laquo;أوكسفوردraquo; حفظت ماء وجه بريطانيا

يسود الشعور بالخوف في الأوساط الأكاديمية البريطانية إزاء ما يخبئه المستقبل لمؤسسات البلاد التعليمية العالية في ظل الظروف المالية العسيرة التي تمر بها البلاد حاليا. وهذا شعور لم يبدده اعتداد وزير التعليم بأن بلاده لاتزال في المرتبة الثانية بعد أميركا.


لندن: في أعقاب صدور التقرير الخاص بترتيب جامعات العالم من حيث أفضلية الأداء الأكاديمي والذي أوردته laquo;إيلافraquo; في وقته، أصيبت الأوساط الأكاديمية في بريطانيا بالصدمة إزاء أن عشرا فقط من جامعاتها احتلت مراتب لها في هذه القائمة وسارعوا الى توجيه أصبع الاتهام الى سياسة الحكومة التقشفية القاسية في خضم أزمتها المالية.

والواقع أن هذه ليست صدمة المتيقنين من أنه سيفقد شيئا عزيزا يملكه، وإنما صدمة من فقده على حين غرة. وقيل فورا إن بريطانيا تدفع ثمن العديد من التقصيرات في حق رعاية المؤسسة التعليمية العالية باعتبارها الأفضل في العالم تقليديا. وألقيت باللائمة على عدة عوامل منها تقع جميعا في إطار laquo;نقص التمويلraquo; وهي اضمحلال الاستثمارات، وشروط إصدار تأشيرات الدخول التعليمية القاسية التي تنبذ الجميع بمن فيهم أفضل الطلاب، والفراغ في الدراسات الإضافية العليا.

لا سلوى

هذا التباكي لا تقلل منه حقيقة أن جامعة أوكسفورد احتلت المركز الثاني في القائمة (بعد laquo;معهد كاليفورنيا للتكنولوجياraquo; الأميركي)، وأن بريطانيا ككل لا تزال في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. وهذا الشعور بالحزن، كما يقول الخبراء في التقارير الصحافية هنا، لأن مؤسسات تعليمية كانت تعتبر بين الأحسن أداء في مختلف أرجاء الدنيا عجزت عن ايجاد موطئ قدم لها في قائمة أفضل 100 جامعة في العالم للسنة 2012 / 2013.

والواقع أن الرقم laquo;10raquo;، وهو عدد الجامعات البريطانية لهذه السنة لا يؤخذ بمفرده وإنما في سياق زمني أعرض. ففي السنة 2011 / 2012 احتلت بريطانيا 12 مركزا. وكان هذا نفسه يقل بمركزين عن السنة 2010 / 2011 عندما كان إجمالي مراكزها يبلغ 14 جامعة.

أسباب أخرى

ثمة سبب آخر يدعو القائمين على شؤون التعليم البريطاني للهلع. وهو أنه، باستثناء تلك الجامعات العشر التي وجدت لها مواضع في قائمة 2012 / 2013، فإن بقية جامعات البلاد عموما تواجه شبح العجز بالكامل عن القدرة على الأداء الأكاديمي الباهر الذي كانت تتمتع به في السابق.

laquo;معهد كاليفورنيا للتكنولوجياraquo; أفضل مؤسسة تعليمية في العالم

ويقول الخبراء الذين أعدوا قائمة السنة الحالية أنفسهم إن المخيف حقا هو أن هذا الانهيار سيكون قد اكتمل في غضون 20 سنة من الآن إلا في حال حدوث laquo;ثورةraquo; تعكس مسار هذا الاتجاه. لكن الخبراء الاقتصاديين يقولون إن الآفاق لا تعد بنوع المناخ المالي الذي يتيح العودة على الأقل الى الأمجاد السابقة.

ووفقا لملحق laquo;تايمز هاير إديوكيشنraquo; المخصص لشؤون التعليم العالي، فإن بين العراقيل التي تواجهها بريطانيا في مشوار الشفاء المطلوب، أن بقية العالم لا يقف متفرجا على ما يمكن وما لا يمكن لبريطانيا عمله من أجل رفعة الأداء الأكاديمي لجامعاتها. ويتمثل هذا laquo;التهديد الحارجيraquo; في المستويات الراقية التي ترتفع عبرها المؤسسات التعليمية في الشرق الأقصى على سبيل المثال.

طمأنة واعتراف

ربما كان هذا هو ما حدا بوزير التعليم البريطاني، ديفيد ويليتس، للقول إن الهلع الذي يسود الأوساط الأكاديمية في بريطانيا laquo;في غير محله ولا مبرر له على الإطلاقraquo;. ويستشهد على هذا بأن بريطانيا laquo;لا تزال في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في التفوق الأكاديمي العالميraquo;.

ويمضي قائلا إن حكومته الائتلافية laquo;أنفقت الملايين من أجل دعم الجامعات البحثيةraquo;، لكنه اضطر للاعتراف بأن هذا الدعم ما كان ممكنا بدون رفع رسوم دخول الجامعات بحيث أن آلاف الطلاب من الأسر الفقيرة - والمتوسطة الحال أيضا - وجدوا أن الطرق الى التعليم العالي مسدودة أمامهم.

التهديد الآسيوي

يقول الخبير الأميركي البروفيسير ألان روبي، من كلية تعليم الخريجين بجامعة بنسلفانيا، إن الجمعات الآسيوية laquo;ترتقي السلم بسرعة عظيمة لأنها مدعومة بموجة عالية من الاستثمارات الحكومية المنطلقة من أن هذا هو نوع الاستثمار الوحيد المضمون النتائجraquo;.

ويقولون إن هذه الاستثمارات بدأت تؤتي ثمارها الحلوة فعلا في دول مثل الصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان، ولكل منها نصيب في قائمة المائة الأوائل في العالم. وهذا، بالطبع، إضافة الى اليابان المشتهرة أصلا بتقدمها العلمي والتكنولوجي.

وبالمقارنة مع هذا، والأرجح بسببه، فقدت مؤسسات أكاديمية أميركية وبريطانية عديدة مواقعها في قائمة أفضل 200 جامعة في العالم، لأنها صارت تفتقر الى المعدات الحديثة والمحاضرين المؤهلين والطلاب النجباء. وكل هذا يعود بشكل جزئي لكنه كبير الى مترتبات الأزمة المالية التي خفّضت الإنفاق العام بشكل حاد.

هبوط عام

قائمة السنة الحالية توضح أن ثلاث جامعات بريطانية تمكنت من احتلال مواقع لها في قائمة الجامعات العشر الأوائل. فقد جاءت laquo;أوكسفوردraquo; في المرتبة الثانية (صاعدة مرتبتين من الرابعة في القائمة السابقة)، وlaquo;كيمبريدجraquo; في السابعة (هبوطا من السادسة)، وlaquo;إمبيريال كوليدج لندنraquo; في الثامنة (على حالها السابق).

وزير التعليم البريطاني ديفيد ويليتس

وفي قائمة الخمسين الأوائل، احتلت سبع جامعات بريطانية مواقع لها، وجاءت حصيلتها في قائمة أفضل 200 جامعة 31 مرتبة مقارنة بـ32 للسنة السابقة. وأوضحت القائمة انخفاض حصة مجموعة جامعات laquo;راسيلraquo; (وهي رابطة مؤلفة من 24 مؤسة تعليمية بحثية تعتمد في تمويلها رئيسيا على الحكومة).

وهبطت laquo;جامعة بريستولraquo; من المرتبة 66 في 2011 / 2012 إلى المرتبة 74 في قائمة السنة الحالية، بينما خرجت laquo;شيفيلدraquo; من قائمة الـ100 لتحتل المرتبة 110 بالاشتراك مع laquo;ساسيكسraquo;. وجاءت laquo;سنت اندروزraquo; في المرتبة 108، وlaquo;ليدزraquo; في المرتبة 133 وبيرمنغهام (158) وlaquo;نيوكاسيلraquo; (180).

السيادة لأميركا مجدداً

الحقيقة التي صارت ماثلة بوضوح الآن، وفقا للخبراء وكما أوردت laquo;إيلافraquo; في تقريرها السابق، هي أن الجامعات البريطانية خارج laquo;المثلث الذهبيraquo; الذي تؤلف أركانه الثلاثة أوكسفورد وكيمبريدج ولندن laquo;تواجه خطر انحدار من مستواها الأكاديمي السامي الى العتبات الوسطى التي تقف عليها معظم جامعات العالم الأخرىraquo;.

على هذا النحو تجد الجامعات البريطانية أن حلمها بالسيادة الأكاديمية في العالم صار بعيد المنال حقا، وإن عليها الآن ان تنافس الشمس المشرقة الصاعدة في الشرق، دعك من الأميركية. فقد صار لهذه الأخيرة موقعها القيادي الصلد - كما ظل عليه الحال تقليديا - بحيث صارت أقرب الى من اكتسب المناعة ضد تقلبات الدهر. لكن دوام الحال من المحال... خاصة بالنظر الى النمور التعليمية الآسيوية التي تشب حاليا عن الطوق.