تونس: بينما لم يكن يخطر ببال كثير من التونسيات من أمثال تلك الفتاة التي تدعي مروة بن صلاح، 23 عاماً، أن حياتهن وبلادهن قد تتغير بهذا الشكل المثير في غضون بضعة أيام، فإن سيناريو ثورة الياسمين كان وحده كفيلاً بتحقيق هذا الحلم الذي كان بعيد المنال.

ولم تكن تتوقع أي منهن أن تطرأ كل هذه التغييرات الكبرى على الساحة في بلادهن، بعد أن لاذ الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي بالفرار إلى منفاه بالمملكة العربية السعودية في الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير عام 2011، بعد نشوب احتجاجات عنيفة بشكل متزايد على مدار أسابيع ضد نظام حكمه الاستبدادي.

وأوردت في هذا السياق صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عن مروة، التي تدرس الطب، قولها :quot;حين علمت أن بن علي لاذ بالفرار، بدر سريعاً إلى ذهني تساؤل يقول : هل هذه نهاية سعيدة ؟ هل هذه بداية جديدة ؟- وقد انتابتني حينها حالة من الارتباكquot;.

وأشارت مروة كذلك إلى أنها لم تغادر منزلها بعد سقوط النظام لعدة أيام، خوفاً من أن تتعرض لمكروه، بعدما سادت حالة من الفوضى مدينة سوسة، ثالث أكبر المدن التونسية، حيث تعيش وتدرس في الجامعة هناك. وأعقبت بالقول في مقابلة أجريت معها :quot; طغت مشاعر الخوف على مشاعر السعادة، لكني مازلت متفائلة بشأن المستقبلquot;.

وقالت مجموعة سيدات حاورتهن الصحيفة في عدد من الدول التي شهدت ثورات أو تبعات موجة الربيع العربي إن التغييرات العرجاء وغير المتكافئة التي وقعت على مدار العام الماضي ليست إلا مرحلة انتقالية يتعين على بلدانهن أن تمر بها لتحقيق الديمقراطية.

وعاودت الصحيفة لتنقل عن بن صلاح، العضو النشط الآن في نادي المناظرات التابع لجامعتها والتي تشارك حالياً في العديد من الروابط والجمعيات السياسية التي كانت محظورة من قبل، قولها :quot; رغم صعود الأيديولوجية الدينية وتدهور الاقتصاد، إلا أننا تحصلنا على حرية التعبير والنقاشquot;.

ولفتت الصحيفة من جهتها إلى أن البرامج الإذاعية والتلفزيونية في تونس باتت تعج الآن بالأصوات التي تتحدث عن المساواة والأحزاب السياسية ووضع الدستور المستقبلي للبلاد خلال الفترة المقبلة.

ومضت الصحيفة تشير إلى أنه وبالرغم من أن الدستور التونسي الحالي ينص على أن الإسلام هو دين الدولة، إلا أن حزب النهضة، الفائز في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد قبل أشهر قليلة، يرغب في التأكيد بشكل أوضح على أسبقية الشريعة الإسلامية.

وأعقبت النيويورك تايمز حديثها بالقول إن صعود الأيديولوجية السياسية الدينية في كافة أنحاء المنطقة بات يشكل تهديداً على الحقوق الشخصية. وأوردت في تلك الجزئية عن كثير من السيدات تأكيدهم على شعورهن بالخوف على أمانهم الشخصي والخوف من التفكك الاقتصادي والخوف من أن تختفي حقوقهن الفردية بصورة تدريجية.

وفي مقابلة أجرتها معها الصحيفة، قالت طالبة تونسية تدرس الحقوق تدعي صفا زروقي وتبلغ من العمر 20 عاماً :quot; هناك إحساس بعدم الاستقرار. وكل شيء يبدو متوقفاً؛ وكل شيء يبدو مؤقتاًquot;. وأضافت إيمان بيبرس، الباحثة الاجتماعية التي تترأس جمعية تنمية وتعزيز دور المرأة في مصر، وهي منظمة تعني بتمويل المشروعات الصغيرة التي تساعد النساء الفقيرات، بقولها :quot; انتابني شعور طيب من خلال مشاركتي في التظاهرات التي شهدتها القاهرة وبدأت أشعر فجأةً بالفخر لكوني مصريةquot;.

وتابعت بيبرس حديثها مع الصحيفة خلال تواجدها بالعاصمة القطرية، الدوحة، على هامش مشاركتها الأسبوع الماضي في ندوة عن تأثير الربيع العربي على المرأة بقولها :quot; لقد منحتنا الثورة صوتاً ولا يمكننا أن ننكر ذلك. لكني أعتقد أن الثورة تمخضت عن نتائج لم تكن في صف المرأةquot;. وفي تلك الندوة، نوهت الصحيفة إلى أن بيبرس أكدت بشدة على أن أحوال المرأة ستكون أكثر سوءً بعد الثورات.

ومع هذا، أشارت نسبة قدرها 74 % ممن حضروا الندوة في الدوحة إلى أنهم لا يتفقون مع الفكرة التي تروج لاحتمالية سوء أحوال المرأة نتيجة للتغييرات واسعة النطاق التي تشهدها المنطقة. وقالت هنا رباب المهدي، أستاذ العلوم السياسية المساعد في الجامعة الأميركية بالقاهرة والشريك المؤسس للعديد من جماعات المعارضة في مصر quot;لقد صنعت السيدات تلك الثورات التي جلبت مَن يطلق عليهم الأصوليين إلى السلطة وسيكون بمقدورهن تحديد حقوقهن ومصالحهن وكذلك الدفاع عنهاquot;.

وتابعت حديثها بالقول :quot; كانت مشكلة التحرش بالسيدات في الشارع واحدة من المشكلات القائمة منذ فترة طويلة قبل الثورة، لكن الأضواء بدأت تُسلَّط عليها الآن ndash; وهو ما أتاح الفرصة للسيدات بأن يقتدن كل من يحاول التحرش بهن إلى ساحات القضاءquot;.

ونوهت الصحيفة في هذا السياق إلى قضية الفتاتين سميرة إبراهيم ومها محمد، التي عرفت إعلامياً بقضية quot;اختبار العذريةquot;، التي لم تكن لتخرج إلى النور وينظر فيها القضاء إبان فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك، على حسب ما ذكرت المهدي.ثم تحدثت الصحيفة عن المساعي التي حاول من خلالها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تهدئة حدة الغضب، وتسريع وتيرة الاصلاح في البلاد، تفادياً لمثل هذه السيناريوهات التي سبق لها أن وقعت في العديد من دول الجوار خلال العام الماضي.