أعرب ستة من كبار زعامات التيارين الإسلامي واليساري في الجزائر رفضهم نتائج الانتخابات التشريعية المعلنة، الجمعة، التي شهدت سقوطا حرا لكلا التيارين. وتوعدّ هؤلاء في تصريحات لـ(إيلاف) بتصعيد اللهجة لكنهم لم يكشفوا عن تفاصيل السيناريوهات التي ينوون اعتمادها للردّ على مااعتبروه quot;اقتراعا مزوّراquot;.


الجزائر: يشدّد د.عبد الرزاق مقري القيادي في تكتل الجزائر الخضراء (ائتلاف الإسلاميين) على أنّ الائتلاف الذي يضمّ حركات السلم، النهضة والإصلاح سيتموقع في قيادة المعارضة ولا بد أن يتحمّل مسؤولياته، معطيا انطباعا قويا أنّ أتباع أبو جرة سلطاني، حملاوي عكوشي وفاتح ربيعي ndash; أقطاب الائتلاف المذكور ndash; لن يسكتوا عما حصل وسيصعّدون اللهجة.

يصرّ مقري على أنّ الإسلاميين لم يتراجعوا، بل كل ما في الأمر أنّ quot;الانتخابات مزورةquot;، وهو ما يتشبع به quot;أبو جرة سلطانيquot; زعيم حركة مجتمع السلم الذي اتهم جهات في السلطة بالعمل على إعادة البلد إلى عهد الاحادية الحزبية، مشيرا إلى أن هناك quot;تأسيسا لواقع نريد أن يتغيرquot;، مبديا خشيته من أن تتسبب نتائج الاقتراع في نسف كل الجهود المبذولة خلال العشرين سنة الماضية من أجل تحقيق المصالحة الوطنية، على حد تعبيره.

حمّل سلطاني مسؤولية الذي وقع إلى ثلاثة أطراف أهمها الحزب الحاكم الفائز بغالبية المقاعد، فضلا عمّن quot;سطّحوا الإصلاحات وحزّبوهاquot; على حد وصفه، إلى جانب quot;أولئك الذين سرقوا البسمة من أفواه الجزائريينquot;، ما يجعل البرلمان القادم أبعد من أن يكون quot;برلمانا تأسيسياquot; مثلما تسوّق السلطة لذلك.

عن ردّ الفعل المرتقب، يحجم سلطاني ومقري عن استباق الأشياء ويربطان سيناريو الساعات القادمة بما سيسفر عنه التشاور مع كل الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات وكذا الاطلاع على جميع تقارير اللجان المراقبة للانتخابات من أجل ضبط كيفية التعاطي مع من quot;صادرواquot; أصوات الجزائريين.

هل رفض الجزائريون التغيير في الانتخابات التشريعية؟

من جهته، اعتبر quot;عبد الله جاب اللهquot; زعيم جبهة العدالة والتنمية (حزب إسلامي) أنّ الذي جرى مسرحية انتخابية لم يجر مثلها في جميع المسرحيات السابقة، وقدّر جاب الله أنّه من صميم الوفاء للشعب والوطن فضح هؤلاء، معتبرا ما فعلوه تأسيسا لحالة لا أمن ولا استقرار، حيث أراد من زوّروا الانتخابات دفع الشعب دفعا نحو الكارثة.

إذ أكّد عدم سكوته على ما جرى، فإنّ جاب الله أعرب عن استمراره في العمل، قائلا إنّ تشكيلته تدرك بشكل واضح أنّ من هم في السلطة سيذهبون غير مأسوف عليهم.

إلى ذلك، أكد عبد المجيد مناصرة رئيس جبهة التغيير (حزب إسلامي ناشئ حديثا) أن السلطة ضيّعت على الجزائر فرصة سانحة للتغيير السلمي الديمقراطي، من خلال انتخابات نعتها بـquot;المزيفةquot; لم يشارك فيها نصف الشعب في اقتراع أفرغ ndash;من محتواه لأنّ أدوات التزوير المتوفرة في يد السلطة قد مورست.

حرص مناصرة على إبراز تشبث حزبه بدعم مسار التغيير السلمي الديمقراطي ومواجهة اليأس والتخويف عبر العمل مع الشعب والبناء للمستقبل والاستثمار في الموجود في كنف الوحدة الوطنية ومصلحة الجزائر وحماية المؤسسات الدستورية.

بالنسبة إلى حزب العمال (يسار) لزعيمته quot;لويزة حنونquot; الذي حصل على 20 مقعدا، فأكّد الناطق باسمه quot;جلول جوديquot; عدم رضى حزبه بالمرتبة الخامسة التي احتلها، مؤجلا حسم موقفه مما جرى، تماما مثل quot;علي العسكريquot; السكرتير الأول لـquot;القوى الاشتراكيةquot; (حزب يساري أمازيغي) الذي ظفر بـ21 مقعدا.

من جهته، قال quot;سمير لعرابيquot; المتحدث باسم حزب العمال الاشتراكي (يسار) إنّ التشكيلة اليسارية الناشئة تشكك بقوة في صدقية موعد العاشر مايو، خصوصا وأنّ الحزب الحاكم الذي نال غالبية الأصوات، لا يمثل في حقيقة الأمر سوى 15 بالمائة من الناخبين.
يلّح لعرابي على أنّ المعركة مستمرة لحمل النظام على احترام الحقوق الديمقراطية، الاجتماعية والسياسية، مفيدا أنّ الكرة الآن في مرمى قوى المعارضة.

ثمن الخيارات؟

يرى المحلل السياسي quot;عبد الرزاق طاهيرquot; إنّ التيار الإسلامي دفع ثمن خياراته الخاطئة خاصة خيار المشاركة في السلطة الذي أساء إلى صورته في الشارع الذي يربط مفهوم السلطة في الجزائر بالفشل والفساد وسوء التسيير.

يحيل طاهير إلى كون التيار الإسلامي ذهب ضحية مشاركة حركة مجتمع السلم في السلطة لسنوات وهي التي ساهمت في تمرير مشاريع قوانين ونصوص تشريعية عارضتها فئة كبيرة من الجزائريين في وقت من الأوقات مثلما حصل مثلا مع قانون الأسرة، ولم ينفع الانسحاب المتأخر لتلك الحركة من الائتلاف الحاكم، في تحسين صورتها التي تلطخت كثيرا، بل اعتبر مراقبون ذاك الانسحاب تكتيكيا شكليا طمعا في اقتسام كعكة (الربيع العربي).

يربط طاهير فشل الإسلاميين بمشاركتهم في السلطة، بعكس ما حصل مثلا في تونس ومصر والمغرب أين كان المنتمون إلى التيار الإسلامي متابعين مضطهدين، كما يتعلق الأمر بصراع الزعامة الذي مزّق إسلاميي الجزائر ما أثّر كثيرا في مصداقيتهم، واستثمار السلطة لخطاب تشويهي ترهيبي جعل الإسلاميين مرادفا لما شهدته عشرية العنف الدموي من عنف وتخريب وتقتيل.

يتوقع محدثنا أن يطعن الإسلاميون في النتائج لتبرير فشلهم الذريع، أما الخطوة المقبلة فستنبني على التخندق في صف المعارضة حتى وإن كان من الصعب عليهم استعادة صدقيتهم في المستقبل المنظور على الأقل.

من جهته، يذهب الكاتب السياسي المتخصص quot;محمد بغدادquot; إلى أنّ مصير الإسلاميين لن يخرج عن السيناريوهات التالية:

- العودة إلى أحضان السلطة، والتحالف مع حزبي جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي، على الأقل إلى غاية الانتخابات الرئاسية سنة 2014.

- البقاء في منطقة الوسط والذهاب إلى استعادة المجد الضائع في الانتخابات المحلية القادمة نهاية سنة 2012.

- دخول التيارات الإسلامية في مرحلة الأزمة الداخلية العميقة، والتي سيكون ثمنها باهظا جراء ارتفاع حدة ظاهرة quot;العزة بالإثمquot;، وبالتالي المزيد من الانقسام والتشرذم، وصعود المزيد من القيادات الضعيفة إلى الواجهة.

- المراهنة على التيارات المالية، وقادة الفساد والفئات الاجتماعية المتغلبة، للتحالف معهم بهدف استعادة ما ضاع من الأمجاد والمصالح.