وضع الرئيس المصري محمد مرسي الأولوية لمصلحته ومصلحة مصر في إغلاق أنفاق التهريب من مصر إلى غزة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار في القطاع المحاصر.
لميس فرحات: كان إغلاق الأنفاق قد أشعل حال من الغضب تجاه الرئيس الإسلامي الجديد لمصر داخل القطاع، بسبب خنق واحدة من أهم موارد غزة للبضائع.
عملية تدمير الأنفاق التي بدأتها مصر في آب/ أغسطس الماضي كجزء من حملة أمنية فى سيناء، بعد هجوم رفح الذي أودى بحياة 16 من جنود حرس الحدود، قد أدى إلى ارتفاع الأسعار في غزة، وشمل مواد البناء والغذاء.
احتجت حكومة حماس على إغلاق الأنفاق، لكنها استغلت الفرصة أيضاً للضغط على مصر للسماح بتجارة مشروعة بين الجانبين وإغلاق الأنفاق تماماً.
توقعت حركة حماس، وهي أحد فروع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، أن تجد شريكاً أكثر صداقة عبر الحدود بعد نجاح مرشح الإخوان محمد مرسي في الوصول إلى الرئاسة، إلا أن الرئيس المنتخب رفض إقامة منطقة تجارة حرة، وقام بحملة للقضاء على أعمال التهريب.
هذه الخطوة تؤدي إلى استنتاج واضح، وهو أن الرئيس المصري الجديد يضع مصالحه ومصالح مصر فوق الصلات الأيديولوجية مع الإخوان المسلمين، فهو لن يعرّض موقعه الرئاسي للخطر إرضاءً لحماس.
يتعامل مرسي مع المشكلة الأمنية في سيناء من خلال التأكيد على موقعه كرئيس لكل المصريين، وليس رئيساً إخوانياً، لذلك فإن الاستجابة لمطلب حماس بإقامة منطقة تجارة حرّة تهدم جهوده، لأن معارضيه سيتهمونه بإرضاء حماس على حساب المصالح المصرية.
ما يقرب من ثلثي سكان غزة عاطل عن العمل، ونحو 40 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر، مما يجعل ارتفاع الأسعار أزمة فوق أزمة، بالكاد يستطيع السكان احتمالها. وعلى الرغم من أن مصر هي صاحبة القرار بإغلاق الأنفاق، إلا أن الغزّيين ينظرون إلى حكومتهم، باعتبارها المسؤولة عنهم، وبالتالي عليها إنهاء معاناتهم.
الاقتراح الجريء
يقول طارق لبد، المتحدث باسم وزارة حكومة حماس في غزة، إن الواردات الاقتصادية الشهرية من مواد البناء قد انخفضت بنسبة 45 في المئة، في حين انخفضت الواردات الغذائية الأساسية بنسبة 31 في المئة منذ إغلاق الأنفاق.
لحلّ مسألة تجارة الأنفاق، التي تشكل خطراً على الأمن المصري بسبب الأسلحة والمسلحين الذين يمكن أن يعبروا تحت الحدود، اقترحت حماس إغلاق الأنفاق تماماً، وفتح منطقة للتجارة الحرة على الحدود للسماح بتدفق البضائع إلى غزة بشكل قانوني.
ويقول مسؤولون في حماس إن خالد مشعل، زعيم الجماعة السياسية، ناقش الفكرة مع المخابرات المصرية قبل أسابيع عدة، لكن اقتراحه جوبه بالرفض، على الرغم من أن المتحدث باسم مرسي قال إنه لم يناقش هذا الاقتراح بشكل رسمي.
لطالما نظر مسؤولو مصر بقلق إلى فتح الحدود للتجارة مع غزة، إذ إنهم يخشون أن تؤدي هذه الخطوة إلى دفع إسرائيل إلى غلق حدودها مع القطاع، فتنتقل مسؤولية تلبية الاحتياجات الإنسانية لغزة إلى مصر بشكل حصري، الأمر الذي قد يؤدي إلى كثير من التداعيات السلبية.
السلفية تسلب حماس شعار quot;المقاومةquot;
إلى جانب ارتفاع الأسعار والعلاقات الضبابية مع مصر، في ظل عدم معرفة حماس ما إذا كان الرئيس مصري يستوحي سياساته من الأيديولوجيا أو مصلحة البلاد فقط، تواجه الجماعة السياسية في غزة تحديًا آخر، وهو quot;الفورة السلفيةquot; في البلاد، التي تزاحم حماس على راية المقاومة.
تسعى إسرائيل وحماس إلى استعادة الهدوء النسبي، الذي ساد لأشهر عدة بعد اشتعال القتال في عطلة نهاية الأسبوع بين الطرفين وأدى إلى مقتل ما لا يقلّ عن خمسة فلسطينيين بالرصاص.
اغتيال إسرائيل لزعيم إحدى المجموعات السلفية الآخذة في النمو في غزة يسلّط الضوء على تنامي السلفية والنشاط المتزايد للمتشددين، الذين يستلهمون نهج القاعدة في القطاع وشبه جزيرة سيناء المجاورة في مصر، الامر الذي يهدد سنوات من الهدوء النسبي مع إسرائيل.
الشبكة المتشددة الصغيرة التي، وفقاً لحماس، تعمل بشكل مستقل، تطلق الهجمات الصاروخية من غزة بوتيرة متزايدة، وتتعاون مع متشددين في صحراء سيناء المصرية، لتنفيذ الكمائن عبر الحدود، التي كانت هادئة في السابق مع إسرائيل.
وفي الوقت الذي تحاول فيه حكومة حماس في غزة والقادة الإسلاميون الجدد في مصر تركيز جهودهم على بناء اقتصادات كل منهما، فإن حماس لا تريد الانجرار إلى صراع مع إسرائيل.
تسعى حركة حماس إلى التركيز على حل مشاكل الحياة اليومية في غزة، وبتالي فهي ليست مهتمة بالحكام الجدد في مصر أو بالتصعيد مع إسرائيل. ولذلك، فإن أي تصعيد إسرائيلي ضد السلفيين وأي رد في المقابل يضع حماس تحت الضغط في غزة.
الخيار بين المقاومة أو التطوير
فيما تحاول حماس إعادة التوازن بين صورتها كزعيمة quot;المقاومةquot; الفلسطينية وبين واجباتها من أجل تعزيز التنمية في غزة - الذي يتطلب درجة من الاعتدال ndash; تمكنت الحركة السلفية من جذب أتباع حماس المحبطين، بخليط من الأصولية الدينية والتشدد المتطرف، وتسجل هجمات متزايدة في القطاع.
على الرغم من أن حماس كانت معارضة تماماً لانتشار الأفكار الجهادية، إلا أنها تواجه اليوم عواقب عدم التعامل مع هذه المشكلة منذ بداياتها، فالسلفيون يريدون جرّ الجانبين إلى مواجهة شاملة، الأمر الذي يخدم أهدافهم السياسية، لكنه يعتبر مناقضاً لأهداف حماس، التي تريد تحقيق الاستقرار في غزة، وعدم الدخول في أي صراع في الوقت الحالي.
قبل يومين، وجّهت إسرائيل ضربة كبيرة إلى قائد جماعة التوحيد والجهاد هشام سعداني في قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل واحد من أكثر القادة نفوذاً للفرع المتطرف من الإسلام، الذي استهدف مصر وحكام حماس وكذلك إسرائيل.
وقال الجيش الاسرائيلي إن هشام سعيداني قتل مع متشدد آخر بارز في شمال قطاع غزة في غارة جوية مساء السبت. وكان واحداً من المرشدين الأيديولوجيين الرئيسين للحركات العنيفة المحافظة المتطرفة والإسلامية في قطاع غزة، والمعروفين باسم الجهاديين السلفيين.
وأضاف الجيش الاسرائيلي انه يشتبه في ان سعيداني (43 عامًا) قام بتنفيذ هجمات ضد أهداف مصرية وإسرائيلية، لكنه لم يقدم المزيد من المعلومات.
إسرائيل وحماس تبحثان عن الهدوء
يوم أمس، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مواصلة ضرب الأهداف السلفية، في حين توقع متحدث باسم حماس ان قوات من quot;المقاومةquot; الفلسطينية سوف تنتقم من إسرائيل على خلفية هجمات في مطلع الأسبوع.
لكن محللين يقولون أن كلا الجانبين لديهما مصلحة في التخفيف من حدة التوتر. نتانياهو لا يريد أن ينفذ هجوماً كبيراً في قطاع غزة، لأنه بذلك يكون قد خاطر بعملية إعادة انتخابه. كما إن حماس تنتظر زيارة محتملة من أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، الذي وعد باستثمار مئات الملايين من الدولارات في البنية التحتية في غزة.
التعليقات