في يوم حرية الصحافة العالمي يبدو وضعها في لبنان على المحك، وبينما يميّز عميد كلية الإعلام والتوثيق الدكتور جورج كلاس بين حرية التفكير والتعبير، يؤمن الإعلامي علي الأمينبوجود أقلام لا تزال حرة في لبنان، فهل لا تزال حرية الصحافة مصانة أم دخلت مفهوم ديمقراطية الفوضى؟.


بيروت: تبدو الصّورة النمطية لوسائل الإعلام مدعية فاسدة متواطئة تطمح في الحصول على المزيد من السلطة والمال والنفوذ.

ففي روايته quot;الأوهام الضائعةquot; يصفها بالزاك بالجهنم ومستنقع الكذب والخيانة.

أما الصحافيون عند فولتير فهم quot;أنذال الأدبquot;، ويرى الكاتب والصحافي ماكس غالو في روايته quot;جريمة عادية جدًاquot; أن عالم الصحافة هو عالم الخبث والتواطؤ والنفاق والمجاملةquot;.

من جهة أخرى، تبدو صورة الصحافة وكأنها ضحية الإرهاب، خصوصًا عندما تُذكر الحرب الأميركية على العراق، فالمراسلون لم يقعوا فقط ضحية التضليل والتلاعب والضغوط على أنواعها، بل وقعوا أيضًا ضحية العنف.

اليوم في عيد حرية الصحافة العالمي، هل الصحافي ضحية أم جلاد، وأين تقع مسؤولياته بين الخيط الرفيع الذي يفصل حريته عن الفوضى؟.

يميز عميد كلية الإعلام والتوثيق الدكتور جورج كلاس بين حرية التفكير وحرية التعبير، ويرى أنه quot;من المفروض أن نؤمِّن مساحة للتفكير في لبنان، وأن نحرص على الاهتمام بحرية التفكير، ومتى تأمنت يمكن عندها الانتقال إلى حرية التعبير، شرط التعبير الواعي، لأن الصحافة مسؤولية، وعندما نتكلم عن حرية الصحافة يجب أن نتكلم عن مسؤوليتها، ويجب أن تكونالتربية على المسؤولية قبل الحرية.

هل الصحافي اللبناني حر أم مسيس وفقًا لوسيلته الإعلامية؟ يميّز كلاس بين الصحافي والوسيلة الإعلامية، ويقول :quot;كل شخص يريد أن يكون حرًا، لكن الصحافي ما يضيق عليه مساحة حرية تعبيره هي الوسيلة أكثر من السلطات، وعندما نتكلم على الحرية لا بد أن نتكلم على الرقابة الإعلامية التي تمارس على الإعلام، وهي في لبنان تتعدد مع تعدد السلطات، إذن هناك السلطة السياسية التي لها دورها في الرقابة وكذلك السلطة الدينية، وسلطة الرأسمال، وأيضًا هناك الرقابة الذاتية، وأصعب الرقابات هي رقابة المؤسسة على ما يكتبه الصحافي، لأن لا دور للصحافي إن لم يكن هناك مجال للنشر، وبذلك تنتقل المسؤولية إلى الوسيلة الإعلامية، وعن مدى مساحة الحرية التي تقدمها إلى الصحافي.

يضيف كلاس: quot;عندما يشكو الصحافي أي قمع، يمكن أن يكون قمعًا داخليًا من خلال المؤسسة، أو من خلال السلطة الخارجية.

عن الخيط الرفيع بين الحرية والفوضى يرى كلاس أننا نعيش في لبنان مفهوم ديمقراطية الفوضى، ويتأتى عن هذه الفوضى الرغبة بالتمايز وتحقيق السبق الإعلامي على حساب الموضوعية والرصانة، مشكلة الإعلامي اليوم هي أنه إعلام يبحث عن أن يكون أكثر رصانة ومسؤولية، والمشكلة الأخرى أن هناك تسابقًا وتسارعًا لتحقيق السبق على حساب الصدقية، وهذه أكثر المخاطر التي تهدد وسائل الإعلام وقيمة الإعلام.

ويؤكد كلاس أن :quot;الإعلام اللبناني من دون حرية لن تكون له قيمة على الإطلاق، ولكن الإكثار من الحرية من دون توجيه وتربية على الحرية والمسؤولية، يقذف بالإعلام اللبناني إلى نمطية الفوضى.

مقارنة بالدول العربية أين يمكن وضع الصحافي اللبناني لجهة الحرية، يرى كلاس أن لبنان لم يعد من حيث حرية الصحافة بالمستوى الذي كان عليه من قبل، أي إن هناك تراجعًا في موضوع حرية الصحافة، لأن الرقابة لم تعد فقط من الدولة والسلطات والدوائر الرسمية، هناك اليوم رقابة حزبية تمارس، وبعض الأمور تحولت إلى ميليشيات إعلامية.

لبنان والدول العربية

يرى الإعلامي علي الأمين في حديثه لـquot;إيلافquot; أن ثمة تميزًا لدى المؤسسات الصحافية والإعلامية لجهة حيازتها حدودًا لا بأس بها من الحريات، قياسًا إلى المحيط اللبناني، أي الدول العربية، لكن هذا لا يقلل من أهمية نقد الأوضاع التي تحيط بهذه الحرية في لبنان، والتي تحدّ منها وتجعلها في كثير من الأحيان أسيرة الانقسام السياسي في البلد، بمعنى أن في لبنان لا شك هناك حرية صحافة، لكن هي حرية الصحف الناطقة باسم القوى السياسية، وغالبًا هي قوى تمثل الطوائف اللبنانية.

وحتى مصادر تمويل الصحافة إذا كانت سياسية تؤثرفي هذه الحرية، وحتى على السوق الإعلامية التي تتحكم بها أيضًا مصادر السلطة السياسية، ولذلك جزء من الموارد الإعلانية تذهب باتجاه مسيس يلائم طبيعة الخريطة السياسية والانقسام السياسي القائم في البلد.

يضيف الأمين: quot;هناك أزمات تتصل بطبيعة العمل اللبناني الإعلامي تلقي بثقلها وتؤثر وتتحكم بالأمور، وتجعل أي مراقب محايد يجد أن الصحافة اللبنانية أصبحت بجزء كبير منها أسيرة الانقسام السياسي القائم في البلد، والحرية الموجودة هي مشروطة في كثير من الأحيان، بحماية طائفية، وليست بحماية القانون.

عن دور الوسيلة الإعلامية في تسييس الصحافي وإجباره على ألا يكون حرًا يرى الأمين أن وسائل الإعلام جزء كبير منها أسير هذا الوضع، ولكن لا أحد يفرض على الصحافي أن يكتب ما لا يقتنع به، أو أن يكون مسيّرًا بشكل كامل، لذلك لا شك أن مناخ العمل الصحافي في ظل أجواء الانقسام والطائفية ووجود المال السياسي يكون غير صحي، لا يقلل ذلك من وجود الأقلام الحرة التي نجدها في أكثر من مؤسسة إعلامية.

ويضيف: quot;المؤسسات الإعلامية باعتبارها تحت سيطرة الانقسام السياسي أو التمويل القائم، سيؤثر هذا بطبيعة الحالعلىالعمل الصحافي، لكن كل صحافي يؤمن بممارسة دوره بشكل حر، قادر على أن يجد حيزًا يعبِّر فيه بحرية.

بين الحرية والفوضى يرى الأمين أن الصحافي ابن المجتمع والنظام السياسي القائم ويتأثر ويؤثر به، نرى الصحافي يتمتع بجانب من الحرية، وقد تذهب إلى الفوضى وتتأثر بمناخات في البلد، وجانب الفوضىناتج من التأثير السياسي، بمعنى أنه يأتي تلبية لرغبات سياسية أكثر منها تلبية لحاجة الإعلامي أو الصحافي، وهو ناتج من شعور بالاستقواء.