لبنان حافظ على استقراره رغم الأزمة في سوريا

تمكن لبنان من الحفاظ على استقراره، رغم الأزمة الحاصلة في سوريا، حيث أدرك الجميع ومن بينهم رجال السياسة بمختلف اتجاهاتهم، الأهوال التي يمكن أن تترتب في حال استيراد الثورة السورية.


لندن: قبل عام، كان اللبنانيون يهيئون أنفسهم لانتقال متاعب الجيران الى بلدهم. وإزاء الانتفاضة السورية المستعرة على أعتاب بلدهم وانقسام السياسة اللبنانية نفسها بين مؤيد ومعارض، فإن كثيرين افترضوا أنها مسألة وقت قبل أن يقع لبنان ضحية تداعيات الأزمة السورية وتبدأ طوائفه بالاقتتال في ما بينها.

ولكن لبنان تمكن من الحفاظ على استقراره متحديا كل التوقعات، وما يطفو على السطح من مظاهر قلق سرعان ما يتبدد بتطمينات السياسيين اللبنانيين الذين أدركوا، على غير عادتهم، الأهوال التي يمكن ان تترتب على استيراد الأزمة السورية.

ويرتبط الهدوء، الى حد ما، بمرارة الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما من 1975 الى 1990 والخوف من اشتعال نزاع طائفي آخر، كما أنه يؤكد إدراك حزب الله، المؤيد للنظام السوري والدعامة الرئيسة للحكومة اللبنانية الحالية، بأن أولويته تكمن في الحفاظ على الوضع الحالي.
ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن سياسي متحالف مع حكومة نجيب ميقاتي قوله quot;نحن نقف على شفير الهاوية ولا نسقط، وهذا يتطلب الكثير من القوةquot;.

ولكن من المتعذر أن يبقى لبنان بمنأى عن تداعيات الأزمة السورية. إذ تضرر الاقتصاد اللبناني بعدوى الأزمة الاقتصادية في سوريا وتتعرض المصارف اللبنانية الى ضغوط من الادارة الاميركية للتوثق من التزامها بالعقوبات المفروضة ضد سوريا.

وينزح السوريون الى لبنان أفواجا، ويزيد عددهم الحقيقي بكثير على عدد اللاجئين المسجلين البالغ 20 ألفا. فالبعض يعيشون مع اقارب أو اصدقاء، والبعض الآخر مع مئات الآلاف من العمال السوريين المقيمين في لبنان منذ سنوات.

والأشد مدعاة للقلق، الاشتباكات التي كثيرا ما تتحدث عنها الأنباء على الحدود اللبنانية مع سوريا واتهام القوات السورية بعبور الحدود لملاحقة مقاتلي المعارضة.
وكان المصور اللبناني علي شعبان قُتل برصاص القوات السورية على الجانب اللبناني من الحدود في نيسان (ابريل). وتعرض ناشطون سوريون في بيروت الى تهديدات وإن كانت الأشهر الأخيرة شهدت انحسار هذه الضغوط.

وامتنعت حكومة ميقاتي عن رمي ثقلها بجانب النظام السوري أو معارضته، ومارست لعبة توازن دقيقة بانتهاجها سياسة quot;النأيquot; بنفسها عن النزاع. وطلبت حكومة ميقاتي إعفاءها من قرارات الجامعة العربية بشأن سوريا، وحاولت إقامة توازن بين مطالب النظام السوري بملاحقة مهربي السلاح الى الثوار وضغوط المجتمع الدولي ودول الخليج لدعم المعارضة.

وفي حين اعلنت البحرية اللبنانية الشهر الماضي اعتراض شحنة أسلحة كانت وجهتها على ما يبدو المعارضة السورية، فإن الحكومة تغض الطرف على مقاتلي الجيش السوري الذين يفرون الى مدينة طرابلس في الشمال.

ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن مسؤول كبير في حكومة ميقاتي quot;ان الحفاظ على التوازن ليس سهلا، ولكننا اقليميا لا نستطيع ان نقف ضد سوريا ولا ان نقف معها تماما لأننا سنثير حفيظة دول الخليج التي نحتاجها لدعم اقتصادناquot;.
وعلى الجبهة الداخلية، يجاهر حزب الله بوقوفه الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد منذ اندلاع الانتفاضة، ويتهم ناشطون سوريون الحزب بمساعدة النظام في حملته ضد المعارضة.

ولكن الأزمة السورية وضعت حزب الله في موقف دفاعي ايضا وأجبرته على ان يأخذ في الحسبان امكانية سقوط حليف اقليمي كبير. كما خسر حزب الله في ما يتعلق بالموقف من سوريا دعم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي اصبح من اعلى خصوم النظام السوري صوتا.

وإذا انفجرت أزمة سياسية سببها سوريا، وأدت الى سقوط حكومة ميقاتي فانه ليس معروفا على وجه التأكيد إن كان لدى حزب الله ما يكفي من المؤيدين في المجلس النيابي لتشكيل حكومة جديدة.

وقال مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط، بول سالم ان لا مصلحة لحزب الله في تعكير المياه ولا مصلحة للمعارضة اللبنانية بقيادة تيار المستقبل ايضا في هز المركب. وحذر سالم من تزايد الاستقطاب مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة العام المقبل. ويعني هذا ان لعبة التوازن التي يمارسها لبنان ستكون اصعب بكثير.