احتجبت صحف حزبية ومستقلة وسوّدت ثلاث فضائيات مصرية شاشاتها اليوم، احتجاجًا على استبداد الاعلان الدستوري وتضييق مشروع الدستور الجديد على الحريات الصحفية، في خطوة وصفت بالمحترمة على الرغم من أن الصحافيين المحتجين متأكدون من أنهم لن يجنوا ثمار احتجاجهم فورًا.


القاهرة: رجل من ورق الصحف يجلس في غرفة السجن المظلمة، وهو مكبّل الرجلين بالسلاسل الحديدية.. صورة تصدرت أولى صفحات غالبية الصحف اليومية الخاصة والحزبية المصرية الصادرة أمس الإثنين، إحتجاجًا على ما اعتبره الصحافيون والإعلاميون المصريون إعتداءً من نظام حكم الإخوان المسلمين ورئاسة الدكتور محمد مرسي على حرية الرأي والتعبير في مصر.
ولم يقف الإحتجاج عند هذا الحد، بل إحتجبت نحو 14 صحيفة يومية وأسبوعية خاصة وحزبية اليوم الثلاثاء 4 كانون الأول (ديسمبر)، وتضامنت معها ثلاث محطات فضائية خاصة امتنعت عن البث أيضًا.

غابت الصحف المؤثرة

قررت صحف مصرية مستقلة ومعارضة الاحتجاب عن الصدور اليوم الثلاثاء، احتجاجًا على المواد التي تتعلق بالصحف والحريات في مشروع الدستور الجديد، وكتبت صحيفة التحرير بالخط العريض على موقعها الالكتروني: quot;لمواجهة الاستبدادquot;.
من جهتها، سوّدت صحيفة إيجيبت إندبندنت، النسخة الانكليزية من المصري اليوم، صفحتها الافتتاحية على موقعها الالكتروني، وكتبت: quot;تقرأون هذه الرسالة لأن إيجيبت إندبندنت تعترض على القيود المستمرة على حريات وسائل الاعلام، خصوصًا بعدما قدم مئات المصريين حياتهم من أجل الحرية والكرامةquot;.
تأتي هذه الخطوة بينما تتصاعد إحتجاجات مختلف التيارات السياسية ضد إعلان الرئيس مرسي الدستوري، فخلت الشوارع والمكتبات وأكشاك بيع الصحف من أشهر وأكثر الصحف تأثيرًا في الرأي العام، ومنها quot;المصري اليومquot;، quot;الشروقquot;، quot;الوطنquot;، quot;التحريرquot;، quot;الصباحquot;، quot;الوفدquot;، quot;فيتوquot;، quot;الإسبوعquot;، بينما اسودت شاشات بعض الفضائيات الخاصة، ومنها quot;دريمquot;، quot;سي بي سيquot;، quot;أون تي فيquot;. ونظم عشرات الصحافيين في بوابة الأهرام الإلكترونية وجريدة روز اليوسف اليومية إضرابًا عن العمل اليوم، تضامنًا مع زملائهم في الصحف المحتجبة.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من مؤسسة الرئاسة المصرية بشأن احتجاب الصحف المستقلة والحزبية يوم الثلاثاء.

لا يشتريها إلا كبار السن

لكن الصحف القومية والتابعة للتيار الإسلامي في مصر صدرت اليوم، فبقيت وحدها على طاولات البائعين، ومن بينها quot;الأهرامquot;، quot;الأخبارquot;، quot;الجمهوريةquot;، quot;الحرية والعدالةquot;، من دون أن تزيد مبيعاتها، حسب ما قال محمد جمال، بائع صحف في ميدان الإسعاف في وسط القاهرة.
أضاف: quot;للصحف المحتجبة قارىء لا يرتضي عنها بديلًا، لا سيما في ظل عدم تطور الصحف القومية بعد الثورة، وإستمرارها في السير في ركب السلطة كما كانت في عهد مباركquot;. وأشار إلى أن باعة الصحف تعرضوا لخسائر كبيرة اليوم بسبب الإحتجاب، متوقعًا تعويض جزء منها غدًا، بعدما انطلقت دعوات على شبكات التواصل الاجتماعي لدعم الصحف المحتجبة اليوم، بشراء نسختين منها غدًا لتدارك الأضرار المادية التي لحقت بها.
وقالت الحاجة فاطمة، التي تبيع الصحف والمجلات فوق أحد الأرصفة وسط القاهرة: quot;لم أحقق مبيعات تذكر اليوم، فمعظم الناس تعرف أن الصحف المستقلة محتجبة، ومن ينسى ويأتي ليشتري لا يرضى بالصحف القومية بديلًاquot;.
أضافت: quot;زادت مبيعات الصحف القومية بعد الثورة لأشهر، لكنها تبقى معروضة الآن حتى نهاية اليوم، ولا يشتريها غير الموظفين وكبار السنquot;.

المواقع الإلكترونية تعمل

نقل مراسل هيئة الاذاعة البريطانية بالقاهرة أنباءً عن استمرار العمل في المواقع الإلكترونية للصحف المحتجبة، وقال إن بعضها يرسل أنباءه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وفايسبوك، ما يعني اقتصار الاحتجاب على الإصدار الورقي وحده.
وأفاد بهاء الدين محمد، مسؤول القسم الدبلوماسي في صحيفة الوطن المستقلة، للمراسل نفسه بأن quot;الوطنquot; احتجبت عن الصدور اليوم، quot;لكنّ الصحافيين ذاهبون إلى مقر الجريدة في مواعيد العمل المعتادة صباح اليوم، لإعداد الإصدار الورقي الخاص بيوم غد الأربعاءquot;.
وستعمد الصحف المحتجبة اليوم إلى تشغيل مواقعها الإلكترونية، للمساهمة في التغطية الحية لوقائع المظاهرات التي دعت إليها قوى سياسية مناهضة للإعلان الدستوري، وسمتها بمظاهرات الإنذار الأخير.

خطوة نضال أولى

لا يتوقع الصحافيون المصريون أن تؤتي خطوة إحتجاب الصحف وإمتناع القنوات الفضائية الخاصة عن البث ثمارها سريعًا، لكنها خطوة في طريق النضال ضد الإستبداد بجميع صوره، وفقًا لما قاله عماد الدين حسين، رئيس التحرير التنفيذي في جريدة الشروق اليومية.
قال حسين لـquot;إيلافquot;: quot;يتوقف تأثير احتجاب الصحف في مسار الأحداث بمصر على مدى إستعداد مؤسسة الرئاسة للتعاطي مع هذه النوعية من وسائل الإحتجاج السلميquot;، متوقعًا ألا تكون هناك إستجابة فورية أو آنية.
لكن في الوقت نفسه، لا يؤمن حسين بأن هذه الوسيلة الإحتجاجية quot;تم إهدارها من دون جدوى، لأن نتائج النضال لا تحصل من الخطوة الأولى، فحكم الرئيس السابق حسني مبارك لم يسقط بسبب مظاهرات 25 يناير فقط، بل نتيجة النضال التراكمي لسنوات طويلة سبقت ثورة 25 يناير ومهدت لها، بدأت بمظاهرات أعداد قليلة من المصريين، ونضال مستمر للكتاب والصحافيين والمفكرين والناشطين السياسيين والحقوقيين، وتوج كل ذلك بثورة 25 ينايرquot;.

المجتمع الدولي يقدّر

قالت الكاتبة الأسبانية أولغا رودريغيز في حديث صحافي إن احتجاب 11 صحيفة مصرية اليوم quot;خطوة إيجابية في مجال الاعلام المصري الحرquot;، مجاهرةً بمعارضتها لوجود الإخوان المسلمين في السلطة بمصر، وسائلةً عن موقفهم لو كان أحمد شفيق رئيسًا اليوم وأصدر إعلانًا دستوريًا مشابهًا.
وفي هذا السياق، رأى حسين أن الأصداء الدولية لاحتجاب الصحف المصرية أكبر من الأصداء المحلية، على الرغم من عدم ترحيبه بتدخل الخارج في الشأن المصري مطلقًا. إلا أن عصام كامل، رئيس تحرير جريدة فيتو الإسبوعية المحتجبة اليوم، يراهن على ردة الفعل الدولية. وهو قد قال لـquot;إيلافquot; إن مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين الممسكة بالسلطة quot;يتعاملون مع الخطوة بالمثل الشعبي القائل (بركة يا جامع، اللي جات منك ومجتش مني)، فهم يتمنون إحتجاب الصحف والقنوات بشكل دائم، وبالتالي لن تؤثر فيهم هذه الخطوة الاحتجاجية، ولن يدركوا معنى إحتجاب أكثر من 12 صحيفة وتسويد شاشات ثلاث قنوات فضائية في عهد أول رئيس مصري منتخب بعد الثورةquot;.
اضاف: quot;لكن المجتمع الدولي يدرك خطورة تلك الخطوة، يعتبرها وصمة عار في جبين الحاكم، لأن المجتمع الدولي المهتم بحرية الصحافة يدرك جيدًا أن هواء القاهرة في عهد الإخوان ليس أكثر نظافة من هوائها في عهد مباركquot;.
وذكر كامل بأن هكذا خطوة إحتجاجية لم تحدث في عهد رؤساء مصر الثلاثة، على الرغم مما عرف عن بعضهم من ديكتاتورية شديدة، quot;ما يعني أن عهد الإخوان على قصره أشد إستبدادًا من سابقيهquot;.
ولفت إلى أن التيار المدني مصر على مواصلة النضال السلمي من أجل تحقيق أهداف ثورة 25 يناير، وأهمها الحرية والعدالة الإجتماعية، quot;تلك المبادىء التي فقد نحو ألف من الشباب أرواحهم وأصيب في سبيل تحقيقها نحو سبعة آلاف آخرينquot;.

خطوة محترمة.. وثورة مستمرة

من جانبه، وصف جمال عبد الرحيم، وكيل نقابة الصحافيين المصريين، هذ الخطوة بـ quot;المحترمةquot;، ونعت الصحافيين الذين شاركوا فيها بـ quot;المحترمينquot;.
وقال عبد الرحيم لـquot;إيلافquot; إن خطوة إحتجاب الصحف تعتبر جزءًا من نضال التيار المدني المصري من أجل تحقيق أهداف الثورة، ضد الإستبداد الذي جاء به الإعلان الدستوري الأخير، quot;ومن يقدمون على تلك الخطوة لا ينتظرون نتائج فورية، بل يحاولون وضع لبنة في صرح الحريةquot;.
وتمنى عبد الرحيم لو تحذو الصحف القومية حذو الصحف الخاصة والحزبية، معربًا عن أسفه لإستمرار سير تلك الصحف في ركب السلطة، كما كانت في عهد النظام السابق.
وشدد عبد الرحيم على أن إحتجاب الصحف وتسويد شاشات المحطات التلفزيونية يبعث برسالة إلى النظام الحاكم، مفادها أن لا أحد في مصر يقبل بالإستبداد، وأن الثورة ما زالت مستمرة لأن أهدافها لم تتحقق بعد.