للمرة الأولى، يتناول كتاب موجّه إلى اليهود المتشددين في إسرائيل مسألة التحرش الجنسي بالأطفال، واضعًا خارطة لتوعية الأطفال وأولياء الأمور للوقاية من تفشي هذه الظاهرة في دور التعليم اليهودية، معتمدًا على الصورة لتوضيح مناطق التحرش في الأطفال، فأثار موجة من النقاش خرقت جدار الصمت حول الموضوع.


صورة لغلاف الكتاب الذي اخترق حاجز صمت اليهود المتشددين في اسرائيل

محمد نعيم: بهدوء تام وحذر بالغ، نجح كتاب إسرائيلي جديد في اختراق حاجز الصمت، الذي فرضه اليهود المتشددون على أنفسهم، وحال دون خوضهم في أية قضايا تتعلق بالجنس أو التحرش الجنسي، خاصة لدى الأطفال.

ويناقش الكتاب الصادر حديثاً تحت عنوان: quot;من الأفضل الاحتراس حتى لا نأسف لاحقاًquot; قضايا ذات صلة بالتحرش جنسياً بالأطفال، ويضع قائمة من الوصايا، التي يمكن من خلالها تفادي تلك الحوادث.

الوقاية من حوادث التحرش الجنسي بالأطفال
ووفقاً لتقرير مطول نشرته صحيفة هاآرتس العبرية، اقتحم الكتاب الجديد مكتبة اليهود المتشددين في إسرائيل، ويؤكد الخبيران في الصحة الأسرية، اللذان أعدا الكتاب ونشراه quot;إيلي بار جيquot;، وquot;ناتاي ملمادquot;، أنهما تلقيا العديد من اتصالات أولياء الأمور المتشددين دينياً، الذين حاولوا الحديث باستفاضة عن كيفية وقاية أبنائهم من حوادث التحرش الجنسي، سواء كان ذلك في الشارع أو مؤسسات التعليم.

في نهاية المطاف وصل الكتاب الذي يجيب عن كل الأسئلة إلى منازل اليهود المتشددين، وذلك بعدما تفاقمت ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال في دور التعليم، سواء من خلال المعلمين أو من خلال حوادث ارتكبها الأطفال أعينهم مع بعضهم، ولم يستثنِ الخبيران الإسرائيليان أياً من دور التعليم الدينية، التي قاموا بالتدريس فيها، من ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال، خاصة مدارس quot;بني براكquot;، وquot;القدسquot;، وquot;رحوفوتquot;، وquot;بتح تكفاquot; وغيرها.

وتؤكد أرقام دار نشر الكتاب الذي يدور الحديث عنه، نفاد الطبعة الأولى منه فور صدورها، وتستعد دار النشر لإصدار طبعة جديدة، واعتبر معدو الكتاب أن اقبال الجماهير الدينية المتشددة في اسرائيل على شراء الكتاب يعدّ امراً غير مسبوق، خاصة أن تلك الشريحة من الاسرائيليين كانت ترفض وتحرّم اي حديث عن التحرش أو غيره من القضايا المتعلقة بالجنس.

وفي محاولة للانفتاح على ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال ومناقشتها، بغضّ النظر عن تفشيها بين الاوساط اليهودية المتشددة في إسرائيل، قال quot;ناتاي ملمادquot; في سياق كتابه: quot;ليس بالضرورة انتساب ظاهرة التحرش بالأطفال في وسط معين، لكن الضروري خلق قنوات من الحوار اليومي مع الاطفال فور عودتهم من المدرسة، لاستيضاح ما يجري من تفاصيل في يومهم الدراسي، وتجاهل غياب لغة المكاشفة والمصارحة بين الاطفال وأولياء امور اليهود المتشددينquot;.

صورة تحذر اطفال اليهود المتشددين من التجاوب مع أي شخص غريب يقدم هدية أو قطعاً من الحلوى

يضيف الخبير الاسرائيلي ان الوسط اليهودي المتشدد في اسرائيل لا يزال رافضاً لتدريس الثقافة الجنسية في مرحلة متقدمة من التعليم، على العكس من الوسط الليبرالي أو الاقتصادي، فأي كتاب موجّه إلى أطفال اليهود المتشددين، لا يمكن أن يحتوي على صورة عارية لطفل أو طفلة بغرض التوعية أو الثقافة الجنسية، كما لم يتطرق أي مؤلف داخل الوسط اليهودي المتشدد إلى مسألة الصحة الجنسية أو الاعضاء التناسلية على سبيل المثال، فإذا تعرّض طفل للتحرش الجنسي على سبيل المثال، فلا سبيل امامه لحل المشكلة سوى الصمت التام، ولا يختار ولي امره سوى سلبية التعتيم على الواقعة.

رغم انتقاد الخبير الاسرائيلي لإشكالية غضّ الطرف عن ازمة التحرش الجنسي بالأطفال في الوسط اليهودي المتشدد، إلا أنه يرفض في المقابل معالجة الحديث بفجاجة عن اسماء الاعضاء الجنسية في كتابه الموجه إلى أطفال اليهود المتشددين، فلا يجوز بحسب الخبير المشارك في إعداد الكتاب، تسمية الاعضاء التناسلية بمسمياتها الدارجة، وإنما تكفي الاشارة عند توعية الاطفال الى الصورة فقط، مثلما يتم عرض نوع من الطعام في كتاب للطهي من دون ذكر لاسم هذا النوع.

نسخة معدلة من كتاب مترجم من الانجليزية
تشير صحيفة هاآرتس العبرية الى أن كتاب quot;من الافضل الاحتراس حتى لا نأسف لاحقاًquot;، هو في الحقيقة نسخة معدلة من كتاب مترجم من الانجليزية الى اللغة العبرية، وكان واسع الانتشار في سبعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة، غير أن quot;ايلي بار جيquot; المشاركة في اعداد الكتاب، المديرة العامة السابقة للجمعية الاسرائيلية لتنظيم الأسرة، بادرت الى ترجمة الكتاب الى اللغة العبرية، وعلى حد قولها: quot;افرز الكتاب احاسيس ثقافية، عندما تعاطى مع اطفال من جذور مختلفة في الولايات المتحدة، ولذلك لعب الدور نفسه عندما خاطب اطفال الوسط اليهودي المتشدد في اسرائيلquot;.

اذا كان الكتاب الذي يدور الحديث عنه في نسخته الانجليزية، يناقش بشكل مباشر كل الاشكاليات الجنسية لدى الأطفال، إلا أنه عندما يناقش تلك الاشكاليات لدى الوسط اليهودي المتشدد في اسرائيل يتعامل بحذر بالغ، إذ يهدف في مضمونه العام الى خلق حوار مع الاطفال حول ظاهرة التحرش الجنسي.

لذلك يتطرق الكتاب الى نقطة محظورة، ولكنه يوجه اسئلة الى الأطفال حول اكثر الاماكن خصوصية في اجسادهم، كما ينبّه الكتاب كل طفل الى أي لمسة قد تتعرض لها حواسه الخاصة، ويلفت انتباهه الى أن هذه اللمسة محظورة ويجب تلافيها.

صورة تحذر الاشخاص البالغين من لمس اماكن خاصة في جسد الاطفال

يبدأ الكتاب بعرض رسالته للأطفال بصورة واضحة فيقول: quot;في هذا الكتاب نحن نحاول الحديث عن الاماكن الخاصة في اجسادكم، فليس لأي شخص الحق في لمس هذه الأجزاء، كما انه ليس من حقكم لمس هذه الاماكن في جسم آخر ايًا كان نوعهquot;، كما يحذر الكتاب الاطفال من مرافقة أي شخص غريب يغريهم بقطع من الحلوى، أو طلب المساعدة من أي شخص غير الاب والأم، في اشارة الى أن التحرش بالأطفال قد يحدث داخل محيط الاسرة.

الخبيران الاسرائيليان معدا الكتاب quot;بار جيquot;، وquot;ملمادquot;، يعكفان منذ خمسة عشر عاماً على التدريب في مجال الصحة الجنسية والأسرة في الوسطين الليبرالي واليهودي المتشدد في إسرائيل، على الرغم من ذلك، الا أن الخبيرين متنافران في توجههما الايدلوجي، إذ ينتمي ملماد الى الوسط اليهودي المتشدد، وتخرّجمن المدرسة الدينية المتشددة quot;حفرونquot;، ويقيم في منطقة quot;بيت شمشquot;، بينما نشأت بار جي في احدى القرى التعاونية الزراعية.

وبمرور السنين استقبل الخبيران العديد من الشكاوى في عيادتيهما الخاصتين، وعن ذلك يقول ملماد: quot;شعرت رويداً رويداً بأن هناك حاجة الى المكاشفة والمصارحة حول اشكالية التحرش الجنسي بالأطفال، فأصبحت مهمتي فتح قنوات الحوار مع الاحبار والحاخامات في اسرائيل للتعاطي مع تلك المشكلةquot;.