يتوجه 44 مليون ناخب فرنسي غدًا الأحد الى مكاتب الاقتراعليختاروا رئيسًا فرنسيًا جديدًا، وتشير معظم الاستفتاءات الى وصول الاشتراكي فرانسوا هولاند الى سدة الرئاسة الفرنسية وخسارة الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي. والسؤال هل تتغيّر سياسة فرنسا بعد فوز هولاند تجاه المنطقة ولبنان تحديدًا؟.


بيروت: فرنسا أمنا الحنون، عبارة سمعناها سابقًا ويرددها معظم اللبنانيين، فالعلاقات اللبنانية الفرنسية كانت ولا تزال جيدة حتى لو كان وهجهامضيئًا مع رؤساء أكثر من آخرين، فالعلاقة الحميمة التي كانت تربط الرئيس الفرنسي الاسبق جاك شيراك بالرئيس رفيق الحريري، جعلت من فرنسا اكثر من أم حنون على لبنان حينها. اليوم تبدو فرنسا على مفترق طرق وكل الاستفتاءات تشير الى وصول الاشتراكي فرانسوا هولاند الى سدة الرئاسة الفرنسية، ورغم أن أكثر من نصف الفرنسيين من اصللبناني كانوا يفضلون مجيء ساركوزي لأنه عرف كيف يستغل فكرة الخوف المسيطرة على اللبنانيين، الا أن مجيء هولاند باعتقادهم لن يغيّر السياسة الفرنسية تجاه لبنان من جهة، والمنطقة من جهة أخرى.

في هذا الصدد يرى النائب تمام سلام في حديثه لـquot;إيلافquot; أنه يبدو أن كل الاستفتاءات والتقديرات تشير الى فوز الاشتراكي فرانسوا هولاند في الانتخابات الفرنسية، ويقول من الضروري الانتظار لنرى كيف سيؤثر فوزه على السياسة الخارجية الفرنسية، لأنه ليست هناك الى الآن معطيات كبيرة، حول هذا الموضوع، لأن في المناظرة الاخيرة بينه وبين الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي، تم التطرق الى الكثير من المواضيع، غير أنه لم يتم الحديث عن السياسة الخارجية بشكل مستفيض لنتمكن من استشراف كيف ستكون.

عن القول بأن الفرنسيين من اصل لبناني يفضلون بمجملهم عودة ساركوزي لأنه عرف كيف يستغل سياسة الخوف لديهم، يأمل سلام أن تتعزز العلاقة بين لبنان وفرنسا بشكل مستمر، وقد شهدنا نموذجًا منها على مدى السنوات الماضية، حتى قبل ساركوزي، مع الرئيس الفرنسي الاسبق جاك شيراك، نأمل ذلك، والذين يعرفون هولاند يؤكدون أن هذا الامر سيستمر ويبقى.

بالحديث عن شيراك كان اكثر قربًا للبنانيين من ساركوزي، هل العلاقات بين الشخصيات السياسية بمعنى علاقة شيراك برفيق الحريري، هي التي تحدد السياسات الخارجية للدول؟ يرى سلام أن المصلحة المشتركة تحدد تلك السياسات، رغم أن لهذه العلاقات الشخصية دورها، هناك علاقة تاريخية على مدى سنوات، ليس فقط بين لبنان وفرنسا وانما بين العالم العربي وفرنسا، ونأمل أن تستمر تلك العلاقةحتى لو تغيّر الرؤساء.

فرنسا داخليًا وخارجيًا

وصف محللون الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية بواحدة من أغرب الحملات على الأقل في تاريخ فرنسا. بدأت بجدل حول تأثير المهاجرين بخاصة المسلمين ومواضيع العنف والإرهاب واللحم الحلال وهو الموضوع الذي جعله بعض السياسيين قضية وطنية، وانتهت بصدمات التقديرات المستخلصة من استطلاعات الرأي بشأن صعود قوى جناحي اليسار واليمين الأقصيين، وتقلص اهتمام الفرنسيين بالمشاركة في التصويت.

تراجع الاهتمام بالمشاركة يراه بعض المحللين على أنه أحد المؤشرات على أن الفرنسيين ملوا اللعبة السياسية بمعطياتها الحالية وأصبحوا ينتظرون تطورًا فيما يوصف بالعملية الديمقراطية بعد أن عانوا من أزمات متتالية بخاصة على الصعيد الاقتصادي. ويشعر جزء من الفرنسيين كغيرهم من الغربيين سواء في القارة الأوروبية أو على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي أن أساليب الحكم التي عاشوا في ظلها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإن أفرزت رخاء اقتصاديًا، فإنها جعلت كل المقدرات تصب في جعبة فئة محدودة وإعطاء الأفضلية المطلقة للأغنياء. كما وأنه مع مرور الوقت أصبحت الطبقة المتوسطة وما دونها ممن يعيشون على حافة الفقر تتحمل وحدها وزر وضريبة الأزمات.

ويشير ملاحظون كذلك إلى أن ما أدى الى تقليص شعبية ساركوزي الاتهامات التي أوردتها ضده من جديد صحيفة quot;ديلي تلغرافquot; البريطانية يوم الثلاثاء 13 آذار/مارس، والتي تضمنت تقريرًا يفيد بأنه تلقى نحو 65.7 مليون دولار من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، لتمويل حملته الانتخابية لرئاسة الجمهورية العام 2007.

ونقلت الصحيفة عن وثائق نشرت في موقع إلكتروني فرنسي أن شروط تسليم المبلغ جرى الاتفاق عليها في اجتماع بين الرجلين في ليبيا قبل عامين من انتخاب ساركوزي.

وتقول مذكرة حصل عليها موقع quot;ميديابارتquot; الإلكتروني وأحالهاعلى أحد القضاة، أن الاجتماع الذي انعقد يوم 6 تشرين الاول/أكتوبر 2005 تمخض عن سداد مبلغ تمويل حملة ساركوزي بالكامل.

وكان ساركوزي حينها وزيرًا لداخلية فرنسا، لكنه كان طامحًا لخلافة جاك شيراك في رئاسة الجمهورية. وتحظر قوانين تمويل الحملات السياسية في فرنسا على المرشحين استلام مبلغ نقدي تتجاوز قيمته الـ9900 دولار تقريبًا. غير أن quot;ميديابارتquot; تزعم أن مبلغ 65.7 مليون دولار الوارد في المذكرة تم تحويله إلى حسابات طرف ثالث لدى بنوك في بنما وسويسرا.

ونفى ساركوزي أخبار حصوله على أموال من القذافي.

النفي تلقى رجة إثر تصريحات الرئيس السابق لمجموعة quot;أريفاquot; الفرنسية النووية عن أن الرئيس الفرنسي سعى إلى بيع طرابلس مفاعلاً نوويًا قبل أربع سنوات. ساركوزي نفى في البداية هذه التصريحات مؤكدًا بأنها quot;خياليةquot; ولكنه ما لبث أن تراجع عنها يوم الخميس 19 نيسان/أبريل مشيرًا إلى أن الأمر يتعلق بمحطة لتحلية مياه البحر بوساطة مفاعل نووي.

المعروف أن للانتخابات الفرنسية بعداً آخر يتجاوز الساحة الداخلية، حيث أنها ستترك بصماتها على أوضاع تحالفات دولية في وقت يمر فيه العالم بعملية إعادة بناء، أو بالأحرى بصراع لإنهاء نظام القطب الواحد.

فرنسا في عهد ساركوزي تحولت إلى الحليف الأوروبي رقم واحد بالنسبة للولايات المتحدة وأبعدت بريطانيا عن هذه المرتبة، ورغم علاقاتها الوثيقة مع ألمانيا، عاكس قصر الاليزيه برلين في العديد من القضايا الأوروبية وذلك استجابة لرغبات واشنطن بخاصة على الصعيد الاقتصادي. باريس كانت رأس الحربة لتدخل حلف الناتو في ليبيا والمدافع عن مواصلة الحرب في أفغانستان على الأقل حتى نهاية سنة 2014 رغم تكثف المؤشرات عن استحالة تحقيق نصر هناك. وتبرز حكومة فرنسا مع نهاية فصل ربيع سنة 2012 كالمدافع الأكثر تحمسًا عن مخطط التدخل العسكري الغربي في سوريا. ويسجل أن الرئيس ساركوزي شرع كذلك في إدخال تعديلات متدرجة على مواقف بلاده من قضايا تتعلق بمنطقة المغرب العربي ومنطقة الساحل، وذلك تماشيًا مع مخططات المحافظين الجدد في واشنطن الذين يسعون إلى استكمال مشروع الشرق الأوسط الكبير.

تفوق باريس - ساركوزي على لندن في الولاء للبيت الأبيض عبرت عنه بوضوح وبغضب صحيفة quot;ديلي إكسبريسquot;، حيث كتبت يوم الأربعاء 12 كانون الثاني/يناير 2011، أن إعلان الرئيس باراك أوباما أن فرنسا أصبحت الآن أقوى حليف للولايات المتحدة، أثار غضب مسؤولي مكتب رئاسة الحكومة البريطانية. وذكرت الصحيفة أن تصريحات أوباما، بعد استقباله الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في البيت الأبيض، ألقت شكوكًا خطيرة على العلاقة التاريخية الخاصة بين الولايات المتحدة وبريطانيا، حين قال: quot;ليس لدينا صديق وحليف أقوى من ساركوزي والشعب الفرنسيquot;. وأضافت إن مسؤولين في الحكومة البريطانية اعتبروا تصريحات أوباما بمثابة ازدراء لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون، وأثارت المخاوف من أن الولايات المتحدة صارت تعتبر بريطانيا الآن بلا ثقل على الساحة الدولية. وأضافت الصحيفة أن مصدرًا بارزًا في حزب المحافظين الحاكم اعتبر تصريحات أوباما quot;مسيئة جدًا وتتجاهل تضحيات قواتنا في القتال إلى جانب الأميركيين وتثير الشكوك حول العلاقة الخاصة وما إذا كانت تعني أي شيء بعد الآنquot;.

بعض الأوساط في تحليلها لتبعية باريس للبيت الأبيض تذهب إلى طرح فرضية تدخل الإدارة الأميركية لإقصاء من كان قبل هولاند أخطر منافسي ساركوزي، أي quot;دومينيك ستروس كانquot;، المدير السابق لصندوق النقد الدولي، وذلك لتضمن بقاء حليفها في السلطة.

ويقول بعض المحللين إن الأجهزة الأميركية دبرت فضيحة quot;دومينيك ستروسquot; بتهمة الاعتداء الجنسي على نفيستو ديالو عاملة التنظيف في فندق سوفيتيل في نيويورك خلال شهر آيار/مايو 2011، وذلك لخلط الأوراق داخل الحزب الاشتراكي الذي كان quot;ستروسquot; مرشحه المفضل للرئاسة.

القضاء الاميركي اسقط لاحقًا الملاحقات الجنائية بحق quot;ستروسquot; ولكن بعد أن اضطر للإستقالة من صندوق النقد وبعد أن تلوثت سمعته، وبالتالي أبعد عن السباق للإليزيه.