يقبع اللاجئون السوريون في المخيمات على الحدود التركية بانتظار الشتاء القارس، متخبطين بين البقاء في دول قدمت لهم المساعدات أو العودة الى منازلهم في بلادهم حيث الخطر والحرب.
بيروت: في ظل الحرب المستعرة في بلادهم، وضبابية الأحداث التي تنذر بمزيد من التصعيد، يقبع لاجئو سوريا في المخيمات التركية بين نارين: استحالة العودة إلى بلادهم في الوقت الراهن، وقدوم الشتاء الذي سيزيد من معاناتهم، كونهم يفتقرون إلى الطعام والمسكن المناسب لاستقبال الفصل البارد.
الأمهات اللاجئات في تركيا بالكاد يستطعن إطعام الأطفال، وينظرن إلى قدوم فصل الشتاء القاسي بسوداوية وقلق، فالطعام المتوفر حالياً لا يكفي والخيم لن تقيهم البرد فيما ينتظرون انتهاء المعارك للعودة إلى منازلهم أو ما تبقى منها.
تركز الاهتمام الدولي على السوريين الذين فرّوا إلى الدول المجاورة، تحديداً إلى تركيا، الأردن، لبنان والعراق. وقد أشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى أن اللاجئين السوريين في الخارج ربما يزيد عددهم على 500000 لاجئ، يعيش معظمهم في مخيمات رسمية، حيث يتوافر الحد الأدنى من الضروريات.
تشردوا من منازلهم ويبحثون عن مأوى
أما بالنسبة إلى المشرّدين الذين ما زالوا في سوريا فإن فرص التّنعم بالأمن أو بالمساعدات تبقى ضئيلة، ويعتمد الكثير منهم على إحسان الاقارب أو الأسر الصديقة أو على مساعدات محدودة من المنظمات المعنية بالإغاثة أو من الحكومة.
بعد أن شردتهم الحرب من منازلهم، تجول العديد من السوريين لعدة اشهر من مكان إلى آخر بحثاً عن مأوى، وغالباً تحت القصف المدفعي والجوي. وفي ظل اتساع دائرة العنف في البلاد، لا يجد هؤلاء سقفاً يحميهم سوى خارج الحدود السورية.
وقد تدفق المئات من السوريين اللاجئين إلى تركيا خلال الأسابيع الأخيرة، في الوقت الذي بدأت فيه أنقرة بفرض قيود على دخول أراضيها، حتى تتمكن الحكومة من بناء مزيد من المخيمات، الأمر الذي يؤدي إلى أزمة إنسانية مرشحة للتحول إلى كارثة ما لم تتخذ التدابير اللازمة.
أصبحت المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا نوعاً من أنواع المناطق العازلة بحكم الأمر الواقع، فجذبت إليها كل اللاجئين وكذلك الثوار المقاتلين. واللافت أن المدفعية السورية لم تستهدف تلك المنطقة والسبب يعود إلى الخوف من تأجيج العلاقات السورية- التركية.
نتيجة لذلك، تزايد عدد السكان في هذه المنطقة إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، ليصبح أكثر من 15 ألف نسمة، وأصبحت الحدود وجهة للمقاتلين الأجانب الذين يرغبون في الانضمام إلى صفوف المتمردين.
تركيا الملاذ الوحيد
في بلاد مزقتها الحرب اليومية بين النظام والمعارضة، يعزم العديد من السوريين على تأمين الملاذ المناسب لهم ولعائلاتهم قبل حلول فصل الشتاء، لكن يبدو أن الوجهة الوحيدة المتوفرة أمامهم هي المخيمات التركية التي تتركهم أمام حلين أحلاهما مر: إما المعاناة في خيم لا تقيهم البرد والجوع أو الموت في سوريا.
حتى تركيا التي تعتبر من الداعمين الأساسيين للثورة السورية، فيبدو أنها لم تعد قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من اللاجئين إلى أراضيها بسبب العنف المتصاعد في سوريا.
وتقول الحكومة إنها غير قادرة على مواكبة معدل هروب الناس من القصف والقتال، ففي الجمعة الماضي، كان 98.506 لاجئين سوريين يقيمون في 14 مخيماً تركياً، وهو رقم قريب من الحد الأقصى الذي يمكن لأي دولة استيعابه وهو ما يعرف بـ ''الحد النفسي'' بمائة ألف.
هذا الأمر يبدو واضحاً من خلال تصريحات مسؤول تركي رفيع المستوى قال لصحيفة الـ quot;فاينانشال تايمزquot; إن quot;سرعة بناءquot; المخيمات لا تضاهي مستوى العنف الذي يتعرض له السوريون، سنستمر في سياسة الباب المفتوح طالما نستطيع أن نتعامل مع الأمر، لكن بالنسبة إلى المجتمع الدولي، فلن تكون تلك هي النقطة''.
وتنتقد منظمة هيومن رايتس واتش في تقريرها ما وصفته بـ quot;المنع المزعوم لبعض اللاجئين من دخول تركياquot;، الأمر الذي ينفيه المسؤول التركي ، قائلاً إن quot;أكثر من 15.000 شخص تقريباً الذين ينتظرون على الجانب السوري يختارون عدم العبور، لأنهم قد سمعوا أن مخيمات اللاجئين ممتلئةquot;.
لكنه حذر من أن النظام السوري قد يهاجم المنطقة الحدودية للاقتصاص من السوريين الذين ينتظرون على الجانب الآخر من الحدود.
وقدمت تركيا مساعدات للاجئين الذين لا يزالون في الجانب السوري، من خيم ومواد غذائية وغيرها، لكن حملة أنقرة لإقامة منطقة عازلة داخل سوريا، المدعومة من جانب الأمم المتحدة، قد فشلت حتى الآن في أن تحظى بتأييد دولي واسع، خصوصاً من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما.
على الحدود بانتظار اللجوء
من ناحية أخرى، يؤدي وجود الآلاف من الناس على الحدود إلى تسليط الضوء على تأفف الشارع التركي من أزمة اللاجئين. في أحد استطلاعات الرأي في الشهر الماضي، أظهرت الأرقام أن 52 % من الأتراك لم يوافقوا على قرار إقامة السوريين في مخيمات داخل البلاد، و66 % رأوا أن على الحكومة أن تطرد اللاجئين الجدد.
عدا حالات الطوارئ الطبية، فمعظم الأشخاص الفارين من العنف غير قادرين على دخول تركيا لأنهم لا يحملون جوازات سفر. ويقوم بعض السوريين غير المستعدين للانتظار ربما لأسابيع على الحدود بالتسلل داخل الأراضي التركية.
وقالت ''هيومان رايتس واتش'' إن ساكني مخيم به أكثر من 5.500 سوري في قرية حدودية تظاهروا متوسلين الحكومة التركية أن تسمح لهم بدخول تركيا.
وتخطط أنقرة لتوسيع المخيم لاستقبال 30.000 لاجئ آخر، لكنها تدعو الدول الأخرى للمساعدة في معالجة هذه الأزمة. وقالت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي انه سيكون من السهل توفير الدعم المالي إذا تمت إدارة المخيمات من قبل الأمم المتحدة بدلاً من أن تظل تحت سيطرة الحكومة التركية.
استياء تركي وتأجج المشاعر الطائفية
بانتظار الدعم المالي، أو انتهاء القتال، أو فتح الحدود أمام اللاجئين، تبقى مشكلة أخيرة تزيد الأمور تعقيداً. فوجود الآلاف من اللاجئين السوريين في تركيا يسبب التوترات في بعض المدن إذ إن بعض الأتراك يطالبون بترحيل السوريين من أراضيهم.
احتج بعض سكان أنطاكية، وهي مدينة صغيرة قرب الحدود التركية مع سوريا، على وجود اللاجئين السوريين مطالبين الشرطة بإخلاء الجميع من أحيائهم وحصر وجودهم في الملاجئ.
مشاعر الاستياء هذه ليس موجهة ضد المدنيين، إذ إن العديد منهم موضع ترحاب من قبل جيرانهم، لكن الأتراك يقولون ان السوريين الموجودين على أراضيهم ليسوا لاجئين ndash; ولا حتى سوريين ndash; بل quot;مجموعة من الرجال الملتحين ذوي النظرات الغريبةquot; في إشارة إلى أنهم من المقاتلين الإسلاميين من ليبيا أو مصر التابعين لتنظيم القاعدة.
إضافة إلى ذلك، يدعم أعضاء المجتمع العلوي في تركيا الحكومة السورية، وبالتالي لا يرحبون بواقع أن جميع اللاجئين، أو أغلبهم، ينتمون إلى الطائفة السنية التي تدعم الثورة والجيش السوري الحر.
أما البعض الآخر، وبعيداً عن المشاعر الطائفية، فيعود استياؤهم إلى أن وجود اللاجئين في بلادهم أدى إلى رفع تكاليف السكن وخلق منافسة على الوظائف التي تعتبر من حق الأتراك قبل السوريين.
مشاعر الاستياء هذه باتت واضحة لدى السوريين في تركيا، الذين على الرغم من تقديرهم للمساعدة التي يقدمها الأتراك، يقولون إن التوترات في أنطاكية تعكس الفتنة الطائفية التي أصبحت جزءاً من الحرب الأهلية في سوريا.
التعليقات