لا تتوقف السلطات الإيرانية عن البحث عن خطة تخفف حبل العقوبات المشدود حول عنق اقتصادها، وآخر خططها quot;مياه عكرةquot;، رسمها محمد الجعفري لتلويث مياه مضيق هرمز ببقعة نفطية، تضطر الغرب إلى الاستعانة بإيران لتنظيفها، فيرفع عنها العقوبات موقتًا.


إذا كان هناك رجل تلتقي عليه كل مخاوف الغرب فهو الجنرال محمد علي جعفري قائد قوات الحرس الثوري الإيراني. فجعفري، الذي يحمل شهادة جامعية في الهندسة المعمارية، ازداد عزيمة وصلابة بسبب ما تعرض له من تعذيب في سجون الشاه.

وهو كان أحد الطلاب الذين اقتحموا السفارة الاميركية في طهران في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 1979. ثم قاتل في الحرب الإيرانية العراقية، ليتولى في العام 2007 قيادة الحرس الثوري الإيراني المعروف باسم quot;باسدرانquot;، وهي القوات التي أنشأها قائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني للدفاع عن النظام.

تطورت قدرات الحرس الثوري حتى أصبح دولة داخل دولة، يفوق في فاعليته الجيش النظامي نفسه. ومن بين 21 وزيرًا في الحكومة الإيرانية، أنهى 13 وزيرًا تدريباتهم في قوات الحرس الثوري.

في هذه المجموعة من المتشددين، يتميّز جعفري (55 عامًا) في تشدده. وفي العام 2009، هو من أعلن أن إيران ستضرب بالصواريخ مركز الابحاث النووية الاسرائيلي في ديمونة، إذا هاجمت اسرائيل منشآت إيران النووية.

مياه عكرة إيرانية

أفاد تقرير quot;سري للغايةquot; أن جعفري يعكف على إعداد مخطط بالغ الخطورة، إذ حصلت أجهزة استخبارات غربية على خطة أُطلق عليها اسم quot;مياه عكرةquot;، يقترح جعفري فيها، ومعه رفيقه في الحرس الثوري الأميرال علي فداوي، إمكانية تنفيذ عمل تخريبي أرعن، هو التعمد في إحداث كارثة بيئية في مضيق هرمز ، بحسب ما أوردته شبيغل اونلاين، النسخة الالكترونية لدير شبيغل الألمانية.

ويبدو أن هدف الخطة الجهنمية هذه تلويث مياه المضيق، ما يستدعي إغلاق هذا الممر المائي الاستراتيجي الذي تعبره ناقلات النفط. وبذلك، تعاقب إيران البلدان العربية المعادية لها، وتجبر الغرب على إشراك إيران في عملية تنظيف ضخمة، قد تتطلب من الغرب تعليق عقوباته المفروضة على إيران موقتًا، كما تقول الصحيفة.

وتعتقد مصادر استخباراتية غربية أن خطة quot;مياه عكرةquot; جاهزة للتنفيذ، وموجودة الآن على مكتب مرشد الجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي، صاحب الكلمة الأخيرة في مثل هذه القرارات الكبيرة، بانتظار نيلها موافقته وبركته، ليتولى الحرس الثوري تنفيذها.

دليل إحباط

يرى خبراء استخباراتيون غربيون أن خطة جعفري تعبّر عن شعور متزايد بالاحباط. وعلى النقيض من مكابرة المسؤولين الإيرانيين، فإن العقوبات تسبب أكثر من مضايقات إقتصادية، كما وصفها وزير الخارجية الإيراني علي اكبر صالحي في حديث صحافي أخير. فإن ما يربو على 50 بالمئة من إيرادات الميزانية الإيرانية مصدرها صادرات النفط، التي انخفضت من نحو 2.4 مليون برميل في اليوم في تموز (يوليو) 2011 إلى نحو مليون برميل في اليوم في تموز (يوليو) الماضي. لكن إيران لم تخفض إنتاجها إلا بنسبة تقل عن 25 بالمئة، نظرًا للمشاكل التقنية والتكاليف المالية المترتبة على تعطيل الآبار موقتًا.

وتواجه إيران الآن مصاعب جمة في بيع نفطها، بسبب الحظر على استيراده. فحتى البلدان غير الملزمة بتطبيق هذه العقوبات تعزف عن شراء النفط الإيراني، لأن أحدًا لا يريد تأمين شحنات النفط من مصادرها الإيرانية إلى الدول المستوردة. فامتلأت خزانات النفط على البر الإيراني منذ زمن، ولا دول مجاورة تستطيع إيران أن تأتمنها على ثروتها النفطية.

وعمدت غالبية الناقلات العملاقة، وخمس ناقلات أصغر نسبيًا، تحمل العلم الإيراني إلى وقف منظومة تحديد مواقعها آليًا. فهذا يجعل من الصعب على الجواسيس الأجانب رصد الناقلات وتعقبها، لكنه يزيد أيضًا من خطر وقوع حوادث غير متوقعة. ويبدو أن بلدانًا مجاورة قدمت شكاوى إلى طهران مرات عدة بشأن هذا الاجراء الخطير.

تنفّس موقّت

تتناول خطة جعفري بالتفصيل كيف يمكن التسبب بكارثة بيئية ضخمة، إذا قاد الإيرانيون إحدى هذه الناقلات مثلًا للارتطام بصخور في البحر.

خلال حرب الخليج في العام 1991، ألقى الرئيس العراقي السابق صدام حسين ملايين براميل النفط في مياه الخليج، ما عطل صيد الأسماك في مياه المنطقة طيلة أشهر، كما دامت الأضرار البيئية سنوات بعد ذلك. وفي العامين 1994 و1998، هددت تسربات نفطية منشآت تحلية الماء في المملكة العربية السعودية والامارات، وبالتالي امدادات ماء الشرب في البلدين.

وبحسب قيادة الحرس الثوري الإيراني، إن وقوع كارثة بيئية نتيجة ارتطام ناقلة نفط ضخمة بالصخور سيجبر صندوق النقد الدولي على التعويض عن أضرار التلوّث النفطي والمساهمة ماليًا في معالجة آثار الكارثة.
لكن القيام بمثل هذا المجهود لإزالة آثار التلوث لن يكون ممكنًا إلا بمعونة تقنية من السلطات الإيرانية. ويتطلب هذا رفع العقوبات موقتًا على الأقل. حينئذ، يتنفس الاقتصاد الإيراني الصعداء ولو لفترة زمنية محددة، كما يمكن للشركات النفطية التي يملك الحرس الثوري الإيراني بعضًا منها أن تجني الأرباح من برنامج التنظيف.

كما تتوقع خطة جعفري أن يلتف الشعب الإيراني حول حكومته في مثل هذا الموضوع، وبذلك تُدفع الأزمة الاقتصادية إلى الظل.