لن يتمكن الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند من تنفيذ خططه بالطريقة التي رسمها إلا إذا فاز الاشتراكيون في الانتخابات البرلمانية المقبلة.


يعمل الرئيس الفرنسي الجديد، فرانسوا هولاند، على تحديد العناوين الرئيسة لسياسته بالتزامن مع الدعوة إلى اتخاذ تدابير لتعزيز النمو. لكنه لن يحظى بأي سلطة حقيقية إلا إذا فاز الاشتراكيون في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في حزيران/يونيو.

وإذا لم يحصل ذلك، فإن النتيجة ستكون حالا من الجمود السياسي، وهو تطور بالكاد تستطيع فرنسا وأوروبا احتماله.

عندما غادرت كارلا بروني قصر الاليزيه في باريس يوم الثلاثاء الماضي، جنبا إلى جنب مع الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي، كان المشهد عبارة عن نهاية رمزية لحقبة سابقة.

هولاند ووزراء الحكومة الفرنسية

وشهدت البلاد أسبوعاً كاملاً من مغادرة وزراء الحكومة المنتهية ولايتها مراكز وزاراتهم الشبيهة بالقصور، بعد أن استقبلوا خلفاءهم وأوصلوهم إلى مكاتبهم حيث ألقوا خطابات مشتركة.

وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة quot;دير شبيغلquot; أن حفلات استقبال الرئيس الجديد كانت أشبه بتتويج ملكي، إذ وصف المجلس الرئيس الاشتراكي الجديد بأنه quot;يجسد فرنسا ورمز للجمهوريةquot;، مشيرة إلى أن هذا الأمر شبيه بمقولة quot;مات الملك..عاش الملكquot;.

بفوز فرانسوا هولاند، تحتفل فرنسا بالرئيس اليساري الأول منذ 17 عاماً، بحكومة اشتراكية للمرة الأولى منذ العام 2002. لكن هذه الحكومة ستبقى في منصبها حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة، في 10 و17 حزيران. وتحظى الحكومة حالياً بالسلطة لأن اليسار يفتقر إلى الأغلبية البرلمانية.

ومع ذلك، عيّن هولاند رئيس الوزراء جان مارك ايرول وحكومته الجديدة، كما يحق له وفقاً للدستور الفرنسي. ولأن أعضاء البرلمان في عطلة، لا يمكن أن يصوت أعضاء الحكومة الجديدة.

وفي الجوهر، يعتبر تعيين الحكومة الجديدة مجرد طلقة البداية لحملة الانتخابات المقبلة،ونتائج الانتخابات ستكون حاسمة في تحديد مدى قوة هولاند.

وصفة للجمود

على الحكومة الموقتة الآن تحقيق الانجاز الذي يتمثل بالحفاظ على رضى اليسار وكسب أغلبية الناخبين الفرنسيين خلال أربعة أسابيع. وهناك احتمالات لا بأس بها بأن الناخبين سوف يقدمون على اليسار ليؤمنوا له الأغلبية في الجمعية الوطنية ومجلس النواب في البرلمان الفرنسي، لكن هذا الفوز ليس مضموناً بأي حال من الأحوال.

تميل فرنسا قليلاً إلى اليمين، على الرغم من فوز هولاند. وقد يكون السيناريو الآخر تشكيل حكومة يمينية برئيس يساري، وهو مبدأ معروف في فرنسا ويدعى quot;المساكنةquot;، إلا أنه وصفة للجمود السياسي، الذي يضعف البلاد اقتصادياً.

تشكيل الحكومة يعتبر إنجازاً بحد ذاته على طريق التغيير، فاليسار كان خارج السلطة لفترة طويلة حتى أن وجوهًا كثيرة من شخصياته غير مألوفة بالنسبة للفرنسيين، لاستثناء عدد من الوزراء لديهم خبرة في الحكومة.
وبما أن الحكومة الجديدة تتألف من 17 أمرأة و17 رجلاً، فتعتبر أول حكومة يمثل فيها بالتساوي كلا الجنسين، على الرغم من أن الرجال يسيطرون على معظم المناصب الرئيسة.

إضافة إلى ذلك، تعكس الحكومة الفرنسية تعدد الثقافات في المجتمع، فالمتحدث باسم الحكومة جاء إلى فرنسا من المغرب عندما كان طفلا، ووزير الداخلية ولد في برشلونة،ووزير الشؤون الفرنكوفونية له جذور جزائرية، إلى جانب وزيرين من الأراضي الفرنسية عبر البحار.

الخطوة الأولى التي قامت بها الحكومة تعتبر quot;رمزيةquot;، إذ قامت بخفض رواتب الوزراء بنسبة 30 في المئة شهرياً، إلى euro; 9940 . ويمكن اعتبار هذه الخطوة بمثابة مؤشر على متانة هذه الحكومة التي تحاول إثبات نفسها أمام للحصول على الأغلبية البرلمانية.

وعود باهظة الثمن

في الأيام القليلة المقبلة، ستتلقى الحكومة تقريراً من مكتب التدقيق على الموارد المالية للبلاد. وهناك حاجة إلى تدابير تقشفية صارمة للإبقاء على العجز تحت السيطرة. ويعتزم هولاند التمسك بالهدف الحالي، لكن لتحقيق ذلك وحده عليه أن يوفر أكثر من 20 مليار يوروسنوياً.

وقدّم السياسي الاشتراكي وعوداً مكلفة كثيرة خلال الحملة الانتخابية، بما في ذلك خفض سن التقاعد الى 60 عاماً. لكنه قال أيضاً انه يهدف إلى وضع ميزانية متوازنة. ويوم الخميس الماضي، قال وزير الإقتصاد الجديد بيير موسكوفيتشي: quot;الدَين هو عدوناquot;، مشيراً إلى أن خفض الديون الفرنسية على رأس أولوياته.

عمل جدي ورصين

الرجل الذي يحدد مسار الحكومة نيابة عن هولاند هو رئيس الوزراء جان مارك ايرول، أستاذ لغة ألمانية سابق، يتحدثها بطلاقة، وضليع في الشؤون الألمانية وأحوالها.

وسوف يكون هولاند بحاجة ماسة إلى مؤيد مخلص في السنوات المقبلة، فالرجلان متشابهان: كلاهما براغماتي ويفضل المواجهة بدلا من اعتماد حلول الوسط، وكلاهما من الشخصيات المحافظة.

وختمت quot;دير شبيغلquot; بالقول: quot;إذا كانت إدارة ساركوزي تعتمد على البهرجة والإعتداد بالنفس، فالحكومة الجديدة تتميز بأن أفرادها من الشخصيات الجدية التي تعمل بجهد. الإدارة السابقة كانت تملك بريق كارلا بروني، في حين أن إدارة هولاند تملك جان مارك ايرول. وهذه هي الرسالة الحقيقية التي أراد الرئيس الجديد ايصالها الأسبوع الماضيquot;.