متظاهرون سوريون ضد بشار الأسد في بيروت

يرى المحللون أنّ الأزمة السورية تحظى بأثر استراتيجي يمتد إلى ما بعد الانتفاضات في العالم العربي التي أسقطت الحكام المستبدين. وتتعقد الأزمة السورية في ظل الحرب الباردة في المنطقة التي استعرت لسنوات بين laquo;قوى المقاومةraquo; مثل إيران وسوريا وحزب الله، وبين حلفاء الغرب في المنطقة.


على أرض الواقع، قد تبدو أحداث الثورة السورية مثل أي ثورة من ثورات الربيع العربية الأخرى، مع احتجاجات واسعة النطاق ضد الحكم الديكتاتوري للرئيس السوري بشار الأسد، والحملات التي تشنها القوات العسكرية والأمنية في محاولة لسحق المعارضين.

لكن يعتبر العديد من المحللين أن الازمة السورية تحظى بأثر استراتيجي عالمي يمتد إلى ما بعد الانتفاضات في العالم العربي، التي أسقطت الحكام المستبدين في تونس، مصر، ليبيا، واليمن.

وتدخل الاضطرابات الثورية في سوريا عامها الثاني، مع أكثر من 8000 قتيل، في الوقت الذي تعيد فيه إحياء التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط. ولا يقتصر التوتر عند حدود هذه الدول، إذ يمتد أيضاً إلى إيران التي تقود quot;محور الممانعةquot; ضد المصالح الغربية في المنطقة.

وتماشياً مع الحرب الباردة الإقليمية التي تعتمل في المنطقة منذسنوات عدة، دعمت إيران حزب الله اللبناني تماماً مثل حليفه السوري، لكن في الشهر الماضي، تخلت حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية quot;حماسquot; فجأة عن راعيها السوري وانتقل قادتها إلى مصر وقطر.

وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; أن دور سوريا في تحالف quot;المقاومةquot; يرتبط ببقاء الأسد في الحكم. ففي حال أجبر على الخروج، يحتمل أن ينقطع طريق وصول الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله في لبنان، وبالتالي يؤدي إلى انخفاض حاد في قدرة إيران على المحافظة على قوة حزب الله كوكيل ضد إسرائيل.

ونقلت الصحيفة عن رامي خوري، محلل في الشرق الاوسط في الجامعة الأميركية في بيروت، قوله: quot;محور المقاومة المتمثل بسوريا وإيران وحزب الله وحماس بدأ بالتزعزع، فحماس بدأت بالإنسحاب، فيما تواجه سوريا تحديات في الداخل، وهذا يستدعي إعادة النظر في المعادلة كلهاquot;.

وأضاف: quot;في حال تغيّر النظام السوري، سيشكل الأمر صفعة قوية على حد سواء بالنسبة إلى حزب الله وإيرانquot;.

واعتبر خوري أن الأزمة السورية ولّدت quot;عودة للمنافسة العالميةquot;، فروسيا والصين تستخدمان حق النقض (الفيتو) ضد قرارات مجلس الأمن الدولي في شأن سوريا، وتحبطان المحاولات الأميركية والأوروبية لاتخاذ إجراءات ضد نظام الأسد. ومنذ ذلك الحين، تشن القوات السورية اعتداءات وحشية على معاقل الثوار الرئيسية،في حمص وإدلب ودرعا.

وقال خوري: quot;إن الفيتو الروسي والصيني أعطى النظام السوري دفعاً قوياًquot;، مشيراً إلى أن الروس يدفعون بوضوح مرة أخرى ضد ما يعتبرونه quot;حملة أميركية للسيطرة على المنطقة، والروس لا يريدون للأميركيين أن يعملوا على تغيير الأنظمة كما يريدونquot;.

مخاطر عالية

هذا ومن المقرر أن يطلع مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، كوفي آنان، مجلس الامن الدولي حول جهوده التي يبدو أنها باءت بالفشل حتى الآن لتحقيق وقف إطلاق النار.

ويقول فواز جرجس، رئيس مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد: quot;ما حدث في الصورة الكبيرة هو أن الأزمة السورية حوصرت في حرب إقليمية باردةquot;. و يقول رامي خوري :quot;إن محور المقاومة هذا أشبه بجبهة افتراضيةquot;، مضيفاً: quot;لقد كان دائماً بمثابة غرض على الرف، وكل طرف يختار منه الشيء المعين الذي يستفيد منهquot;.

وأشار خوري إلى أنه quot;من المؤكد أن الإيرانيين سوف يساعدون على إبقاء النظام السوري في السلطة، لأن النظام السوري هو واحد من عدد قليل من النجاحات في مجال السياسة الخارجية في العالم العربي، والآخر هو حزب اللهquot;.

وأشارت الصحيفة نقلاً عن خوريإلى أن الرهانات كبيرة أيضاً بالنسبة إلى روسيا، التي لديها عقود بيع الأسلحة بقيمة 5 مليارات دولار مع النظام السوري، ولهذا اتخذت موقفاَ دولياً ضد التدخل الخارجي في سوريا.

ويفسر أنعدم وجود توافق دولي في الآراء، مع انقسامات بين جماعات المعارضة السورية المختلفة، وعدم قدرة المقاتلين على تأمين الأسلحة الكافية للجيش السوري الحر، ستحول الثورة السورية إلى أطول انتفاضة شعبية عربية وأكثرها فتكاً.

وتؤدي هذه المتغيرات الاقليمية والدولية الى تعقيد الأزمة السورية، على النقيض من ليبيا في الربيع الماضي، حيث كان هناك توافق في الآراء بشأن قرار ضد العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في مجلس الأمن.
في هذا السياق، يقول جرجس:quot;في حالة الأسد، ما يثير الدهشة حقاً هو حق النقض المزدوج، من قبل اثنتين من أعظم القوى في النظام الدولي. وهذه دلالة كبيرة، فحتى روسيا قالت إن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يتم من الجانبين (النظام والثوار)quot;.

الكراسي المتحركة

في حين أن معظم المحللين يتوقعون سقوط الأسد في نهاية المطاف، مشيرين إلى أن السوريين لم ييأسوا من النزول إلى الشارع والتظاهر بعد عام من العنف الوحشي ضدهم، في محاولة لانهاء حكم آل الأسد الذي بدأ منذ 40 عاماً، قلة هم على استعداد لتخمين توقيت هذا السقوط.

أما إيران، التي تذكر أن والد الرئيس السوري الحالي، الرئيس السابق حافظ الأسد، كان الزعيم العربي الوحيد الذي وقف الى جانبها خلال حربها مع العراق في الثمانينات، فوضعت دعمها الكامل بتصرف سوريا لأنالنظام السوري الحالييلعب دوراً رئيسياً في استراتيجيتها الإقليمية، لكن احتمال انهياره في نهاية المطاف بدأ يتردد في الأوساط الإيرانية.

وأعلن القادة الإيرانيون دعمهم للإنتفاضة العربية ضد quot;طغيانquot; الحكام الموالين للغرب كجزء من quot;الصحوة الاسلاميةquot; الأوسع نطاقاً التي يزعمون أنها امتداد طبيعي للثورة الاسلامية في إيران العام 1979. لكن الأمر لا ينطبق على الثورة السورية، التي تعتبر إيران أنها مختلفة عن سياقات الثورات السابقة، وأنها نتيجة لتلاعب وquot;فتنةquot; من قبل الغرب واسرائيل.

quot;الجميع في حالة تغيّر مستمر، جميع اللاعبين في المنطقة، والمعايير الدولية، وحتى الولايات المتحدة نفسها بدأت في الخروج من المنطقة وفقدان تأثيرها ببطءquot; يقول خوري، مضيفاً: quot;الأمر أشبه بلعبة الكراسي المتحركة: الجميع يتحرك، وسيستغرق الأمر بضع سنوات ليستقر كل من الأطراف في مكانهquot;.