أطلقت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح والتي تضم مجموعة من التيار السلفي والإخوان المسلمين، فتوى تحرّم تهنئة الأقباط بأعيادهم الدينية، ما اعتبره كثيرون إثارة للفتوى الطائفية وطغياناً للدولة الدينية على المدنية.


القاهرة: مع اقتراب احتفال الأقباط المصريين بأعياد الميلاد، أطلقت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، وهي أعلى جهة سلفية في مصر، فتوى تحرّم على المسلمين تهنئة الأقباط بالأعياد الدينية، ما اعتبره البعض مؤشراً على طغيان الدولة الدينية في مصر على الدولة المدنية. وتعرضت الفتوى لانتقادات واسعة من الحقوقيين والنشطاء الأقباط، لاسيما أن أعضاء الهيئة التي أصدرت الفتوى، هم قيادات في جماعة الإخوان المسلمين، والتيار السلفي. فيما تجاهلت غالبية المصريين المسلمين الفتوى، مؤكدين أنهم يتبادلون التهاني مع الأقباط، ولن تؤثر فيهم فتاوى المتشددين.
تحريم التهاني
ووفقاً للفتوى فإن quot;الأصـل في الأعيـاد الدينية أنهـا من خصوصيات كل ملّةٍ ونحلةٍ، وقـد قـال تـعـالى: {لكلٍ جَعَلنَا منكم شِرعةً وَمنهاجا} [المائدة: ٤٨] وقال صلى الله عليه وسلم quot;إن لكل قوم عيدًاquot; متفقا عليه، فكل أهل ديانة شرعت لهم أعياد وأيام لم تشرع لغيرهم، فلا تحل مشاركة ولا تهنئة في هذه المناسبات الدينية التي هي من أخص ما تتمايز به الشرائع باتفاقquot;.
وتتماشى تلك الفتوى مع ما ذهب إليه الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ مفتي السعودية، الذي قال في فتوى له: quot;إن مشاركة غير المسلمين في أعيادهم الدينية محرم بإجماع علماء الأمة جميعاً، مبيناً أن الخلاف ورد في تهنئتهم في أعيادهم غير الدينية فقطquot;.
وأوضح: quot;مشاركة غير المسلمين في أعيادهم ذكره ابن تيمية وخصص له في كتابه quot;اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيمquot;، وتحريم حضور الأعياد ذات الصبغة الدينية محل اتفاق بين الأئمة الأربعة وأتباعهمquot;، ولفت إلى أن الخلاف حول جواز تهنئتهم بأعياد دنيوية، وقال: quot;لكن ما كان من أعيادهم في أمر دنيوي فهذا محل خلاف. ولا يسوغ لأحد أن يخالف في هذه المسألة، خصوصا في هذه الفتوى، فقد يتطور عنها شيء آخر وهو حضور أعيادهم ليتساهل بعد ذلك ويشاركهم ثم يتطور الأمر إلى أمور أخرىquot;.
الهيئة تضم مجموعة من رموز الاخوان والسلفيين
وتضم الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح في عضويتها مجموعة من رموز جماعة الإخوان المسلمين، والتيار السلفي، ومنهم: خيرت الشاطر النائب الأول للمرشد، والرجل القوي في الجماعة، الذي يقال إنه يحكم مصر من وراء الستار. الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، الذي يتمتع بشعبية واسعة، ولديه أتباع يأتمرون بأمره، ومتهم بإحراق حزب الوفد، ومحاصرته مدينة الإنتاج الإعلامي. الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، والذي ينسب إليه فتوى quot;الأقباط كفارquot;. ممدوح إسماعيل، وهو محامٍ شهير، والنائب في مجلس الشعب المنحل، المعروف بـquot;نائب الآذانquot;، بعد أن رفع الآذان في قاعة البرلمان. الشيخ محمد حسين يعقوب، صاحب المقولة الشهير quot;غزوة الصناديقquot; التي قالها في أعقاب الإستفتاء على التعديلات الدستورية في آذار (مارس) 2011، و دعا الأقباط إلى الهجرة إلى كندا أو أميركا، إذا كانوا يرفضون العيش تحت الشريعة الإسلامية. إضافة إلى الدكتور علي ونيس، النائب في مجلس الشعب المنحل، المعروف إعلامياً بـquot;نائب الفعل الفاضحquot;، بعد إدانته بممارسة الجنس مع فتاة داخل سيارة، على الطريق العام، رغم أنه متزوج من أربع نساء. فضلاً عن الدكتور صفوت حجازي عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، المعروف بتشدده تجاه الأقباط، واتهامهم بإثارة الفتنة، ومحاولة الإنقلاب على شرعية الرئيس مرسي، وذلك في أعقاب أحداث قصر الإتحادية التي راح ضحيتها، عشرة قتلى ومئات المصابين.
جريمة جنائية
وأثارت الفتوى إنتقادات المنظمات الحقوقية والنشطاء الأقباط، واستنكرت المنظمة المصرية لحقوق الانسان الفتوى، معتبرة أن quot;مثل هذه الفتاوى تشكل جريمة كراهية لمواطنين مصريينquot;. ووصفها حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة بأنها quot;شكل من أشكال التمييز العنصري البغيض والذي يعد جريمة جنائيةquot;، مشدداً على أنه quot;يجب محاكمة مرتكبيها، لاسيما أنها تؤدي إلى كثير من الشقاق بين أبناء الوطنquot;، ولفت إلى أن الفتوى quot;تعد مخالفة للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الموقعة عليها بتاريخ 28 أيلول (سبتمبر) من العام 1966quot;.
وقال عماد حجاب المشرف على مرصد حرية الاعلام، إن هذه الفتوى تتعارض مع مبدأ المواطنة بين جميع المصريين من أبناء الوطن الواحد، وأكد أنها تمثل جريمة ، لأنها تحضّ على الكراهية بين المصريين و التمييز العنصري والذي يعد جريمة جنائية يجب محاكمة مرتكبيها. وشدد على أهمية المشاركة الوجدانية في الأعياد بين أبناء الشعب المصري، ونشر قيم الوحدة والتسامح على أرض مصر.
فتوى متطرفة
ومن جانبه، وصف الناشط القبطي مايكل منير، رئيس حزب الحياة، الفتوى بأنها quot;متطرفةquot;، وقال لـquot;إيلافquot; إن هذه الفتاوى لا تخدم الوحدة الوطنية بين المصريين، مشيراً إلى أنها تؤدي إلى إشعال الفتنة الطائفية بينهم، وتعبّر عن انتشار الفكر المتطرّف بين من يعتبرون أنفسهم من العلماء. وأضاف أن موقف علماء الأزهر، ولاسيما الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ينسف تلك الفتوى المتطرفة كلياً، وأشار إلى أن الأزهر قدم التهاني للبابا وجموع الأقباط.
فيما لم يبد النائب السابق جمال أسعد دهشته من صدور مثل تلك الفتاوى، وقال لـquot;إيلافquot;: quot;لا عجب أن تصدر فتوى تحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم من هيئة تضم في عضويتها خيرت الشاطر وصفوت حجازي، وحسين يعقوبquot;. وقلل أسعد من أهمية وتأثير تلك الفتاوى على المصريين، مشيراً إلى أن جموع المصريين المسلمين يتبادلون التهاني في الأعياد مع الأقباط، ولفت إلى أن الشعب المصري وعلماء الأزهر الأجلاء يتمتعون بروح التسامح والود، ويعتنقون الإسلام المتسامح مع الآخر، وليس الإسلام الوهابي المتشدد.
تهنئة الأقباط بأعيادهم جائزة
وعلى الجانب الآخر، رفض علماء الأزهر تلك الفتوى، وقال الدكتور سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف سابقاً، لـquot;إيلافquot; إن هناك علماء أجلاء أجازوا تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، مشيراً إلى أن التشدد في مثل هذه الأمور غير مرحب به، ونبّه إلى أن البعض يستند في فتواه إلى عصور علماء ظهروا في عصور متشددة. وأضاف أن تهنئة الأقباط بأعياد الميلاد جائزة، وفقاً لقوله تعالى: quot;لَّا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَٰاتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَٰارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓا۟ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَquot;. وأضاف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالأقباط، وقال quot;أوصيكم بقبط مصر خيراً، فإن لهم عندنا نسبا وصهراquot;، ولفت إلى أن الرسول الكريم تزوج من ماريا القبطية.
المصريون تبادلوا التهاني بالأعياد
ورغم تلك الفتاوى، إلا أن السواد الأعظم من المصريين لا يلتزمون بها، ويتبادلون التهاني مع الأقباط، بل يشاركون في الإحتفالات بأعياد الميلاد، ويخرجون للتنزه، ويسهرون، وقال نادر مصطفى، وهو محام مصري، لـquot;إيلافquot; إن جيرانه في محل سكنه في الجيزة من الأقباط، وهو حريص على تهنئتهم في الأعياد سواء الدينية أو الشخصية، ولفت إلى أن جميع أصدقائه من المسلمين يرفضون تلك الفتاوى المتشددة، ويرون أنها تثير انقساماً وتزرع الكراهية بين أبناء الوطن الواحد، ونبّه إلى أن مطلقي هذه النوعية من الفتاوى يسيرون للخلف، مؤكداً أن المصريين لا يلتفتون إليهم، ويمضون للأمام في طريق التسامح والتعايش بالحب والإحترام مع الأقباط.