يرغب المغتربون العراقيون في العودة نهائيًا إلى بلادهم، لكنهم يعزفون عن العودة بسبب الفوضى العارمة وتكدس النفايات وتلوث الجو وانعدام الأمن، ويصفون الرجوع إلى بغداد بالمغامرة.


بغداد: تشير الاستطلاعات بين العراقيين المغتربين، الذين يزورون بلدهم، الى أن وجهة نظرهم حول بغداد تعكس الصورة السيئة المطبوعة في مخيلاتهم عن العاصمة، بسبب الصعوبات التي تواجههم وهم يزورون بلادهم، اضافة إلى ما علق في اذهانهم من تراكمات ناجمة عن نقص الخدمات وفوضى الامن والروتين في المعاملات الادارية.

يقول سعيد حسن، المقيم في الدانمارك والذي يزور بغداد للمرة الثانية منذ العام 2008، إنه يرى بغداد مدينة مسكونة بالفوضى العارمة، في مرورها وحركة البشر اليومية فيها، حيث تكثر الحواجز والمتاهات ويغيب التقيد بالقانون.
في الوقت نفسه، يقارن حسن الحالة الآن بما كان عليه الوضع في زيارته السابقة، فيقول: quot;أصبحت المدينة باهظة التكاليف، غير ودودة، بسبب كثرة المنغصات والمصاعب التي يواجهها الفرد في حركته اليوميةquot;. ولم يشعر حسن بالسلامة وهو يتجول في بغداد، على الرغم من الحفاوة التي احاطه بها اهله في مدينة الشعب.

هاجس النفايات

الجانب الايجابي الذي لمسه حسن في بغداد هو ارتفاع القدرة الشرائية لدى المواطن. يقول: quot;أصبحت العاصمة مدينة كبيرة للتسوق، لكن الفوضى هي العلامة التي تميزهاquot;. ويلمس حسن تغييرات كبيرة في البناء و الانشاءات في بضع سنوات، لكن نقص الخدمات ما زال ماثلًا من دون تغيير.

المهندس محمد موسى مستاء من منظر النفايات والتلوث البيئي في بغداد، ويرى أن اكداس النفايات في شوارع وأزقة العاصمة لا تليق بمدينة مثل بغداد. يقول: quot;الامر ينطبق على كل مدن العراق، حيث تشكل القمامة سمة رئيسية من سمات المدينة العراقية للأسف، مقابل انحسار حجم المساحات الخضراءquot;.

وكان تقرير أخير صادر عن منظمة يونيسكو التابعة للأمم المتحدة وضع بغداد في المرتبة الثالثة بين أكثر عواصم العالم احتواء على النفايات، وثامن عاصمة على مسـتوى التلوث البيئي. لكن أمانة بغداد نفت ذلك، وقالت إن الامر مجرد شائعة، لا أساس لها من الصحة، تفتقر إلى أبسط مقومات الدقة والموضوعية والمهنية.

تلوث وعسكرة

يؤكد المهندس المدني عصام الخفاجي المشاهدات اليومية لظاهرة حرق النفايات العشوائي، الذي يسبب تلوث الجو مع ازدياد مضطرد لأعداد السيارات في العاصمة والمدن الأخرى، حيث تشكل الغازات العادمة والدخان مصدرًا رئيسيًا للتلوث. ويلفت الخفاجي، الذي قضى نحو عقد ونصف مغتربًا في المانيا، إلى تشكيل بيوت السكن العشوائي المصنوعة من الصفيح والكرتون حزام بؤس، يحيط بأغلب المدن العراقية.

الاكاديمي الفنان ليث الطائي مغترب آخر عاد إلى العراق في اجازته السنوية، يحتفي بالمظاهر الاجتماعية في بغداد، ويثني على اواصر العلاقات الوثيقة بين الاهل و الاصدقاء، quot;لكن هذا لا يكفي، اذ هناك شعور جامع بين الناس، وهو أن الهدوء والأمن التدريجي أمر نسبي وموقت، وان الخروقات الامنية يمكن أن تحدث بين الفينة والأخرى، ما يخلق استياءً عامًا بسبب انتشار مظاهر العسكرةquot;.

نصب خرسانية

لم تعد النصب والتماثيل ابرز معالم بغداد، بحسب الطائي، بل هي الحواجز الخرسانية المنتشرة في الشوارع، التي تشكل مع المباني كتلاً اسمنتية هائلة تشوه المنظر العام. والجدير بالذكر أن الكتل الاسمنتية والحواجز الحديدية التي يبلغ عددها نحو 60 الف حاجز خرساني في العاصمة وحدها، هي اسلوب حماية متبع في اغلب مدن العراق، بسبب التفجيرات المتكررة بالسيارات المفخخة التي تحدث بين الحين والآخر، فتقطع هذه الحواجز مفاصل المدن.

استغرقت رحلة الطائي بين العلاوي في العاصمة ومدينة الكرادة (مسافة لا تتجاوز ثلاثة كيلومترات) نحو ساعتين، بسبب الاختناقات المرورية ورداءة شبكات النقل والازدياد الهائل في عدد السيارات، إذ تشير إحصاءات مديرية المرور العامة إلى دخول أكثر من مليون ونصف مليون سيارة إلى البلاد منذ العام 2003. وحول امكانية العودة النهائية للعيش في العراق، يقول الطائي إن عليه أن يفكر طويلًا قبل الاقدام على هذه الخطوة، التي يصفها بالمغامرة.

مشروع العودة

هناك مغتربون عادوا بشكل نهائي إلى العراق، ويرون أن عودتهم أمر لا بد منه، بسبب ارتباطهم بأعمال داخل البلد، أو لأسباب عائلية او شخصية، حيث يُجمع اغلبهم على أن المشكلة الكبرى التي تواجههم هي نقص الخدمات والأمن والمواصلات وانعدام النظام.
احد هؤلاء قيس حميد، الذي عاد إلى العراق مع شركة سويدية تستثمر في بغداد، يشير إلى أن نقاط التفتيش تمثل صداعًا مزمنًا لزملائه من الموظفين والعمال الاجانب، كما يشكل الهاجس الامني محور اهتمامهم.يقول حميد: quot;أهم ما يثير انتباه الاجانب الزائرين والعاملين في العراق والمغتربين العائدين هو الأتربة المتصاعدة من الشوارع واختلاط الضباب بالدخانquot;.

يضيف: quot;الاجانب يرون في بغداد مدينة جميلة بأجوائها المشمسة وفضائها المفتوح، لكنهم يتبرمون بالفوضى الامنية وانعدام النظام العام في الشوارع والمؤسساتquot;.