تظاهرة ضد الأسد أمام القنصلية السورية في تركيا يوم 4 شباط (فبراير) 2012، وفي الإطار أسامة قاضي

مع إقتراب مرور عام كامل على إنطلاق الثورة السورية، تحاور quot;إيلافquot; عضو المجلس الوطني السوري أسامة قاضي، الذي أكد لنا دخول البلاد في مرحلة أشد حسماً مع فتح باب التطوع في الجيش الحر في مواجهة بطش النظام المفرط. وحذر قاضي من دخول البلاد في quot;سيناريوquot; يشبه الألماني بعد الحرب العالمية الأولى، حيث ستشهد سوريا انفلاتاً في الأسعار، وتضخماً مفرطاً، وهبوطاً في العملة.


إيلاف- خاص: درّس الاقتصاد في جامعة ميتشغان الأميركية، وحصل على جائزة الإبداع العلمي لدار سعاد الصباح عام 1994، عمل في سوريا مستشاراً اقتصادياً لهيئة مكافحة البطالة، وساهم في دراسة استشرافية مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بعنوان: quot;استشراف مستقبل سوريا 2025quot;، وقدم الاستشارات لمكتب متطوعي الأمم المتحدة في تقريره حول التطوعية في العالم 2011، إنه رئيس المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجيةفي واشنطن، ورئيس المجلس السوري الكندي، وعضو المجلس الوطني السوري أسامة قاضي.

quot;إيلافquot; التقت قاضي، وحاورته حول الأوضاع في سوريا بعد اقتراب الذكرى السنوية الأولى للثورة السورية، التي انطلقت في آذار (مارس) منالعام الماضي. وقال قاضي إن الثورة السورية دخلت مرحلة حاسمة الآن، مع البدء بالتطوع في الجيش الحر. وأكد قاضي أن المجتمع الدولي يريد أن يتنصل من دوره الرسمي في حماية المدنيين.

إقتصادياً، حذر قاضيمن الدخول في سيناريو شبيه بـ quot;السيناريو الألمانيquot; بعد الحرب العالمية الأولى، حيث شهدت البلاد انفلاتاً في الأسعار، وتضخماً مفرطاً، وهبوطاً في العملة.

مع اقتراب مرور عامعلى انطلاقالحراك الشعبي في سوريا، كيف تنظرون إلى الاحتجاجات ومآلاتها مع اشتداد القبضة الأمنية وعدم وضوح أي أفق سياسي؟

واقع الثورة السورية السلمية في سوريا مليء بالمخاضات والمآزق والانتصارات، والدعم، والإعاقة. الثورة السورية ملحمة وطنية بكل معنى الكلمة، بعد شهور من التظاهر السلمي بصدور عارية وquot;استشهادquot; أكثر من 7000 سوريًا حرًا طلباً لحريتهم.

هذا المشهد الرهيب استدعى ضمائر بعض أبناء الجيش الأحرار، فقاموا بما يستدعيه واجبهم الوطني من حماية لإخوتهم وأخواتهم، فدخلت الثورة السورية في مرحلة حماية الجيش الحر للمظاهرات السلمية. والآن دخلت الثورة السورية في مرحلة أشد حسماً، وهي البدء بالتطوع في الجيش الحر؛ لأن المشهد الدموي عزز في أنفسهم رؤية الواقع على أنه شبيه بالتحرر من المستعمر، والأرض والأحرار والنساء والأطفال تستصرخ همم الشباب لتحرير سوريا من كل خائن للوطن، يستبيح أهله وماله وعرضه، وهي صفة المستعمرين، ولكن النظام السوري فاقت وحشيته أي مستعمر.

المجلس الوطني السوري وضع آفاقاً سياسية، ووضع خبراته التي يستطيع، ولكن المجتمع الدولي، الذي يريد أن يتنصل من دوره الرسمي في حماية المدنيين، بدأ بكيل التهم إلى الثورة والمجلس، كي يضع الكرة في ملعب الثوار؛ مبرراً تقصيره، لاحظ معي، لم يكن لدى الثوار في ليبيا أي خطط استراتيجية - عندما تم الاعتراف بهم بعد 3 أسابيع- ولا أفق سياسي سوى الخلاص من سفاح ليبيا، الذي لا يضاهيه همجية سوى النظام السوري، ولا الثورة المصرية، التي مرّ عليها سنة كاملة، ولم تتضح معالم خطتها، ولا التونسية ولا اليمنية، ورغم ذلك قامت دول الأرض بمساندتهم، لكن الثورة السورية يتيمة.

استراتيجية المجلس عرضت على بعض وزراء الخارجية، ومنهم كلينتون، وكانوا معجبين بوضوحها وتفصيلها، ومطالب الثورة واضحة في إرادة الحرية حتى الوصول إلى مرحلة انتقالية بعد تنحّي النظام، والتصويت على دستور جديد، ثم القيام بانتخابات مجلس شعب حر، وانتخابات رئاسية، مراعين عدم التمييز ضد دين أو طائفة، وساعين إلى بناء دولة مدنية تعددية، ديدنها العدل وتوزيع الثروة بشكل عادل، وبناء علاقات حسن جوار مع الأشقاء العرب والمسلمين، بناء على الاحترام المتبادل، والبدء بالمطالبة الجدية بعودة الجولان المحتل، الذي تظاهر ضد النظام السوري.

القوى العالمية والجامعة العربية لا تريد تكليف نفسها الدفاع عن المدنيين، وإنشاء ممرات إنسانية، أو مناطق حظر جزئي، وتريد الحفاظ على أقل حد من التدخل، ولو على حساب الدماء السورية، لذا تقدموا بمبادرة لاستمرار النظام لعام 2014 (الأمر الذي حاولت هيئة التنسيق تسويقه)، لأنهم يخشون من سقوط النظام، ولو على حساب عذابات السوريين، ووجود أكثر من 100 ألف معتقل داخل السجون.

هلا وضعتنا في صورة الوضع الاقتصادي الداخلي في سوريا، مع تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية (كهرباء- غاز- مازوت- بنزين...) التي بات المواطن يعانيها، وغلاء المواد الغذائية الأساسية؟

إذا استمر تعنت النظام السوري في التعامل البربري مع الشعب السوري البطل، ووضع كل مقدرات سوريا الاقتصادية في خدمة القمع الوحشي، وشراء السلاح لقتل أبنائه، وتجنيد أراذل القوم من الرعاع ليقتلوا إخوتهم في الإنسانية والوطن، وينفر الطاقات العقلية والمالية والاستثمارية، ويعطل عجلة التنمية الاقتصادية، ويتجاهل وضع الكساد والتضخم والركود والبطالة، وانخفاض القوة الشرائية للعملة السورية، فإن سوريا - لا قدر الله لو استمر النظام- بعد 15 آذار/مارس 2012 ومرور عام على الثورة، ستدخل في سيناريو شبيه بـ quot;السيناريو الألمانيquot;، حيث ستشهد سوريا انفلاتاً في الأسعار، وتضخماً مفرطاً، وهبوطاً في العملة على نمط ما حصل في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، حيث لجأت ألمانيا إلى طباعة العملة بشكل جنوني، مما خفض المارك الألماني مقابل الدولار من 4.2 مارك للدولار إلى 620 ألف مارك في آب/أغسطس 1923! وبعدها شهد الانهيار المخيف والمرعب، حيث وصل سعر الدولار في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسهإلى 630 مليار مارك للدولار عام 1923!!.

تواصل في الآونة الأخيرة انهيار الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وتحديدًا الدولار الأميركي، ما تأثير ذلك ودلالاته برأيك؟

الاحتياطيات النقدية السورية كانت قبل عشر شهور 17 مليار دولار، لا أعتقد أنه بقي منها أكثر من 5-7 مليار دولار، فهي لا تكفي لدعم الليرة السورية أمام الدولار، ما لم تسندها خدمات وبضائع، تستدر نقداً أجنبياً، يساوي ما تحتاجه الواردات، وبذلك انخفضت قيمة الليرة أمام الدولار الأميركي من 47.5 ليرة سورية قبل الثورة إلى 78 ليرة سورية للدولار الواحد!.

وأتوقع أنها ستصل إلى 100 ليرة سورية قبل آخر شباط/فبراير 2012، فضلاً عن أن هناك حاجة إلى استيراد نحو 9 مليار دولار من البضائع الأساسية، فإذا تعثر تصدير البضائع السورية بسبب العقوبات العربية والعالمية، وفقدت الميزانية المصدر الأساسي للدخل القومي، وهو النفط، من جراء توقف استيراده من قبل أوروبا، فإن هناك خسارة ما بين 5-7 مليار دولار، وإذا أضفنا إلى هذا الكم الهائل من الخسائر شلل القطاع السياحي، وقسمًا كبيرًا من الصناعة، والخسارة الفادحة من هبوط أو انعدام الحصيلة الضريبية بسبب الكساد والركود مجتمعين، فإن هذه الخسائر تعني في أقل تقدير أكثر من 20 مليار دولار.

ما تستطيع الحكومة فعله دفع رواتب الـ1.3 مليون موظف بالعملة المحلية، ولكن هناك نقطتين بالغتي الأهمية: الأولى أن القيمة الشرائية لرواتب موظفي الحكومة انخفصت ما بين 30-50 بالمئة، بسبب التضخم المفرط، والأمر الثاني أن هناك 3.7 مليون عاملاً في القطاع الخاص، لا يتلقون أي راتب أو معونة حكومية، ومتروكين لعرض سوق العمل وطلبها، ولم تكن هناك برامج حكومية أصلاً قبل الثورة لإعانتهم بشكل حقيقي في حالة البطالة، وكان هناك اقتراح منذ سنتين لدعم العائلات المدقعة الفقر، ولكن بمبالغ لا تسد الرمق، وتوزيعها بطرق بدائية، مما يفضي إلى انعدام أي أثر اقتصادي حقيقي بسبب قيمة الإعانات الضئيلة.

ما هي فرص استمرار النظام في حالة استمر الحراك الشعبي السوري في مطالبه، وتزايدت العقوبات الدولية عليه؟

النظام يستميت في الدفاع عن سلطته اللاشرعية، وقد استخدم كل أساليبه الدموية والقمعية، ولكنه وخلال أحد عشر شهراً قد تلقى الدعوات بالتنحّي من كل دول الأرض، اللهم إلا قلة من الأنظمة القمعية. لم يكن لاستعمار دول عظمى أن يقف في وجه الشعب السوري، فما بالك بنظام، رغم بطشه وتنكيله، ولكنه فقير مادياً، ومهلهل بنيوياً، بالطبع يمكن لروسيا أن تمدّ النظام السوري بالسلاح، وتشتري الصين منه ما تبقى من النفط، لكن حاجة الاقتصاد السوري تتجاوز مسألة المنح وشراء ما تبقى من النفط السوري، فلا الصين ولا روسيا تستطيعان إعادة تشغيل أكثر من مليوني عاطل عن العمل في سوريا، ووقف التضخم المفرط، وإيقاف انخفاض العملة السورية، لكن يمكنهما تقديم الدعم العسكري للنظام حتى تزيد الديون السورية، أو يمكنها أن تعطي منحة مساعدة فنية في مجال الكهرباء، أو الطاقة عموماً، لكن دول العالم لم تعد مقتنعة بتقديم معونات مالية، فالوضع الاقتصادي العالمي لا يسمح بالتفريط بأي دولار لدول مستقرة، فما بالك بدولة، مثل سوريا، يدرك القاصي والداني حجم فسادها، وعدم إمكانية استقرارها مع بقاء النظام.

النظام الروسي يعلم أن هذا النظام لا يمكن أن يستمر، وأنه آيل للسقوط، ولا يمكن للنظام دفع المستحقات وثمن السلاح الروسي الآن، ولكن النظام الروسي أصبح بمثابة، وبحسب تعبير صديقنا الأستاذ غسان المفلح، quot;القاتل المأجورquot;، وسوريا بالنسبة إليه ساحة مساومة وابتزاز، ولا يعنيه بقاء النظام أصلاً، فضلاً عن أن السوريين بعد الثورة لن يعترفوا بتلك الديون أصلاً، وهي رسالة واضحة خاصة للنظام الروسي، الذي سيسقط قريباً على أيدي الشعب الروسي الحر، إن سوريا بعد سقوط نظام الأسد لن تدفع قرشاً واحداً لأي سلاح استورده النظام بعد 15 آذار/مارس 2011، والرسالة موجهة كذلك إلى كل من أقرض النظام أو باعه أسلحة لقتل شعبه.