تُعيد قضية اغتيال المصوِّر اللبناني علي شعبانفتح ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، هذا الملف الذي أثير منذ وقت طويل ولم يُعمل به من الجانب السوري، كما يؤكد النائب خضر حبيب، بسبب المماطلة لافتعال مشاكل على الحدود تحوِّل الانظار عن الداخل السوري.
بيروت: استشهاد المصوِّر علي شعبانوالكثيرين من قبلهعلى الحدود اللبنانية السورية، يعيد فتح ملف ترسيم تلك الحدود التي تم البحث بها ولكندون الوصولالى نتائج مرجوة، لماذا؟ يقول النائب خضر حبيب لـquot;إيلافquot; إن موضوع ترسيم الحدود اللبنانية السورية، اصبح متداولاً به منذ فترة طويلة وقد اتخذ قرار سابق في ما يخصه، ولكن الجانب السوري لم يلتزم بكل القرارات، حتى أنه شُكلت أخيرًا لجنة منبثقة من مجلس الوزراء، ترأسها الوزير السابق جان اوغاسبيان، وزار سوريا مرات عدة، وتمت الموافقة على ترسيم الحدود، ولكن الجانب السوري كان دائمًا يماطل في تنفيذ القرارات، وهذا يدل على عدم نية الجانب السوري بالالتزام، في وقت اعطوا حججًا بأن اللجنة التي تقوم بترسيم الحدود مشغولة على الحدود الاخرى، لذلك كان الجانب السوري يمارس دائمًا سياسة المماطلة، وهذا من خلال خبرة النظام السوري في التلاعب بالوقت، والمماطلة بالامور، ويضيف حبيب:quot; لو تم حل هذه المشكلة، لما رأينا كل تلك الانتهاكات من الجانب السوري، وآخرها وفاة المصوِّر علي شعبان، وهذا الشهيد العاشر الذي يسقط في الاراضي اللبنانية، باطلاق نار من الجانب السوري، وللاسف الحكومة الحالية، لا موقف حازم لها في هذا الموضوع، واليوم لا نستطيع أن نضع كل الجيش على الحدود اللبنانية السورية، فنحن لسنا بحاجة الى عشرات الآلاف من الجيش اللبناني، بل نحن بحاجة الى موقف رسمي سياسي حازم، من الحكومة اللبنانيةquot;.
ويتابع حبيب:quot; بكل صراحة، اعتقد أن الجانب السوري لن يبت ابدًا بترسيم الحدود، بل على العكس، الوضع السوري من مصلحته افتعال مشاكل على الحدود اللبنانية أو الاردنية أو التركية، لتحويل الانظار من الداخل الى الخارج واستعادة ما شاهدناه على الحدود السورية التركية، حيث نرى اعدادًا هائلة من اللاجئين السوريينquot;.
ويضيف حبيب:quot; اعتقد ما يجري اليوم هو افتعال مشاكل على الحدود من قبل النظام السوري بين مختلف الدول، لخلق ولتحويل الانظار من الداخل السوري الى الخارجquot;.
ملف ترسيم الحدود
يشكل ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، مادة دسمة كانت عرضة للنقاشات على مر السنوات، اذ تشكل حدود لبنان المشتركة مع كل من سوريا في الشمال والشرق، وإسرائيل في الجنوب، واحدة من أعسر المشاكل التي يعانيها وطن الأرز، لاسيما وأن هذه الحدود كانت دائمًا، ومنذ الاستقلال، مصدرًا لأزمات هددت لبنان وتهدده في كيانه، وفي استمراره كدولة مستقلة، وفي مصالحه الحيوية الأساسية.
في الشمال والشرق كما في الجنوب، مرورًا بمسألة مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل عنوة، وعشرات عمليات الخرق والهيمنة والاحتلال والتصرف في حق الأراضي اللبنانية المتاخمة للحدود مع سوريا، وتحويلها إلى ميدان حرّ للتهريب والمهرّبين، واستباحة حقوق أصحاب الأرض اللبنانيين، وإقامة قواعد عسكرية في أكثر من منطقة منها ما يشكل تهديدًا متواصلاً وخطيرًا للبنان كوطن وشعب وقضية.
لم يسبق أن تمّ ترسيم الحدود اللبنانيّة - السوريّة التي تبلغ قرابة الـ365 كيلومترًا من الطول، بشكل كامل على الأرض. وتُعتبر هذه الحدود غير المضبوطة مصدر خلاف بين البلدين لسببين رئيسيين: الأوّل هو ما تؤدي إليهالتعديّات السوريّة على أراضي لبنان، هذا البلد الذي يكافح لتحرير نفسه من تأثير سوريا السلبي عليه، ولتأكيد سيادته على كامل أراضيه. والسبب الثاني هو أن المنطقة الحدودية هي أرض مُشاع تسهل فيها وتزدهر عمليّات تهريب السلاح، والأشخاص، وتشكّل بالتالي مصدرًا للإرهاب. هذه العوامل كافة جعلت لبنان وسوريا يخضعان لضغوط داخليّة وإقليميّة، ودوليّة كبيرة للمحافظة على أمن حدودهما المشتركة.
انسحاب
منذ انسحاب القوّات السورية من لبنان العام 2005 ، أصبح من الممكن تحديد الحدود المشتركة بين البلدين، ولكن بعد سنوات على ذلك، لم يطرأ أي جديد على هذه الحدود التي لا تزال غير مضبوطة وغير محدّدة.
كل هذا يُظهر أنّ عدم تحديد الحدود بين البلدين يؤدي الى استمرار الوجود السوري على الأراضي اللبنانيّة، كما ويساهم في ازدهار عمليات التهريب في المنطقة الحدوديّة.
ويمكن القول اليوم إن سوريا لا تزال تحتفظ بوجودها العسكري والمدني على الأراضي اللبنانيّة. ففي شمال شرق لبنان، يحتل مواطنون سوريون قرىً ومنازل لبنانيّة، بالإضافة الى وجود نقاط تفتيش سوريّة تمنع في بعض الأحيان المواطنين اللبنانيين من دخول أراضيهم.
وكذلك في جنوب شرق لبنان، يعتدي السوريّون على أراضي لبنان، ويخضعون القرى لسلطتهم العسكرية.
إن المعابر الحدوديّة الرسميّة اللبنانية الأربعة، وهي العريضة، والعبوديّة، والقاع، والمصنع، لا تتوافق والمعايير الدولية، فهي بعيدة عن الحدود، وغير مجهّزة بشكل جيّد، وتفتقر الى التنسيق، مّا يجعل المنطقة الحدوديّة مناسبة للتهريب. والتهريب مُتاح في المنطقة الحدوديّة، حيث تتوفّر في شمال شرق لبنان الكثير من الطرق غير المعبّدة وممرّات التهريب الممتدة على طول الحدود، حيث يعبرها الأشخاص بمنتهى الحريّة من دون أن يمرّوا على أي نقطة تفتيش رسميّة.
في أواخر العام 2008 ، اتخّذ لبنان وسوريا قرارًا تاريخيًّا بإقامة علاقات دبلوماسيّة بينهما للمرّة الأولى في تاريخهما. وكان على الأطراف كافة استغلال هذه الفرصة المؤاتية من أجل تنفيذ التوصيات الآتية:
- ترسيم الحدود بين البلدين من دون أي إبطاء.
- تحويل ملكيّة مزارع شبعا الى لبنان بشكل رسمي، وسحب جميع القوات غير اللبنانيّة من مزارع شبعا وشمال قرية الغجر.
- تنفيذ توصيات الفريق المستقل لتقويم الحدود اللبنانية.
- زيادة التنسيق الأمني وتبادل المعلومات بين لبنان وسوريا.
- احترام توصيات كافة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
في عهد الانتداب
تمّ تحديد حدود لبنان وترسيمها وتعيينها في ظل الانتداب الفرنسي العام 1920 ، ولكن بعد الاستقلال عن فرنسا عقب الحرب العالمية الثانية، لم يعمد لبنان ولا سوريا الى ترسيم الحدود بين البلدين بشكل رسمي. وعندما طلبت الحكومتان اللبنانيّة والسوريّة، حديثتا العهد آنذاك، من الحكومة الفرنسيّة، مدّهما بمعلومات رسميّة حول حدودهما المشتركة، تبين أنّ لا وجود لأي معلومات من هذا النوع.
نتيجةً لذلك، شكّل لبنان وسوريا لجنة حدودية مشتركة في أواخر الخمسينات لترسيم الحدود بالشكل المناسب، وحلّ بعض النزاعات حول الأراضي، لا سيّما أراضي مزارع شبعا الواقعة في جنوب شرقي لبنان. وبعد اختتام اللجنة عملها العام 1964 ، قدّمت ما توصّلت إليه الى الحكومتين، وأوصت بإعادة ترسيم الحدود الدولية بما يتوافق مع اقتراحاتها. ولكن لا لبنان ولا سوريا أخذا باقتراح اللجنة، ولم يقدّم أي منهما نتائج بحثها الى الأمم المتحدّة لوضع خرائط دوليّة جديدة.
الأمين العام الأسبق للأمم المتحدّة كوفي أنان أقرّ بأنّه quot;يبدو أن ما من تسجيل رسمي لأيّ اتفاق رسمي بين لبنان والجمهورية العربية السورية حول حدودهما الدولية، لأنه لم يتم الاتفاق على حدود رسميّة منذ ذلك الحين، فحدود لبنان المعترف بها دوليًّا اليوم لا تزال هي ذاتها حدوده التي تعود الى زمن الانتداب الفرنسي العام 1920 .
العام 1975 ، دخل لبنان في سلسلة حروب داخلية معقدة استمرّت 15 عامًا، وتعرّضت وحدة أراضيه خلالها الى الانتهاك على يد كل من سوريا وإسرائيل. والعام 1976 ، دخلت الجيوش السوريّة الى لبنان مبدئيًا، بناءً على دعوة من الرئيس اللبناني آنذاك سليمان فرنجيّة، لتشكّل جزءًا من قوّات حفظ السلام العربيّة ظاهريًّا. وما لبث أن تحوّل الوجود السوري في لبنان، الى 29 سنةً من الإحتلال الذي ساهم في تأجيج الصراع اللبناني الداخلي، واستمرّ الى ما بعد توقيع اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان العام 1989 . وخلال تلك الفترة، رسخّت الميليشيات الفلسطينيّة وغيرها من المجموعات العربيّة المسلّحة وجودها في لبنان، وقد عمدت هذه المجموعات الى إنشاء المخيّمات ومراكز التدريب الخاصّة بها بموافقة السوريين، مانعةً السلطات اللبنانيّة من فرض تطبيق القوانين وإحلال النظام. وبعد ما أدرك مجلس الأمن أنّ وجود الميليشيات والقوى الأجنبيّة في لبنان، يؤثّر سلبًا على قدرة لبنان على فرض سيادته على أراضيه، عمد الى إصدار العديد من القرارات التي تؤكّد على ضرورة احترام كل القوى للبنان واعتباره دولة مستقلّة ذات سيادة.
في أيلول/سبتمبر 2004 ، أصدرت الأمم المتحدة قرار مجلس الأمن الرقم 1559 الذي طلب من الحكومة اللبنانيّة أن تبسط نفوذها على كامل الأراضي اللبنانيّة، وكرّر دعمه القوي لوحدة أراضي لبنان، ولسيادته، واستقلاله السياسي ضمن حدوده المعترف بها دوليًّا. وشدّد القرار 1559 أيضًا على أهميّة انسحاب جميع القوى غير اللبنانيّة من لبنان. وبعد أشهر قليلة من صدوره، وبالتحديد في 14 شباط/فبراير 2005 ، تمّ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني آنذاك رفيق الحريري. وكان من نتائج هذا الحدث المأساوي وما يمثلّه من اعتداء على سيادة لبنان، أن اجتمع ما يقارب المليون متظاهر لبناني في ساحة الشهداء في بيروت في 14 آذار/مارس 2005 للمطالبة بانسحاب الاستخبارات والقوات العسكرية السورية انسحاباً كاملاً من لبنان. وفي 26 نيسان/ابريل 2005 ، أعلن الجيش السوري أنّه أتمّ انسحابه من لبنان تماشيًّا مع القرار 1559 . وفي 23 أيّار/مايو 2005 ، أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا أكدّت فيه على انسحاب الجيوش السورية من لبنان.
غير أنّ الفريق الذي أرسلته الأمم المتحدة للتحقّق من الانسحاب لم يتمكن من الجزم بأنّ جميع أجهزة المخابرات قد انسحبت من لبنان لأنّ quot;أنشطة المخابرات هي في الغالب سريّة بطبيعتها quot; . إضافةً الى ذلك، أشار تقرير الأمم المتحدة الذي صدر في أيّار/مايو 2005 ودعا الى ترسيم الحدود اللبنانيّة - السوريّة، الى أنّ بعض المواطنين اللبنانيين من قرية دير العشاير الواقعة في جنوب شرقي لبنان أصرّوا بأن إحدى القواعد العسكرية السورية ما زالت موجودة داخل الأراضي اللبنانية .
وفي شهر آب /اغسطس من العام 2006 ، عقب 33 يومًا من الصراع بين إسرائيل و حزب الله، أصدر مجلس الأمن القرار 1701 مطالبًا حكومة لبنان بتأمين حدوده وغيرها من نقاط الدخول اليه، لمنع دخول الأسلحة أو ما يتصل بها من عتاد الى لبنان من دون موافقتها. وفضلاً عن ذلك، أجمع كبار القادة والسياسيين في لبنان خلال إحدى جلسات الحوار الوطني التي عُقدت العام 2006 ، على الضرورة الملحّة لترسيم الحدود المشتركة بين البلدين. غير أنّ العلاقات المتوترّة بين البلدين أدّت الى عدم إحراز أي تقدّم حقيقي في هذا المجال.
التعليقات