دعت مؤخرًا العديد من الجمعيات النسائية في الجزائر إلى ضرورة وضع حد لظاهرة التحرش الجنسي في أماكن العمل، وحسب خبراء تحدثوا لـquot;إيلافquot; فإن هذه الظاهرة التي تعد من المحرمات صارت كابوسًا يقف في وجه طموح الكثيرات ويعرقل مسيرتهن المهنية، بل ويهدد حياتهن الخاصة والاجتماعية.


الجزائر: رغم أن القانون الجزائري جرم ظاهرة التحرّش الجنسي، إلا أن المادة القانونيةالتي لا تحمي الشاهد أمام المحكمة، لم تتمكن من توفير الحماية للجزائريات في أماكن العمل ولم تردع الممارسين لها، خاصة أن فعل التحرش لا يمكن أن يكون ظاهرًا للعيان، وعادة لا يكون شاهدًا على الفعل إلا المجرم والضحية، ومن ثم يصعب كثيراً إثبـات فعل التحرش الجنسي بالأدلة والوقائع.

لهذا تفضل أغلب النساء التحاف الصمت عوض مواجهة هذا المشكل خوفًا من الفضيحة وتبعاتها التي عادت ما تجرّم المرأة وتحملها المسؤولية.

فضيحة وتحقيق وحكم قضائي

تابع مؤخرًا الرأي العام الجزائري قصة بطلها مدير القناة الرابعة في التلفزيون الجزائري، وهي القضية التي رفعت ضده من قبل ثلاث موظفات في القناة، صحافيتان وسكريبت خلال شهر يوليو 2011، يتهمنه بالتحرش الجنسي بهن وممارسة ضغوطات لا أخلاقية ضدهن، حيث تمت إحالة القضية للمحاكمة بعد عام من التحقيق، وقد فصلت محكمة بالجزائر العاصمة في القضية، إذ أدانت المتهم بستة أشهر موقوفة النفاذ وغرامة مالية قدرها 200 ألف دينار.

احصاءات مفزعة

أظهرت دراسة نشرت العام الماضي أن quot;إمرأة من بين كل عشر نساء تتعرض للتحرش الجنسي في أماكن العمل، وأن فعل التحرش عادة ما يأتي من صاحب العمل أو المسؤول المباشرquot;.

أرجعت الدراسة الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع أو انتشار الظاهرة بشكل لافت في أوساط العاملات والطالبات إلى quot;سلسلة الأزمات التي يعرفها المجتمع الجزائري، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية التي تجعل أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، ومن ثم فالكثير من النساء يعملن أو يساهمن بشكل مباشرة في ميزانية البيت، ما يعني أن الحصول على منصب شغل يضاهي تمام البقاء فيه، فصاحب الشركة أو المدير أو المسؤول المباشر عندما يلجأ إلى فعل التحرش يكون عادة متأكدًا أن المرأة سترضخ في النهاية لأنها مجبرة تحت الحاجة الاجتماعية إلى قبول مثل هذه التصرفات.

وحتى إن رفضتها فلن تجرأ على الحديث لأن المجتمع سيتهمها بشكل مباشر، بل ربما تصبح هي المتحرشة بالمدير أو صاحب العمل، لأنها متبرجة أو تستغل مفاتنها لكسب الوظيفة مع أن الواقع يثبت أن المحجبات لم يسلمن أيضاً من حوادث التحرش اليومي في المؤسسات والإدارات والجامعات وأكثرهن لا يجرأن على الحديث علانية عن التحرش خوفاً من الفضيحةquot;.

قانون لا يحمي الشاهد

كشفت رئيسة المرصد الجزائري للمرأة ش. جعفري في حديثها لــquot;إيلافquot; عن quot; تسجيل 273 حالة تحرّش خلال 11 شهراً من السنة الماضيةquot;.

وعابت تحديد القانون في مادته 341 مكرّر عقوبة عامين للمتحرّش، وهي مادّة تعتبرها المتحدّثة quot;مكسبًا هامًّا ولكنها غير رادعة أو كافية، لكونها لا توفّر حماية للشّاهد، الأمر الذي جعل العديد من الشهود يتهرّبون من التضامن مع الضحيّة أو تأكيد الممارسات التعسّفية التي تؤدّي إلى الإقصاء الاجتماعي للضحايا، بينما يطال الفصل التعسّفي عن العمل من يتجرّأون على البوح بما شاهدوا، وخوفاً من إدانة مرتكب التحرّش بغير حقّ، ينعكس القانون أحيانًا على الضحايا، أمام غياب أدلّة ملموسة quot;، حسب جعفري.

من جانبها أشارت رئيسة الجمعية الوطنية لحماية الأسرة آسيا شيباني إلى أنّ جمعيتها quot;سجّلت 40 حالة تحرّش خلال السنة الماضية، لم ينصفهنالقانون نظرًا لضآلة العقوبة المحدّدة للجاني من جهة، وعدم حمايته الشاهد في القضية واشتراطه الدليل المادّي الذي يصعّب على الضحية الحصول عليه كون الجاني بارعاً في محو الدّليلquot;.

يذكر أن سمية صالحي، الرئيسة السابقة للجنة الوطنية للنساء العاملات بالاتحاد الوطني للعمّال الجزائريين كشفت في وقت سابق أنّ quot;مركز الاستماع ومساعدة ضحايا التحرش الجنسي الذي كانت تشرف عليه سجّل 942 مكالمة خلال سنة واحدة، من بينها 388 مكالمة لضحايا تحرّشات جنسية، تبلغ أعمارهن ما بين 55 ndash; 21 سنة، 248 منها كان القطاع العمومي مسرحاً لها و140 حادثة بالقطاع الخاص، 94 منهن عازبات، 87 متزوّجات، 144 مطلّقات، 51 مقبلات على الطلاق، 12 أرملة، مضيفة أن أغلب التحرّشات حدثت بالعاصمة، تليها ولايات الوسط، الشّرق، الغرب والجنوب quot;.

تكتم شديد على الجريمة

يشير المحامي أكديف الياس في تصريحه لــ quot;إيلافquot; إلى أن quot;نسبة قضايا التحرش بالنساء في أماكن العمل تكاد تكون منعدمة في المحاكم، الموجود منها يعالج بشكل سري، حيث تلجأ معظم النساء المتحرش بهن في أماكن العمل من طرف المدير أو حتى الزميل إلى التكتم و التستر عن مثل هذه التصرفات الخادشة بالحياء، رغم أن القانون الجزائري واضح وصارم بخصوص التحرشات الجنسية بالنساء بصفة عامة والنساء العاملات بصفة خاصةquot;.

هذا راجع حسب المتحدث إلى أن quot;المرأة العاملة تعرف تمام المعرفة أنها إذا حررت محضراً لدى مصالح الأمن وتقدمت للمحكمة فستلطخ سمعتها وشرفها وستواجه مشاكل عديدة خاصة أن مجتمعنا الجزائري لا يرحم للأسف ويعتبرها مذنبة سواء كانت راضية أم لاquot;.

كما أشار في السياق ذاتهإلى أن quot;الكثير من النساء اللواتي يتعرضن للتحرش الجنسي في أماكن العمل يفضلن السكوت عن هذه الممارسات كون إثبات جرم التحرش أمام القاضي أمراً صعباً جدًا نظرًا إلى أن معظم هذه القضايا تفتقر إلى غياب الأدلة القانونية المؤكدة للواقعة، وهو ما سيحول مسار القضية في الكثير من الأحيان إلى محاولة تلفيق جرم التحرش في حق هذا الشخصquot;.

آثار نفسية خطيرة

عن الآثار النفسية للظاهرة تكشف السيدة فوزية بوجريو أستاذة علم النفس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة عنابة لـ quot;إيلافquot; أن quot;أغلب النساء العاملات المتحرش بهن في أماكن العمل من طرف أصحاب العمل أو الزملاء يعانين من أمراض نفسية عديدةquot;.

وأضافت: quot;المرأة المتحرش بها قد تصاب بانهيارات عصبية خطيرة خاصة إذا كانت غير قادرة على مغادرة مكان العمل، وهو ما يعني بطبيعة الحال بقاءها تحت الضغط الذي قد يسبب لها انهياراً عصبياً، أما إذا كانت قادرة على مغادرة مكان العمل وتفادي الشخص الذي يقوم بالتحرش بها جنسيًا، فإنها ستكون حذرة جداً في علاقاتها حيث تظل هذه التجارب السيئة راسخة بذهنهاquot;.