الرئيس السّوري بشار الأسد وعقيلته خلال مشاركتهما في الاستفتاء على دستور جديد - صورة سانا

تشير مشاهدات حية من قلب مدينة دمشق، وبعض أحياء ريفها، التي شهدت حصارًا أمنيًا غير مسبوق، إلى أنّ الاستفتاء الذي طرحه النظام بخصوص مسودة دستور جديد، قد فشل حتى قبل أن يبدأ وتُفتح صناديق الاقتراع، خصوصًا مع التزام غالبية المواطنين بالإضراب عن العمل.


دمشق: رغم التجنيد الإعلامي الكبير في كل وسائل الإعلام المحلية، من إذاعة وتلفزيون وصحف،في سبيلحثّ السوريين على المشاركة والتصويت في الاستفتاء على مسودة الدستور، إلا أن واقع الحال ومشاهدات حية من قلب مدينة دمشق، وبعض أحياء ريفها، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن الاستفتاء قد فشل حتى قبل أن يبدأ وتفتح صناديق الاقتراع.

جولة quot;إيلافquot; بدأت من ريف دمشق، وهو الأكثر تماساً وتعاطياً مع شأن الحراك الشعبي السوري. اليوم هو الأحد، أي إنه يوم دوام رسمي، لكن في جولة سريعة في بعض أنحاء ريف دمشق، كداريا وحرستا وغيرهما، نجد أن هذه المدن مضربة منذ الصباح عن فتح محالها التجارية أو تجوال سياراتها العامة أو الخاصة، التزاماً من الجميع بالإضراب في يوم الاستفتاء الموعود.

ورغم وجود عشرات المدارس المتنوعة، إلا أن أحدًا من طلابها لم يخرج من منزله إلى مدرسته، بعدما حوّلت فروع الأمن ووزارة الداخلية المدارس الخاصة والعامة ومعه اليوم الدراسي برمّته إلى أماكن للاستفتاء، وحاصرت كل مركز استفتاء بعدد من عناصر الأمن، الذين قضوا يومهم في شرب quot;المتةquot;، وهو مشروب شعبي سوري، ونفخ السجائر انتظاراً لمصوّت لم يأت بعد.

اللافت اليوم في عدد من أحياء ريف دمشق هو تشديد القبضة الأمنية عليها، وزيادة عدد الحواجز الأمنية، والتضييق على الناس، رغم كونه يوم عمل رسميًا، بزيادة التفتيش عليهم، بل والتعامل معهم بوقاحة وقلة أدب وتعال غير مسبوق، وهو ما جرى مع معدّ التقرير عند محاولته الرجوع إلى المنزل، وترك الطابور الطويل من السيارات المصطف على مدخل إحدى البلدات، فما كان من أحد المجندين بلهجته، التي ما عادت تخيف إلا نفسه (بسبب تحوّلها إلى نقمة)، أن أشهر السلاح ولقمّه، وصوّبه لمجرد التفكير بمغادرة الطابور!.

أما أحد سكان حرستا، واسمه عبد الله، فيروي ما حدث له مع زوجته الحامل، التي أجهضت على الحاجز، وهما ينتظران مرور سيارتهما، بعدما قام أحد المجندين بالصراخ عليهما وتعنيفهما للتأخر في متابعة رتل الدور؟!.

وما أن تصل إلى ساحة الفحامة أو البرامكة في دمشق، بما تمثله من مدخل لوسط المدينة التجاري والرسمي، حتى تفاجأ بضعف حركة المرور وانسيابها على غير العادة في مثل أيام الآحاد، بداية الأسبوع، وتظن للوهلة الأولى أن اليوم عطلة أو يوم سبت، فيما يجلس الموظفون متذمرين خلف صناديق الاقتراع بعدما قاموا بواجبهم بجمع زملائهم وإجبارهم على التصويت، بل وتصويرهم جماعياً وهم يصوّتون، في مخالفة لأبسط قواعد العمل الديمقراطي في ضمان سرّية وحرية التصويت.

ورغم أن المراقبين الموالين للنظام، وباعترافهم، يتوقعون ألا تشهد عملية الاستفتاء على الدستور إقبالاً كبيراً، بسبب الأوضاع الأمنية، مع أن حالات الاستفتاء والتصويت المشابهة في دول العالم عادة ما تتراوح نسبة الإقبال فيها ما بين 40 إلى 60 بالمئة ممن يحق لهم التصويت، إلا أن هذه النسبة ربما تنخفض إلى ما دون ذلك بكثير في المناطق، التي لا تزال تشهد أعمالاً لما سماه هؤلاء المراقبون quot;الجماعات المسلحةquot;.

وبينما دعت أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، الائتلاف الحاكم، وحزب البعث وبعض القوى السياسية الأخرى إلى المشاركة الفاعلة في عملية الاستفتاء، أعلنت المعارضة، ممثلة في هيئة التنسيق والتغيير الوطني، وتيار بناء الدولة، ومعظم التيارات الكردية، عن مقاطعتها للاستفتاء، على اعتبار أن laquo;الوقت اليوم هو لوقف العنف والقتل وإطلاق سراح المعتقلين، وليس للاستفتاء على دستور وضعته السلطةraquo;.

من الأمور المثيرة للسخرية والتندر، ما أعلنه معاون وزير الداخلية للشؤون المدنية العميد حسن جلالي، عن أنه يمكن للمواطن إحضار بطاقته الشخصية أو ما ينوب عنها، مثل البطاقة الانتخابية، أو جواز سفر ساري المفعول، أو إجازة سوق، أو بطاقة نقابية، أو بطاقة جامعية، إلى مركز الاستفتاء، ويتم التأكد من بطاقته الشخصية ليسلمه بعدها رئيس المركز بطاقة الاستفتاء مع مغلف، ثم يتوجه إلى الغرفة السرّية.

وفي حال حدثت ازدواجية في التصويت من قبل أحد المواطنين، بيّن جلالي أن هذا المواطن يعرّض نفسه لمساءلة قانونية.

ويروي أحد الأصدقاء، الذين اضطرتهم ظروف عملهم في قطاع الخدمات إلى الوجود في مكان التصويت الحكومي، طرفة أخذ يكررها على مسامع أصدقائنا طوال اليوم، وهو أنه كلما مرّ بجانب صندوق اقتراع رسمي، ألقى عليهم التحية، وبادر بالقول: quot;كنت أود مجاملتكم والتصويت عندكم، لكنها المرة الثالثة أو الرابعة التي أصوّت فيها للدستور اليومquot;، على أساس أنه من السهل جداً لأي ناخب أن يكرّر العملية في أكثر من مركز انتخابي بأكثر من مصدقة رسمية، فضلاً عن أن التأكد من مخالفة الناخب من الصعب حصولها في ظل الإصرار على إعلان نتائج الاستفتاء غداً بعد أقل من 24 ساعة على إغلاق صناديق الاقتراع!.

أما بالنسبة إلى أجانب الحسكة، الذين حصلوا على الجنسية العربية السورية، فبيّن معاون وزير الداخلية quot;جلاليquot; أنه يحق لهم أن يمارسوا دورهم في الاستفتاء، حيث أعطوا أقدمية في الجنسية مدة خمس سنوات ليتمكنوا من التصويت، ما سمح لهم حق الترشح للإدارة المحلية، والآن التصويت على الدستور، ومستقبلاً يحقّ لهم الترشح والانتخاب في مجلس الشعب والاستحقاقات الأخرى.

فيما لا يمكن الحديث عن تصويت أفراد القوات المسلحة، الذين يتم سحب هوياتهم الشخصية أو العسكرية، والنيابة عنهم في الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء، المهم أن يمضي هذا الاستحقاق على خير، حتى لو اضطر النظام إلى حبس المعارضين له جميعاً في بيوتهم، كما فعل مع أبناء ريف دمشق المنتفض، في عدد من البلدات والمدن المحاصرة بالحواجز والتضييق عليهم.