يرى محللون وخبراء في الاستراتيجية العسكرية تحدّثوا إلى 'إيلافquot; أن أي تدخل عسكري في شمال مالي، لن يكون هو الحل الأمثل لحل الأزمة، فالمفاوضات وربما الحكم الذاتي، يكفلان الاستقرار لمنطقة المغرب والساحل.


الرباط: قد تكون الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية قبل ثلاثة أيام إلى الجزائر من أجل البحث عن دعم جزائري في اتجاه تدخل عسكري محتمل في شمال مالي بدعوى مطاردة القاعدة، نقطة فاصلة في تحول الخارطة الجيو ستراتيجية لبلدان الساحل والمنطقة المغاربية بأسرها، خصوصًا إذا ما تم شن حرب على القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يحتل شمال مالي مع حلفائه الطوارق من جماعة أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا منذ نيسان/أبريل الماضي حيث أعلنوا تطبيق الشريعة الإسلامية.

يرى محللون وخبراء في الاستراتيجية العسكرية أن أي تدخل عسكري لن يكون هو الحل الأمثل لحل أزمة شمال مالي التي تعود إلى ستينيات القرن الماضي، ويعتبرون البحث عن حل سياسي هو الطريق الكفيلة بضمان الاستقرار للمنطقة.

الحل الديمقراطي وأزمة الأزواد

يعتقد الباحث في العلاقات الدولية خالد شيات أن المشكل في شمال مالي (منطقة الأزواد) أعمق من أن يكون مرتبطاً بمطالب انفصالية، فهو مشكل داخلي قديم، هوياتي يحتاج إلى معادلة سياسية. وقال شيات لـquot;إيلافquot;: quot;تتضمن الأزمة ثلاثة أبعاد أولها البعد الداخلي، بمعنى أن حل هذا المشكل الذي ينتمي إلى القرن العشرين يجب أن يكون داخليًا لتجاوز هذا الإرث التاريخي.quot;

بعد مرور عام على استقلال دولة مالي سنة 1960 ظهر مشكل مطالبة سكان المنطقة بالاستقلال عن دولة مالي. حين وعد الثوار الجزائريون آنذاك دوغول خلال مفاوضات إيفيان أنهم سينظمون استفتاء لتقرير المصير في جنوب الجزائر للطوارق إلا أنهم سرعان ما تخلوا عن هذا المبدأ بعد الاستقلال.

واعتبر الباحث في العلاقات الدولية أن الحل الديمقراطي يبقى الخيار الأهم في تدبير هذه الأزمة والاعتراف بالتميز الثقافي لمنطقة الشمال المالي وخصوصياتها الدينية والإثنية والقبلية. وأضاف: quot;المستوى الثاني، الإقليمي، وهنا إمكانية تأثيره على الوضع الجيو- ستراتيجي للمنطقة المغاربية وحتى على دول أفريقيا جنوب الصحراء، لوجودها ما بين أفريقيا الشمالية وأفريقيا جنوب الصحراء.quot;

تشهد منطقتا الساحل والمغاربية غليانًا كبيرًا بعد الأحداث التي شهدتها ليبيا وتونس والتحولات التي وقعت نحو الديمقراطية في الجزائر والمغرب ونوعًا ما في موريتانيا. وأشار شيات إلى أن بعض الأنظمة في شمال أفريقيا كانت مرتبطة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بهذه الأزمة بالشكل الذي كانت عليه قبل الوضع الحالي الآن في شمال مالي.

وأوضح: quot;كان هناك التدخل المباشر للجزائر، طبعًا كانت هناك مجموعة من الحركات الداعية إلى الانفصال كالجبهة العربية الإسلامية لتحرير الأزواد أو الجبهة الشعبية لتحرير الأزواد أو غيرها من الحركات بتوجهاتها المتعددة من عروبية وإسلامية، والجزائر كانت تلعب في هذه الساحة، لقد سبق وأن تدخلت في جنوب المغرب، فالمعطى المخابراتي الجزائري وجد منذ زمن في مالي، هذا يفسر إلى حد بعيد زيارة رئيسة الدبلوماسية الأميركية هيلاري كلينتون إلى الجزائر وليس إلى أي منطقة أخرى.quot;

حسابات جيوستراتيجية

يعتبر شيات أن للجزائر الآن دوراً في المنطقة، وquot;على الصعيد الدولي أصبح لديها دور آخر، في حالة تدخل مباشر أو غير مباشر مع القوات الأميركية كشريك أساسي في محاربة ما يسمى بالإرهاب في شمال مالي.quot;

وفي تقديره، إذا كانت الجزائر ستنخرط في هذه الحرب إما بشكل مباشر أو غير مباشر quot;سيكون مكلفًا جداً بالنسبة إليها باعتبارها دولة حليفة للولايات المتحدة، وخلخلة العلاقات في شمال أفريقيا ما بين الولايات المتحدة والمغرب والاتحاد الأوروبي على حساب البناء الذي تطمح إليه الشعوب المغاربية في الاتحاد المغاربي الذي ينأى عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول.quot; لذلك يرى أن على أي تدخل في مالي quot;أن يتم وفق نوع من التشاورquot;.

وأشار الباحث أنه حتى إن تأثر الاتحاد المغاربي، الذي يشهد تعثرات، بهذه المستجدات الجيوستراتيجية فإنه سيكون مدخلاً للصراع الممتد من مالي إلى مناطق كثيرة جداً متوترة في المنطقة، وممكن أن ينتقل إلى الصحراء الغربية على اعتبار أن ثمة ترابطاً ما بين الحركات التي تسمى إرهابية والحركات الانفصالية كجبهة البوليساريو.

وتساءل الباحث عن الكيفية التي يمكن أن تتعامل بها القوى المتدخلة في المنطقة مع جبهة البوليساريو ومع مشكل الصحراء، مسجلاً حالة موريتانيا quot;الحلقة الأضعف في سياق هذه المعطيات، فهناك توغل لتنظيم القاعدة في الغرب الإسلامي في العاصمة الموريتانية نواكشوط والعديد من المدن والولاء الذي يحظى به التنظيم في بعض المناطق الموريتانية لا يخلو من تهديدات جدية لمستقبل المنطقة.quot;

وأضاف لـquot;إيلافquot;: quot;بلقنة المنطقة في شمال مالي قد تتسع لتشمل موريتانيا، وتمتد إلى الصحراء. فالحسابات الجيوستراتيجية كبيرة ولا يمكن أن تكون بين الجزائر والولايات المتحدة لوحدهما لإقرار التدخل من عدمه في شمال مالي. لأن هذا يمكن أن يخلخل الجو العام في المنطقة ويمكن أن ينتج عنه في المستقبل القريب جو من عدم الاستقرار، فالتدخل لا يعني إنهاء الصراع في المنطقة كما قد يتصور البعض.quot;

دولة طارقستان

من جهة أخرى، يلاحظ الخبير في الدراسات الاستراتيجية والعسكرية عبد الرحمان مكاوي أن الكثير من المتدخلين يتناسون تاريخ شمال مالي أو ما يسمى بإقليم الأزواد، المنطقة الصحراوية التي تساوي مساحتها مساحتي فرنسا وإسبانيا مجتمعتين.

قال مكاوي لـquot;إيلافquot;: quot;المشكل تاريخي، يعود إلى حقبة الاستعمار عندما وعد الجنرال دوغول بإعطاء الاستقلال للطوارق وإنشاء دولة طارقستان في جنوب الجزائر ممتدة من غاو إلى ورقلة في جنوب الجزائر، لأنها تضم كتلة بشرية واحدة مكونة من قبائل أمازيغية وعربية لها امتداد بشري بين الجنوب الجزائري وشمال مالي.quot;

فالمشكل الطارقي مازال قائمًا منذ ذلك التاريخ، وجمهورية مالي لم تكن حاضرة إلا في المدن، أما المساحات الشاسعة فإنها ظلت تحت سيطرة قبائل الطوارق.

وأضاف الخبير: quot;شكلت المنطقة عمقاً استراتيجيًا للجزائر التي كانت حاضرة بمخابراتها وأمنها وجنودها في شمال مالي، تلعب دور الوسيط تارة وأخرى تهدد، لذلك فإن ورقة الأزواد تعتبرها المؤسسة العسكرية الجزائرية امتداداً لعمقها الاستراتيجي.quot;

ويرى أن مشكل هذا النزاع معقد، لأن القبائل الطارقية همشت منذ زمن من قبل الإثنيات الأخرى. تتكون مالي من 23 إثنية وهذه الإثنيات كانت تهمش الشمال المالي (إقليم الأزواد)، وظلت ترفض الاستجابة لطموحاتهم سواء في حكم ذاتي أو في تقاسم السلطة.

مع ظهور القاعدة في المغرب الإسلامي التي انشطر عنها تنظيم التوحيد والجهاد وأنصار الدين والحركة الوطنية من أجل تحرير الأزواد، يطفو هذا المشكل القديم على سطح الأحداث.

وأوضح مكاوي: quot;إن حركة تحرير الأزواد هي حركة لائكية كانت دائماً مقربة من الجزائر، وظهرت إلى جانبها حركة أخرى تنافسها وهي حركة أنصار الدين وهي بدورها مقربة من الجزائر التي تعتبر أنها قابلة للابتعاد عن الإرهابيين الآخرين كالقاعدة في المغرب الإسلامي وتنظيم الجهاد والتوحيد في غرب أفريقيا وتنظيمات الملثمين...إلخ.quot;

تخوفات من دخول مستنقع مالي

ويعتقد أن الجزائر تحاول أن تناور، وأن خلافها مع فرنسا والولايات المتحدة هو حول حركة أنصار الدين التي تعتبرها حركة سياسية دينية يمكن التفاوض معها في حين يضعها الغرب في خانة التنظيمات الإرهابية.

وأوضح: quot;لحد الآن لمتعلن الجزائر أنها ستتدخل، بل إنها تناور لإفشال أي تدخل غربي لضرب الجماعات السلفية الإسلامية في شمال مالي، وهي تارة تقول بمنح تسهيلات لوجستية وتارة تعارض أي تدخل بدعوى أن عقيدتها العسكرية لا تسمح لها بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول إلا أنها سبق وأن تدخلت في إقليم الصحراء جنوب المغرب.quot;

للجزائر حدود طويلة مع مالي بحوالي 1330 كلم، و140 كلم مع النيجر، و150 كلم مع موريتانيا إضافة إلى 1400 كلم مع المغرب بمجموع 6500 كلم، quot;هي حدود الجزائر كلها موبوءة وملغمة وجيشها منتشر فيها.quot; يعلق الخبير.

ويضيف: quot;طلب من الجزائر كي تتدخل لسببين، أولا، لأجل دفع نسبة معينة من فاتورة هذا التدخل الذي يقيّم من قبل الاستخبارات العسكرية الأجنبية بأكثر من مليار دولار، ثم ثانيًا، أن جيشها غير مستعد للقيام بحروب في الرمال، وأخيرا إنها تتخوف من الدخول في مستنقع في مالي وتحول المنطقة إلى أفغانستان أخرى قد تكون لها تداعيات على الداخل الجزائري.quot;

الحرب وحتمية التغيير

يرى الخبير في الدراسات الاستراتيجية والعسكرية عبد الرحمان مكاوي أن أي تدخل في الوقت الراهن دون الجزائر أولا، ودون مساعدة الجيش الملكي المغربي، سوف يكون مصيره الفشل، quot;لأن جيوش أفريقيا الغربية لا تستطيع محاربة القاعدة في مساحات كبيرة، ثم إنها ليست مدربة على حروب الرمال والصحراء.quot;

من الناحية العسكرية، يعتقد الخبير أن الأمر معقد جدًا وأن الغرب وفرنسا على الخصوص لا يرغبان في التدخل على الأرض بجنود عدا إمكانية تكليف وحدة خاصة لتحرير الرهائن كلما أتيحت إمكانيات ذلك.

وأضاف الباحث:quot; يركز الغرب على عاملين أساسيين هما المقاربة الأمنية ومطالبة الجزائر بمدهم بكل ما لديها من مخزون استخباراتي حول الجماعات السلفية، ثم المقاربة العسكرية، وهنا إن لم تتدخل الجزائر فهي فاشلة وإن هي تدخلت فإنها ستتحول إلى بؤرة من بؤر التوتر في منطقة قد تمتد من شمال نيجيريا إلى القاهرة.quot;

وأوضح: quot;كل حرب قد تؤدي إلى تغيّر جيوستراتيجي كيفما كانت، فالكل متخوف: الغرب والجزائر والمغرب، لذلك هناك ضغوط على جميع القيادات في المنطقة، والحرب، إن هي وقعت، ستكون طويلة المدى وسوف تكون تأثيراتها على جميع دول المنطقة وأولها موريتانيا والجزائر وبوركينا فاصو والنيجر، وقد تصل تداعياتها إلى المغرب نظرًا لاعتباره دولة ساحلية صحراوية.

واعتبر أنه في هذه الحالة، امام مستنقع ينبغي مقاربته سياسياً عن طريق منح حكم ذاتي لشمال مالي عن طريق المفاوضات، وإعادة بناء الجيش المالي بإعادة إدماج ثوار حركة تحرير الأزواد.