقبون متخوفون
وبغضّ النظر عن الموقف السياسي المتناقض لمكونات كركوك تجاه إلغاء قرارات لجنة شؤون الشمال، فإن مديرية الزراعة في المحافظة تعتبر أن العقود الزراعية تعتبر quot;واحدة من المشاكل الرئيسة التي تعانيها محافظة كركوك بسبب ارتباطها بالوزارات ايضاquot;. واشار مدير دائرة زراعة كركوك مهدي مبارك في تصريح لوكالة quot;السومرية نيوزquot; أن quot;المشكلة تكمن في جملة قرارات أصدرتها لجنة شؤون الشمال، نصت على سحب أراض من أصحابها الشرعيين من الكرد والتركمان، بلغت مساحاتها آنذاك نحو 300 ألف دونمًا، وسجلت بأسماء مواطنين عرب استقدموا من محافظات الوسط والجنوبquot;.
واضاف أنه بعد سقوط النظام السابق عام 2003 تم تشكيل لجنة للبتّ في صرف تعويضات للفلاحين العرب ممن يرغبون في فسخ عقود استئجارهم للأراضي.. مبيناً ان quot;3470 فلاحاً قدموا طلباتهم إلى اللجنة، ورفعت اللجنة توصياتها إلى وزارة الزراعة، لكن لم تعد تلك الأراضي إلى أصحابها حتى الساعة، لأن النظام السابق سجلها باسم وزارات، ونحتاج فك ارتباطها منهاquot;.
لكن مراقبين رأوا أن قرار إلغاء قرارات لجنة شؤون الشمال قد يضيف أزمة جديدة إلى الأزمات التي تعيشها البلاد ويمثل تصعيدًا جديدًا بين المكونات الثلاثة في كركوك، وتغييرًا لخارطة التحالفات السياسية في المدينة الموجودة منذ عام 2003 بين التركمان والعرب ضد محاولة الاكراد لضمها إلى اقليم كردستان.
وكانت لجنة شؤون قد اصدرت منذ ثمانينات القرن الماضي بعد تشكيلها من قبل مجلس قيادة الثورة العديد من القرارات تمنح حرية التصرف بالاراضي الزراعية التابعة للاكراد والتركمان في محافظات ديالى ونينوى وكركوك على وجه الخصوص. وقامت اللجنة بنقل ملكية آلاف الدونمات من أراضي كركوك الزراعية إلى العرب الوافدين، والتي دعمت بعد ذلك في تسعينات القرن الماضي، بقرارات أخرى لمجلس قيادة الثورة، الذي يتزعمه رئيس النظام السابق صدام حسين، لمصادرة آلاف من الأراضي من محافظة كركوك، التي كان يطلق عليها آنذاك محافظة التأميم.
وعقب سقوط نظام صدام حسين في التاسع من نيسان (أبريل) عام 2003 اتفقت الكتل السياسية على حل هذه القضية بموجب المادة 140 من الدستور، والتي لايزال موضوع تنفيذها يمثل عقبة كبيرة للجهات السياسية.
ويتهم العرب والتركمان الأحزاب الكردية باستقدام آلاف العائلات إلى كركوك، لتغيير تركيبتها السكانية، فيما ترد هذه الأحزاب بأن تلك العائلات هي من سكان المحافظة الأصليين، وقامت الحكومة العراقية خلال فترة النظام السابق بطردهم من المحافظة، وإسكان عائلات عربية محلهم لزيادة نسبة السكان العرب فيها.
التعليقات