ما لا يعلمه معظم الناس هو أن إيران هي الدولة الوحيدة التي تبيح تجارة الأعضاء البشرية. ويبدو أن انصراف الدولة إلى الهموم النووية والعقوبات الاقتصادية التي نشأت نتيجة الشكّ في اتجاهها نحو إنتاج القنبلة، أجبر أصحاب العوز على استغلال القانون في أعز ما يملكونه.


كلى مقابل البنكنوت

صلاح أحمد: التحدي الأكبر في حياة مرْضيّة - تبعًا لتقرير على صفحات laquo;غارديانraquo; البريطانية - هو أن تأتي بالمال اللازم لزفاف ابنتها، لأن العرف الإيراني يقضي بأن يتولى والدا العروس laquo;جهازraquo; ابنتهما. وبالنسبة إلى مرزية، الأرملة، فإن قيامها بهذا الواجب يرقى إلى مقام صون شرف الأسرة نفسه.

لكن ضيق ذات اليد يجعل الخيار الوحيد أمام مرضية أن تبيع إحدى كليتيها. وفي حال نجحت في الحصول على مشترٍ، فسيتعين عليها السفر من دارها في شمال إيران إلى أحد مراكز زرع الكلى في طهران لإتمام الصفقة. ورغم أنها ستعيش بقية عمرها بكلية واحدة، فإن هذا الأمر لا يقلقها البتة، لأنها تكون قد أدت واجبها كاملاً تجاه ابنتها التي laquo;لحقت بقطار الزواج في اللحظة الأخيرةraquo;، على حد قولها.

تفرّد
إيران هي الدولة الوحيدة التي تبيح التجارة في الأعضاء البشرية لمن أراد البيع والشراء. ولهذا فإن البلاد لا تعاني نوع الضيق الموجود في غيرها عندما يتعلق الأمر بتوافر هذه الأعضاء لزراعتها في أجساد أخرى. لكن المشكلة التي تواجه مرزية وغيرها، هي كثرة الذين يعرضون أعضاءهم للبيع.

لأجل العثور على مشترٍ، أعدت مرضية نسخًا عديدة من إعلان كتبته بألوان برّاقة، وحددت فيه فصيلة دمها ورقم هاتفها المحمول، وعلّقتها على عدد من جذوع أشجار في الشوارع المؤدية إلى بعض المستشفيات، التي تضم مراكز زراعة الكلى. وهذا هو دأب جميع الساعين إلى البيع هنا. بل إن عددًا منهم كتب إعلاناته مباشرة على جدران المباني العامة، وفي بعض الأحيان المساكن الخاصة أيضًا.

laquo;E-Bayraquo;!
laquo;تنبّهوا! كلية عمرها 24 سنة فقط، وفي أتم الصحة والعافية تبعًا للفحوصات الطبيّة. فصيلة الدم o+. سعر زهيد فلا تفوّت هذه الفرصة النادرة. رقم الجوّال كذا....raquo;!، هذا هو نوع الإعلانات التي يجدها المرء وهو يتجول في قلب العاصمة بالقرب من مبنى laquo;جمعية دعم مرضى الكلىraquo; الخيرية. وهنا تتكاثر هذه الإعلانات، بحيث يمكن القول إن المكان تحوّل إلى laquo;E-Bayraquo; لبيع هذه الأعضاء.

يقول مواطن اسمه علي (28 عامًا) من مدينة نور في ولاية مزندران الشمالية: laquo;أصيب طفلي ذو الستة أشهر بالشلل بعدما سقط من ذراعي أمه. الآن يتعيّن عليّ العثور بشكل أو آخر على مبلغ 20 مليون ريال (حوالي 12 ألف دولار) لدفع تكاليف عملية جراحية لعلاجه. وفي حال نجاحي في بيع كليتي، فربما حصلت مقابلها على 12 مليون ريال، إذا حالفني الحظraquo;.

قنوات رسمية
laquo;جمعية دعم مرضى الكلىraquo; هي إحدى مؤسستين حكوميتين غير ربحيتين تلقى على عاتقيهما مهمة الإشراف على بيع الكلى وشرائها. أما الثانية فهي

جدار قرب مستشفى في طهران يحمل إعلانات لبيع الكلى

laquo;المؤسسة الخيرية للأمراض الخاصةraquo;. وتتلخص وظيفة هاتين المؤسستين في تنظيم هذه التجارة وتسهيلها بين البائع والمشتري المحتمل والتأكد من أن هذا الأخير يحصل على الكلية المناسبة له.

يحصل البائع على القدر الأكبر من أمواله - بعد الزراعة الناجحة لكليته في الجسد المضيف - من المشتري نفسه، بينما تتولى الحكومة قسطًا منه. ويقول مصطفى قاسمي، من laquo;جمعية دعم مرضى الكلىraquo; إن السعر laquo;الرسميraquo; للكلية يتراوح في حدود 7 ملايين ريال، تتولى الحكومة دفع مليون ريال منها للبائع.

ليس للأجانب ولكن...
في حال فكر بعض مرضى الكلى الأجانب في الاستفادة من هذا المناخ الفريد، فثمة أنباء غير سارة بالنسبة إليهم. ذلك أن القانون يحظر على الإيرانيين بيع كلاهم لغيرهم، كما يقول قاسمي. ومع أن للإيراني الحق في أن laquo;يتبرّعraquo; بكليته لأجنبي إذا شاء، فهو ممنوع بقوة تشريع الدولة من laquo;بيعهاraquo; له.

هذا من الناحية الرسمية. لكن قاسمي يشكو في لقاء مع وكالة laquo;مهرraquo; الإيرانية للأنباء أن محاولة الدولة السيطرة على هذا النشاط والإجراءات البيروقراطية الطويلة المعقدة الناتجة من هذا تدفع أعدادًا كبيرة من البائعين إلى المساومة مباشرة مع المشترين المحتملين، بحيث صار الأمر laquo;سوقًا مفتوحةraquo;.

يقول قاسمي: laquo;في 2010 أجريت في البلاد 2285 عملية لزرع الكلى. ومن هذه كانت 1690 عملية تمت بعد البيع والشراء (معظم البائعين من الفئة العمرية 20 إلى 30 عامًا)، بينما أجريت 595 عملية، بعد أخذ هذه الأعضاء من أناس أُعلنت وفاتهم دماغياً.

جدل
كما هو متوقع، يظل قانون تجارة الأعضاء البشرية الإيراني محل جدل وسط الخبراء الصحيين بين مؤيد ومنتقد. ويقول اختصاصي وظائف الكلى الأميركي بنجامين هيبين، من laquo;مركز كارولايناس الطبيraquo; في نورث كارولينا إن الحكم على هذه التجربة الإيرانية معقد.

ويضيف أن مكمن الخطر فيها هو أن معظم الذين يبيعون كلاهم laquo;إنما يفعلون ذلك بدافع الفقر والعوز، وبالتالي فالأرجح أنهم محدودو المعرفة الطبية. وعلى هذا الأساس فهم لا يدركون الآثار المترتبة على عيشهم بكلية واحدة على المدى الطويل، وربما القصير، في العديد من الحالاتraquo;. ومن الجهة الأخرى يمتدح هيبين محاسن هذا النظام، فيقول إن إيران لا تعاني المشكلة التي تواجه بقية الدول في ما يتعلق بتوافر الأعضاء لغرض الزراعةraquo;.

على أن أصوات أخرى عديدة تحذر من مغبة استغلال laquo;سوق الأعضاء المفتوحةraquo;، والاحتمالات التي تفتحها، وأخطرها الجريمة المنظمة. لكنّ آخرين يشيرون إلى أن باكستان - على سبيل المثال - تحرّم بيع الأعضاء، ومع ذلك فإن سوقًا سوداء تنمو بمرور الأيام في هذا المجال، وبنتائج ذات عواقب أسوأ بكثير.