اختيار اللجنة المانحة لجائزة نوبل الاتحاد الأوروبي لخصّه بهذه الجائزة ذات أهمية كبرى، والتي لها صيت عالمي لا تضاهيها فيه أي جائزة أخرى، في شقها المرتبط بالسلام الدولي، أوقد جدلاً لم يطوَ بعد، لتساؤل البعض حول الشروط التي اعتمدتها هذه اللجنة في هذا الاختيار، واستغراب البعض الآخر، مقدمًا قراءة سياسية للجائزة، لا علاقة لها بالغاية التي خلقت من أجلها.


بوعلام غبشي من باريس: رصيد الاتحاد الأوروبي في عمليات السلام دوليًا لا يمكن إنكاره، حيث إنه كانت له مساهمة فعالة في العديد من الخلافات التي يعرفها العالم كما حصل في كوسوفو، ووساطتها في النزاع الروسي الجورجي، زيادة على حضورها ضمن الرباعية في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ودعمها المادي الشهري للفلسطينيين.

لكن رغم كل ما ذكر، يعتقد العديد من المتتبعين، أن الاتحاد لا يتوافر على رصيد مهم في السلام الدولي يؤهّله لأن ينال هذه الجائزة بالنظر إلى حجمها، وبالتالي أعطيت لهذا الاختيار قراءات أخرى، لا تسير في اتجاه الهدف الذي خلقت من أجله، وإنما بمضامين سياسية وتاريخية، باعتبار أن أوروبا نجحت في أن تنتقل من مرحلة الخلافات والحروب إلى مرحلة الاستقرار.

بعض المنتقدين لهذا الاختيار أشاروا بموجب ذلك إلى الربيع العربي وما حمله من متغيّرات على رقعة السياسة الدولية، تونس كمثال التي أشعل شبابها نار الثورة في أنظمة شائخة انطلاقًا من نظام بن علي، حيث يرون أن هذا quot;الربيعquot; لم يكافأ بالشكل المناسب دوليًا، ولم تلتفت إليه مثل هذه الجوائز لتحريضه على المزيد من البناء الديمقراطي، سواء في تونس أو غيرها من البلدان المغاربية والعربية، علمًا أن جائزة السنة الماضية كانت من نصيب الناشطة اليمنية توكل كرمان.

لكن الكثير من المحللين الغربيين يعتقدون اليوم أن هذا quot;الربيعquot; أفرز توجسات لدى دول الشمال بعدما أتى عليه ما يسمونه بـquot;الخريف الإسلامويquot;. وتسجيل الأحزاب الإسلامية، في البلدان العربية التي مر منها، نتائج تاريخية في الانتخابات، ولّد نوعًا من الخيبة لدى هذا الغرب. فبعدما كان مندفعًا وراء مده الذي حمل شعارات ذات مضمون كوني من حرية وديمقراطية وغيرها، أنتج لديه في الوقت الحالي نوعًا من التريث بأمل ظهور ماهية حقيقته.

الاتحاد حقق أهدافاً تاريخية وسياسية
يفسر نابلي بليغ، وهو مدير أبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، في تصريح لـ إيلاف، الجدل الحاصل حول جائزة نوبل للسلام لهذه السنة بأنه راجع إلى كون quot;الاتحاد له مساهمات محدودة في عمليات السلام دوليًا. والانقسامات الداخلية غالبًا ما شلت حركته، على سبيل المثال حرب العراق سنة 2003quot;.

يتابع هذا المختص في الشأن الأوروبي ساردًا السلبيات التي راكمها الاتحاد الأوروبي، قائلاً إنه quot;داخل الفضاء الأوروبي نفسه الاتحاد لم يكن قادرًا على تفادي الحرب في يوغوسلافيا في بداية التسعينات. وأخيرا الاتحاد الأوروبي يجتاز أزمة مالية واقتصادية تصيب بشكل مباشر quot;السلم الاجتماعيquot; داخل دولهquot;.

حول الغرض من منح هذه الجائزة للاتحاد الأوروبي، يجيب بليغ، أن هذا الاختيار كان quot;بهدف معاكسة الخطاب القائل بتراجع أوروبا في العديد من الميادين، والذي يضرب البناء الأوروبي، مع الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي نجح في تحقيق أهدافه التاريخية والسياسية بضمان السلم في أوروبا بعد حربين عالميتينquot;.

لا يعتقد ضيفنا أن هذه الجائزة ستشكل حافزًا مهماً للاتحاد للانخراط أكثر مستقبلاً في قضايا السلام الدولي لأن النادي الأوروبي، بكل بساطة، quot;لا يمتلك لا الإرادة السياسية لذلك، ولا الوسائل المالية المطلوبة لأجل تأكيد طموح من هذا القبيلquot;، بحسب تفسيره.

من يتسلم جائزة الاتحاد الأوروبي للسلام؟
إضافة إلى ما أفرزته الجائزة من جدل حول أحقية نيلها من طرف الاتحاد الأوروبي، يضاف اليوم نقاش جديد بشأن من له الصفة الشرعية والقانونية في تمثيل الاتحاد في حفل تسليمه، زيادة على غياب شخصية ذات صيت عالمي من قبيل نيلسون مانديلا له رصيده الخاص به في السلام الدولي.

يقول الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية نابلي بليغ بهذا الشأن quot;إن هوية من يتسلم هذه الجائزة طرحت مسألة التمثيل الدولي للاتحادquot;، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن quot;اتفاقية لشبونة لعام 2009 حددت بالفعل بشكل قانوني رئيس الاتحاد والممثل السامي له على مستوى العلاقات الدولية، إلا أنها لم تحسم في من يمثل الاتحاد دوليًاquot;.

في السياق نفسه يضيف أن quot;رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي سيحضر برفقة رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو ورئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولز لحفل تسليم الجائزة في أوسلو، بعبارة أخرى سيحضرالممثلون الثلاثة للمؤسسات التي يستمد منها الاتحاد شرعيتهquot;.