لم يكن العام 2012 هو عام علو شوكة الأحزاب الإسلامية وصعودها نحو السلطة التي تحارب للوصول إليها طوال عقود مضت، فما حصل هو عملية حصاد لزراعة قام بها شباب، ناشدين حرية التعبير وإحداث فتحة في جدار الحكم العربي من أجل تداول سلمي للسلطة. لكن بعدما نجح هؤلاء الشباب بتحركهم العفوي، في بدايته،في إسقاط نظامي الحكم في كل من تونس ومصر، قفز إلى السلطة الإسلاميون المنظمون لأحزاب، حملت مسميات عدة بين متطرف وغير متطرف، حيث أحسنوا استغلال فرصة الانتخابات للصعود إلى كرسي الحكم الذي يعضون عليه اليوم بالنواجذ.


الصعود الإسلامي يثير هواجس أقليات الشرق وقراء إيلاف يرون هذه المخاوف غير مبررة

عبد الرحمن الماجدي من أمستردام: هذا الصعود الإسلامي العربي إلى الحكم سبقه بأعوام صعود الأحزاب الإسلامية في كل من العراق وفلسطين، اللذين لا يزالان تحت الهيمنة الإسلامية وسط توقعات باستمرارها لسنوات مقبلة.

وقد شهد العراق أكبر عملية نزوح مسيحي منه ولا يزال منذ العام 2003، حيث اضطرت النساء المسيحيات إلى ارتداء الحجاب، وهجر عدد كبير منهممناطق سكنهم، بعد عمليات ذبح لمسيحيين وتفجيرات طالت كنائس وأديرة عدة.

ولم تفلح محاولات الفاتيكان في إبقاء مسيحيي الدول العربية في أوطانهم، حيث يرى رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان في الفاتيكان المونسنيور quot;جان لوي تورانquot; أن quot;زوال المسيحيين من الدول العربية بكثافة قد يشكل كارثةquot;، مطالبًا إياهم بالبقاء في أوطانهم، ومشيراً إلى أنهم quot;يشكلون جسراً بين الغرب والشرقquot;.

لكنّ واقع الحال على الأرض مختلف عن تصريحات المسؤولين، فنحو 300 ألف مسيحي عراقي غادروا بلادهم منذ العام 2003 بعدما كان عدد المسيحيين هناكيقترب من المليون. ويعيشون معًا مع المسلمين من دون خوف. ويرى المسيحيون أن حملات فرض الحجاب ومنع بيع الكحول، quot;معظم محال بيع الكحول في الدول العربية مملوكة لغير المسلمينquot;، تعد أولى إشارات مطاردة المسيحيين كما حصل في العراق.

وهو ما دفع عدداً من المسيحيين المصريين إلى السعي إلى الحصول على سمات دخول دول أوروبية أو أميركية من خلال أقارب لهم مقيمين فيها تمهيداً للهجرة.

وعلى الرغم من رسائل الطمأنة التي أرسلها إسلاميون مصريون إلى المسيحيين، كما فعل حزب النور السلفي، أحد أكبر الفائزين في الانتخابات البرلمانية المصرية بالقول quot;إن مسّ شعرة واحدة من أي قبطي مناقض لمنهجناquot;، لكنّ الكثيرين من أقباط مصر المسيحيين يرون أن لا مستقبل لهم في هذا البلد في ظل وجود الإسلاميين الذين يطالب كثير منهم بفرض الحجاب على النساء، وإغلاق محال بيع الخمور، كما حصل في الإسكندرية والقاهرة.

وما حصل عقب وفاة البابا شنودة في مصر قبل أيام من امتناع أعضاء في البرلمان المصري من السلفيين عن الوقوف دقيقة صمت على وفاة البابا، يراه مسيحيون دليلاً على المقبل لهم من مصير عنصري. لكنّ مخالفيهم يشيرون إلى الجانب الآخر من وقوف أكثرية الإسلاميين في البرلمان، وهؤلاء هم الاغلبية، دقيقة المواساة على البابا شنودة الثالث.

الخوف من سطوة الإسلاميين دفع الكثير من المسيحيين في الدول العربية إلى تفضيل الحاكم المستبد غير الإسلامي على رئيس يأتي في ظل انتخابات للإسلاميين فيها الأكثرية، كما هو الحال في سوريا اليوم التي يغلب على المعارضة فيها الوجود الإسلامي، وسط توقعات بفوز الإسلاميين بالسلطة بعد سقوط نظام بشار الأسد.

لكن هناك من يرى أن خوف المسيحيين في الدول العربية مبالغ فيه، فما يجري هو عملية تغيير جذري فيها، وخوفهم هو مثل خوف كل الأقليات التي تنشد الأمان دائماً. بل إن الخوف من الفوضى، التي أعقبت التغيير الذي أتت به ثورات الربيع العربي، يشمل حتى المسلمين فيها، وليس كل الإسلاميين متطرفين، وحتى المتطرف منهم فقد وصل إلى البرلمان عن طريق صناديق الانتخابات. ويطالب مراقبون عرب المسيحيين بالانتظار حتى يكتمل التغيير، ويسنّ الدستور الذي يراعي بكتابته حقوق الجميع، مقدمين العراق مثالاً علىوجود أحزاب مسيحية وتمثيل برلماني ووزراء ليسوا مسلمين بعدما هدأت فورة الخوف والفوضى التي أعقبت التغيير فيه العام 2003.

لكن خوف المسيحيين لن ينتهي، ففي الحالة العراقية لم يعد أي مسيحي يهاجر من بلاده منذ العام 2003، فالخوف لم يزل من الغلبة الإسلامية وليس المسلمة في الشرق، فالإسلامي ينظر إلى الآخر ويحكم عليه من منظار شمولي على عكس العلماني الذي منظاره شخصانيّ. وينتظر المسيحيون وغيرهم من بقية الأقليات الدينية في الدول العربية رسائل الطمأنة من خلال نظام حكم علماني، وليس رئيساً واجهته علمانية وحاشيته كلها من الإسلاميين الذين ينظرون إلى مخالفيهم في الدين ككفار.

موقف المسيحيين من التغيير الذي يشهده الشرق الأوسط ضمه كتاب صدر أخيراً للدكتور متري بشارة الراهب يحمل الاسم نفسه (الربيع العربي ومسيحيو الشرق الأوسط) بيّن فيه أن quot;هناك تغييرات تحدث، وهي مصدر قلق للمسيحيين، وأقول إنه لا يوجد خلاف حول أن الموجة المقبلة هي إسلامية، ولكن التحدي هو، أي نوع من الإسلام هذا الذي نتحدث عنه؟، هل هو السعودي بتجليّاته؟، أم كما في دول الخليج الأخرى؟، أم هو الإسلام في المغرب أو في تركيا؟، فالإسلام له تجليات مختلفةquot;.

مضيفاً: quot;أعتقد أنه لا يوجد مستقبل للمسيحيين في المنطقة من دون وجود مستقبل للمسلمين، فنحن نصنع مستقبلاً واحدًا، ولعل الجواب الأفضل هو أن الشرق الأوسط اليوم بحاجة إلى رؤية جديدة لمستقبل أبنائهquot;.

إيلاف سألت قرّاءها عن خوف المسيحيين بعد الثورات العربية، وإن كان مبرراً، فوجدت غالبية (58.87%) من القرّاء المشاركين (12711) أن هذا الخوف المسيحيغير مبرر له، فيما رأى (41.13%)، وعددهم 8882، أن خوف المسيحيين من ثورات الربيع العربي مبرر. وهو انعكاس لانقسام آراء المراقبين حيال التغيير الذي أحدثته انتفاضات الربيع العربي. وقد بلغ عدد المشاركين في الإجابة عن سؤال إستفتاء إيلاف في الأسبوع الماضي (21593).