من يدير الحرب ضد النظام السوري في طل انقسام المعارضة

انتقلت سوريا من مرحلة الانزلاق نحو الحرب، إلى كونها دولة في حرب مستعرة، أبطالها الجيش السوري الحر صاحب القدرات والسلاح البسيطين في مواجهة مع قوات الأسد، الذي يقال إن قادته ما زالوا موالين لنظامه خوفاً منه.


لندن: لم تعد سوريا بلد ينزلق نحو الحرب أو يقف على حافتها، بل هي بلد في حرب مستعرة الآن. ورغم استمرار آلاف المحتجين السلميين في التظاهر في الشوارع، فإن مراقبين يرون أن الجيش السوري الحر أصبح اللاعب الرئيس في ثورة متصاعدة يومًا بعد يوم، إلا إذا حدث انقلاب قصر، بحسب هؤلاء المراقبين.

ونقلت مجلة تايم عن مصدر في مدينة حمص المحاصرة إن قوات النظام واصلت قصف الأحياء السكنية بنيران، لم يُعرف لها نظير، منذ اندلاع الاحتجاجات قبل نحو 11 شهرًا، وإن 25 مدنيًا قُتلوا في حي، واحد منهمبنيران القصف والقنص.

يقف على جانب في هذا النزاع اللا متناظر الرئيس بشار الأسد وجيشه، البالغ تعداده أكثر من 200 ألف، والذي ما زال قادته موالين عمومًا بدافع المصلحة والخوف، وما يترتب على ذلك من سفك دماء.

ويقف على الجانب الآخر الجيش السوري الحر، وهو تشكيل يفتقر التنظيم المتماسك من العسكريين المنشقين مع أسلحتهم الخفيفة، ومدنيين في بعض المناطق. وينفذ مقاتلوه عمليات محلية بأسلوب الكر والفر في بلداتهم ومدنهم بحد أدنى من السيطرة من قيادته الاسمية الموجودة عبر الحدود في تركيا.

لا يُعرف حجم الجيش السوري الحر. وكان قائده العقيد رياض الأسعد أعلن أنه يضم نحو 40 ألف رجل، وهو إعلان يتعذر التحقق من دقته، ولعله يندرج في إطار حرب نفسية لتشجيع آخرين على الانشقاق والالتحاق بصفوفه.

لكن العميد مصطفى الشيخ، أعلى ضابط سوري رتبة ينشق عن النظام حتى الآن، ذهب أبعد من ذلك حين قال لصحيفة بريطانية إن جيش الرئيس الأسد يبعد أسابيع قليلة عن الانهيار، ولكن قلة سيتفقون مع هذا الرأي، بحسب مجلة تايم، التي أشارت إلى أن هذا قد يكون سبب التنافس بين العميد الشيخ والعقيد الأسعد.

وكان العميد الشيخ أعلن يوم الأحد عن تشكيل المجلس العسكري الأعلى لتحرير سوريا، في خطوة من المرجّح أن تعمق الانقسام في صفوف المعارضة المسلحة، لا سيما وأن نائب قائد الجيش السوري الحر العقيد مالك عبد الحليم كردي، قال لمجلة تايم، إن خطوة العميد الشيخ هي بمثابة quot;طعنة في ظهر الثورةquot;.

وأضاف كردي في اتصال هاتفي من تركيا معربًا عن استغرابه لخطوة تشكيل المجلس الأعلى quot;إن العميد الشيخ انشق، ولم ينضم إلينا، أعلن عن تشكيل المجلس، وهذا شأنه، ولا علاقة لنا به. فنحن لا نعرف شيئًا عنه أو عن أهدافه، ولكننا نشكك في تشكيله في هذا الوقت، ونعتقد أنه محاولة لشق المعارضة المسلحةquot;.

يكمن الجدل حول ما إذا كانت قيادة الجيش السوري الحر في تركيا تقوم بأي دور آخر سوى العلاقات العامة، كمصدر لوسائل الإعلام والدبلوماسيين الغربيين من دون قيادة حقيقية لمقاتليه على الأرض. ومن المرجّح أن يؤدي إنشاء قيادة منفصلة ومنافسة إلى مزيد من البلبلة في معارضة هي أصلاً منقسمة، حتى في وقت يصعّد الأسد هجماته ويزيد حصلية القتلى كل يوم.

وتقول بسمة قضماني الناطقة باسم المجلس الوطني السوري إن المجلس أيضًا ينظر بتحفظ إلى إعلان العميد الشيخ. وأوضحت في حديث لمجلة تايم quot;أنه ليس أمرًا. نعرف تمامًا القضايا التي تقف وراءه، ونحن ندرك أن هناك بعض التوترات المتعلقة بتوقيت الحدث، ونعمل على بقاء القيادة العسكرية موحدةquot;.

وفيما يختصم قادة المعارضة السورية، ويمارسون لعبة السياسة، يواجه مقاتلو الجيش السوري الحر قوات متفوقة عليهم، عددًا وتسليحًا، رغم صمودهم وتحقيقهم مكاسب في بعض المناطق.

ففي منطقة الزبداني السياحية القريبة من الحدود اللبنانية مثلاً، تمكن الثوار من طرد القوات الموالية للنظام، وأصبحت بلدات أخرى، مثل الرستن القريبة من حمص والمحيطة بأرض زراعية منبسطة، وجبل الزاوية في الشمال، معاقل عسكرية للثوار وساحة اشتباكات عنيفة مع القوات الموالية.

وكان الثوار يتمكنون أحيانًا من السيطرة على مناطق والاحتفاظ بها، ولكن لفترة وجيزة قبل أن ينسحبوا تحت ضغط القوات الموالية، وتردد أن الزبداني نفسها تتعرّض للقصف من جديد.

لكن المنشقين عن النظام يتمتعون بأفضليات رغم ذلك. فهم يعودون إلى بلداتهم، وبذلك تتمكن حتى مجموعة صغيرة من العمل التعبوي بين شبكة اجتماعية وقرابية أوسع، وفي الأيام الأولى من الانتفاضة، التي كانت سلمية أساسًا، كان العسكريون المنشقون في أنحاء البلاد يرفضون قبول المتطوعين المدنيين، في محاولة للحفاظ على قدر من التراتبية والانضباط العسكريين، ولكن بعض الوحدات تدعو علنًا الآن إلى انضماممتطوعين مدنيين، كما تبين أشرطة فيديو على يوتيوب.

وأكد العقيد كردي أن هذا لا يمت بصلة إلى استراتيجية الجيس السوري الحر،ويرد منتقدون أن قيادة موجودة في تركيا لا تستطيع أن تملي شروطًا على رجال يقاتلون ويموتون في وطنهم.

ويجيب كردي إن القادة العسكريين في سائر أنحاء العالم لا يحتاجون بالضرورة الوجود في منطقة ما لإصدار أوامر إليها.

وأضاف quot;إن القائد العسكري يمكن أن يكون في أي مكان، في بلدة، أو في مدينة، وأن القيادة العسكرية، أينما تكون، تصدر الأوامر عبر وسائل الاتصالات، ونحن نعتمد على هذه الاتصالاتquot;.

كما يعتمد الجيش السوري الحر على أسلحة تُهرّب من بلدان مجاورة، بينها لبنان وتركيا والأردن والعراق، فضلاً عمّا يسميها العقيد تركي quot;عصابات مهرّبي النظامquot; التي تبيع السلاح للمنشقين.

ولم تكن سوريا مجتمعًا معسكرًا، مثل العراق، حيث كانت حيازة السلاح شائعة قبل سقوط نظام صدام حسين. لكن بعد التعرّض لإطلاق النار على امتداد ما يقرب من 11 شهرًا، وجد بعض السوريين طرقًا لحماية أنفسهم، والرد على النار، التي تُطلق عليهم بالمثل.

ونقلت مجلة تايم عن ناشط حقوقي سوري مغترب، يعمل مع اللاجئين في الأردن، إن كل سوري يهرب عبر الحدود quot;هو مشروع مجند في صفوف الجيش السوري الحرquot;.

وأضاف إن الكلاشنكوف تباع بنحو 1600 دولار، أو تقريبًا بنصف سعرها في السوق السوداء في لبنان. وأكد الناشط السوري أن غالبية الرجال يعودون إلى سوريا، ما إن يؤمّنوا لهم سلاحًا.

وقالت بسمة قضماني إن توحيد المجموعات المسلحة على الأرض quot;هو التحدي الكبير اليومquot;. ورغم أن المجلس الوطني السوري لم يسارع إلى الاعتراف بالجيش السوري الحر، مشددًا على الطرق السلمية، لا العسكرية، لإسقاط النظام، فهو قدم دعمه للعسكريين المنشقين، عارضًا إيجاد قنوات تمويل، لا تسليح. وقالت قضماني إن الجيش السوري الحر سيقوم بدور أكبر في مواصلة النضال ضد النظام.

وأضافت إن دعمه مشروط quot;أولاً وقبل كل شيءquot; بالمساعدة على دمج تلك المجموعات المسلحة، التي إذا لم تندمج، فقد تعمل على الأرض منفردة، وإن quot;هذا مبعث قلقquot;، مؤكدة أن المسألة لا تتعلق بتمويلها وتسليحها، بل هي quot;أولاً وقبل كل شيء مسألة توحيدها تحت قيادة واحدةquot;.

ولا يتعين على السوريين أن ينظروا بعيدًا ليروا كيف يمكن للميليشيات، وخاصة ذات الهوية الطائفية، أن تعيش فسادًا في البلاد، بل يقدم لبنان والعراق المجاوران أمثلة دموية بالغة الدلالة على ذلك. كما إنهما مثالان على الثمن الذي يدفعه السكان عن حروب تُخاض في بلدهم بالوكالة، وها قد رُسمت خطوط الحرب الدولية على سوريا بوضوح.

وتواصل روسيا وإيران دعم الأسد سياسيًا وعسكريًا، فيما تقود قطر الحملة العربية ضد النظام مع تركيا والولايات المتحدة وفرنسا وقوى غربية أخرى، بحسب مجلة تايم، مشيرة إلى حديث بأن قطر التي قامت بتمويل الثوار الليبيين وتسليحهم وتدريبهم، قد تكرر ذلك مع ثوار سوريا.

وامتنع العقيد كردي عن القول ما إذا تُرجمت هذه الفكرة على أرض الواقع، مكتفيًا بالقول إن الجيش السوري الحر يحتاج السلاح quot;لنكون على الأقل في مستوى واحد مع النظامquot;.