في ظل إتباع النظام السوري لسياسة الأرض المحروقة والمضي قدماً في الهجوم على البلدات والأحياء التي يتحصن فيها عناصر الجيش السوري الحر، بات الثوار غير قادرين على الصمود ويفرون إلى الدول المجاورة.


عناصر من الجيش السوري الحر

يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد بعيداً عن الوصول إلى مرحلة الإذعان للضغوط الدولية بسبب الحصار الوحشي لمدينة حمص، إذ يمضي قدماً في توسيع حملته العسكرية في جميع أنحاء البلاد.
جلس آخر المدافعين من قرية quot;عين البيضاquot; السورية في منطقة حدودية نائية يحتمي من الرياح الباردة، ليكمل رحلته إلى تركيا.

في اليوم السابق، هربت مجموعة معارضة ضمت نحو 50 مقاتلاً، بعد أن طاردتهم وحدة من الجيش السوري المدعومة بالدبابات. بعد ذلك، قامت قوات الأسد بإشعال النيران في المباني وزرع الألغام الأرضية لمنعهم من العودة.

في هذا السياق، نقلت صحيفة الـ quot;تليغرافquot; عن جمال، أحد الثوار الهاربين، قوله: quot;لم نرهم يقاتلون بهذه الطريقة من قبل، كانوا كالمجانينquot;، وأضاف أن الجنود كانوا أشبه بالمخدرين، quot;فكنا نطلق النار عليهم ولا يسقطون بل يستمرون بالقتالquot;.

العديد من القرى الأخرى في محافظة ادلب، في الشمال على طول الحدود التركية، عانت من الحملة العسكرية ذاتها. ففي الوقت الذي تركز اهتمام العالم على الرعب في مدينة حمص، حيث اتهم رئيس وزراء بريطانيا القوات السورية بممارسة quot;بربرية القرون الوسطىquot;، اعتمد الأسد شمالاً سياسة الأرض المحروقة في محاولة واضحة للقضاء على حركة التمرد تماماً.

وقال رجل فر من محافظة إدلب، إن الجنود يسيطرون على المنطقة وينتشرون في كل مكان، مضيفاً أنهم quot;يقصفون القرى ويداهمون المنازلquot;.

ووصف شهود عيان العثور على جثث مقطوعة الرأس ملقاة في الشوارع، مشيرين إلى أن العديد من السكان المصابين بجروح بالغة محاصرون في بيوتهم وغير قادرين على الوصول إلى المستشفيات.

وأضافت الصحيفة أن الميليشيات المسلحة تجوب الشوارع للقضاء على الثوار والمعارضين، مشيرة إلى أن سكان البلدات يشعرون بالخوف بسبب أقوال تفيد بأن الجماعات المسلحة تذبح السكان المتعاطفين مع المتمردين.

يقول وسيم صباغ (35 عاماً)، المتحدث باسم الجيش السوري الحر:quot;الوضع خطير للغاية. الجنود ينتشرون في كل مكان، وعدد كبير من أفرادنا ndash; من ضمنهم قيادي كبير ndash; غير قادرين على الدخول عبر الحدود إلى سورياquot;.

وجاءت أنباء الهجوم على الشمال في الوقت الذي تجاهلت فيه قوات الحكومة النداءات الدولية لتخفيف قبضتها على منطقة بابا عمرو في حمص، معقل الثوار السابق الذي تمت محاصرته بشكل نهائي يوم الخميس الماضي.

وحاصرت قوات الأسد نحو 4,000 شخص في بابا عمرو لأيام عدةمن دون أي غذاء أو ماء أو معدات طبية. وحتى الآن تم رفض دخول قافلة مساعدات من اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) إلى البلدة للمرة الثانية على التوالي بعد العديد من المناشدات الانسانية.

ويقول القادة في الجيش السوري إن لجنة الصليب الأحمر مُنعت من الدخول إلى بابا عمرو بسبب quot;مخاوف من أن قوات المتمردين الفارين قد زرعوا شراكاً وألغاماً في المنطقةquot;.

أما الثوار، فيقولون إن النظام السوري يستخدم هذه الذريعة ليحصل على المزيد من الوقت للجيش للتغطية على أدلة من عمليات الإعدام التي نفذت في الايام الاخيرة.
وقال شون ماغواير، المتحدث باسم اللجنة الدولية لصحيفة الـ quot;تليغرافquot;: quot;لن نستطيع الدخولquot;، مشيراً إلى أن النظام السوري برر رفضه بسبب quot;الوضع الأمني على أرض الواقعquot;.

وأضاف: quot;لكن نظراً إلى أننا لم ندخل بابا عمرو حتى اللحظة، لا يمكننا أن نقدم أي تقييم لحالة حقوق الإنسان، وهذا أمر مؤسف فنحن نعتقد أن هناك حاجات ملحة هناكquot;.

وتحدث أعضاء في الجيش السوري الحر، الذين قاتلوا في بابا عمرو، عن ضخامة الترسانة العسكرية المنتشرة ضدهم. فقال عمر الحمصي، وهو مقاتل في الجيش السوري الحر هرب إلى لبنان في الأسبوع الماضي، quot;استخدموا الأسلحة في الايام الخمسة الماضية أكثر مما استخدموها في الأسابيع الثلاثة الأولى من محاصرة المدينةquot;.

وأضاف: quot;كانوا يستخدمون في السابق الدبابات المجهزة بصواريخ يصل مداها إلى 3 كيلومتر، وفي الأيام الأخيرة استخدموا قاذفات الصواريخquot;.

أما شمالاً في مدينة ادلب، آخر معقل للثوار، فإن القذائف المنهمرة على المدينة حولت المنطقة إلى ما يشبه quot;حمص جديدةquot;، وفقاً للثوار.

في هذا السياق، يقول صباغ: quot;إنهم يذبحون الناس، فبلدة كفرنبل تتعرض لقصف عنيف ودركوش محاصرة بالدبابات، حتى الجرحى المدنيين الذين حوصروا يمنعون من الخروج لتلقي العلاجquot;.

وأشارت الصحيفة إلى أحد التقارير quot;الأكثر إثارة للقلقquot; من قرية قريم، في التلال القريبة من الحدود التركية، حيث يخشى الثوار من أن قوات الأسد نفذت مجزرة بحق السكان. وأضافوا أن البلدة التي تنتمي أغلبية سكانها إلى الطائفة السنية، تجاورها بلدة موالية للأسد، حيث قامت الحكومة بتسليح العلويين بهدف إثارة التوترات الطائفية.

واعتبرت الـ quot;تليغرافquot; أن الثوار لا يملكون ما يكفي من الأسلحة والتدريب لكبح جيش الأسد المسلح بأحدث الأسلحة من الدبابات والمدفعية المتطورة، والتي لم تتردد القوات العسكرية في استخدامها.

وكانت quot;عين البيضاquot;، قرية حدودية بالقرب من الساحل، معقلاً للجيش السوري الحر، لكنّ المقاتلين اضطروا إلى الهروب من البلدة بعد أن تعرضوا لهجمات شرسة يوم الجمعة من قبل قوات الأسد.

وبعد أن دامت المعركة ست ساعات مرعبة من جانب، فر المقاتلون إلى قرية quot;غوفيشيquot; التركية، وهي بلدة تقع على ربوة تطل على الحدود. وقال مازن، أحد الثوار الفارين، لصحيفة الـ quot;تليغرافquot;: quot;سوف نعود قريباً إلى عينالبيضا. باستطاعتنا هزيمة جيش الأسد، مهما استلزمنا ذلك من وقت وجهدquot;. وأضاف: quot;سوف يُقتل الكثير منا، لكننا على استعداد لنكون شهداءquot;.

وتعاني محافظة ادلب من ظروف إنسانية متدهورة، ولا سيما في الأسابيع القليلة الماضية، فهناك نقص في الغذاء ويقتات معظم السكان على الخبز الجاف فقط، إضافة إلى الإنقطاع الكهربائي المتكرر. كما أن الأطباء غير قادرين على الدخول إلى المنطقة لعلاج المرضى والمصابين، لأنهم تعرضوا للإستهداف، وفقاً لما يقوله الثوار، بهدف اخافتهم حتى لا يعالجوا المتظاهرين والمقاتلين.

وأضاف صباغ: quot;الساسة في الغرب يتجادلون حول تسليح الثوار أم لا، لكنهم لم يفعلوا شيئاً حتى الآن لمساعدتنا. وخلال الشهر الماضي، قتل 100 شخص كل يوم في سورياquot;.