البغدادي المحمودي

أثار قرار الحكومة التونسية تسليم رئيس الوزراء السابق في نظام القذافي البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبية، ردود فعل رافضة في أغلبها لهذا القرار بسبب الوضع الأمني الحالي في ليبيا غير المستقر، ما يعرّض حياة البغدادي في حال تسليمه إلى الخطر ويبعده عن أية محاكمة عادلة.


تونس: ندد عدد من الشخصيات السياسية والحقوقية بقرار الحكومة التونسية تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي، ورأى فيه تجاوزًا لمبادئ حقوق الإنسان وتحدث بعضهم عن صفقة أو مقايضة وراء عملية التسليم.
وكانت محكمة الإستئناف في تونس العاصمة، أصدرت يومي 8 و25 نوفمبر 2011 حكمين منفصلين بتسليم البغدادي المحمودي إلى ليبيا.

ضمانات لمحاكمة عادلة

وزير العدل التونسي نور الدين البحيري، أكد أن بلاده قررت تسليم البغدادي المحمودي إلى ليبيا، وينتظر أن يتم التسليم خلال أيام أو أسابيع، وأضاف أن المسؤولين في ليبيا تعهدوا بمحاكمة البغدادي محاكمة عادلة.
الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية عدنان منصر، قال إن الرئيس التونسي الدكتور منصف المرزوقي رفض التوقيع على قرار التسليم، مؤكدًا على أنّ تونس لن تسلّم البغدادي المحمودي ما لم توفر السلطات الليبية ظروف المحاكمة العادلة، أو إذا رأت أنّ التسليم يمثل خطرًا على حياته. واشترط منصر تشكيل لجنة تونسية للتأكد من الضمانات احترامًا للحرمة الجسدية والمعنوية للمحمودي .

استياء وانشغال كبيران

أكدت مي الجريبي، الأمينة العامة للحزب الجمهوري في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ: quot;مسألة قرار تسليم رئيس الوزراء الليبي في عهد القذافي، البغدادي المحمودي أثارت استياءً وانشغالاً كبيرين، ونعرف جيداً الوضعية الدقيقة التي تمر بها الشقيقة ليبيا والحقوقيون والسياسيون، وكل المتابعين للشأن الليبي يخافون على حياة البغدادي إذا تم تسليمه فعلاً، ونحن في الحزب الجمهوري مع قضاء عادل ومستقل، ومع مقاضاة كل من تورط في الإستبداد وكل من ساهم في قمع شعبه، ولكن بشرط أن يكون هذا القضاء عادلاً ومستقلاً وأن لا تنتهك تحت إسمه الحقوق والحرياتquot; .

وأعربت مي الجريبي عن استغرابها وقالت: quot;في الحقيقة نعبر عن استغرابنا واستيائنا من الذين استفادوا من منظومة حقوق الإنسان التي كانت دائمًا، سواء في تونس أو في بقية بلدان العالم، تطالب بعدم تسليم quot;المتهمينquot;، سواء عن حق أو عن باطل، إلى جهات يخشى أن تنتهك من خلالها حريتهم ويتم التعدي على حريتهم الجسدية وعلى حياتهم. أستغرب ممن عانوا الغربة ومن انتهاكات حقوق الإنسان، وممن تمتعوا بتضامن المنظومة الحقوقية وأحرار حقوق الإنسان في تونس وفي العالم حتى لا يسلموا في وقت يخشى فيه على حياتهم وأعني بهم الموجودين في الحكم اليوم، وأستغرب أن ينسى من كان رئيسًا للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كل تلك القيم وتلك المنظومة الحقوقية ويعلن أنه سيتم تسليم البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبيةquot; .

من ناحيته، أكد الحبيب الزيادي، عضو الدائرة السياسية لحزب العمال الشيوعي في إفادته لـquot;إيلافquot; أنّ حزبه ينظر إلى مسألة تسليم البغدادي المحمودي من جانبين: quot;حزب العمال يعالج هذه المسألة من زاويتين الأولى حقوقية والثانية سياسية، فمن الزاوية الأولى وهي الحقوقية، سبق أن كان لنا موقف من معمر القذافي كنظام دكتاتوري استبدادي فاسد ولكنه قتل ونحن كنا ضد التشنيع بجثته، لأنه مهين للذات البشرية والإنسانية، وبالتالي فقد تمّ التعدي على حقوق الإنسان، وبنفس المنحى من خلال التوجه الفكري، فاليوم نعتبر أن البغدادي المحمودي هو جزء من نظام القذافي الإستبدادي والفاسد، ولا نشك في أنه قام بعديد التجاوزات والجرائم الخطيرة بحق الشعب الليبي، لكن هذا لا يعني اليوم ضرورة تسليمه الى النظام الليبي القائم لسببين، لأن القانون الدولي يمنع ذلك، أي أنه يمنع تسليم شخص الى جهة مجهولة أي لا بد من توفير شروط العدالة الإنتقاليةquot;.

وأضاف الزيادي متحدثًا عن النظام الليبي الحالي: quot;اليوم ليست هناك دولة قائمة في ليبيا فالثوار هم الذين يملكون السلاح ويسيطرون على المحاكم، ثوار قادمون من أفغانستان وباكستان وجنوب الصحراء، وهو ما يجعل من ليبيا حاليًا بؤرة متفجرة والشروط الدنيا للحياة غير متوفرة، وبالتالي فإن شروط المحاكمة العادلة غير متوفرة ولهذا السبب لا يمكن أن نقبل الآن بتسليم البغدادي المحمودي إلى النظام الليبي الحاليquot; .

وعن مصلحة تونس، يتحدث الحبيب الزيادي: quot;ليس من مصلحة تونس أن تسلم البغدادي الى ليبيا الآن، فمبادئ حزبنا والمبادئ التي نرغب في أن تقوم عليها تونس الجديدة، تتمثل في احترام حقوق الإنسان، وفي الواقع لسنا ضد مبدأ تسليم المحمودي، ولكن نرى أن الظروف الحالية في ليبيا لا تسمح بتسليمه فنحن في 1992 قلنا إن محاكمات الإسلامية غير عادلة وهو موقف مبدئي وليس تقربًا من الإسلاميين، نريد الحرية واحترام حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الإجتماعية والعدالة الإنتقالية و ليس العدالة الإنتقاميةquot;.

وكان حزب 14 جانفي 2011 طالب الحكومة في بيان له اطلعت عليه quot;إيلافquot; بتقديم quot;كل التوضيحات حول مسألة إيقاف البغدادي المحمودي ومصيره في الأيام القادمة quot;.
كما دعا الحزب الشعبي للحرية والتقدم إلى عدم تسليم البغدادي المحمودي الى السلطات الليبية quot; تماشيًا مع مبادئ الثورة ومع تقاليد الشعب التونسي ومع المواثيق الدولية، وعدم الرضوخ لأي ضغوط من أي طرف كان باسم الواقعية والمصالح، لأن في التسليم ارتهانًا للثورة والبلاد لإملاءات خارجية، بينما الثورة جاءت لتنادي باستقلالية القرار الوطني كشرط أساسي لمناعة البلاد حاضرًا ومستقبلاًquot; .

لا وجود لصفقات

الأمينة العامة للحزب الجمهوري مي الجريبي، أشارت إلى أنها ترفض قرار تسليم البغدادي المحمودي وقالت: quot;نخشى من مقايضة، والمسألة لا تتعلق بحقوق الإنسان أو بالرغبة في المقاضاة، بل بوجود صفقة يذهب ضحيتها البغدادي المحمودي، ولهذه الأسباب لا نوافق تسليم البغدادي إلى ليبيا، وبالتالي ندعو الحكومة إلى التراجع عن هذا القرارquot;.
وعن الصفقة التي تداولتها بعض صفحات التواصل الإجتماعي قالت مي الجريبي: quot;أنا لا أعتقد شيئًا، ولكنني أعبر عن مخاوف مشروعة، لوجود عدد من المؤشرات والتساؤلات حول إمكانية القيام بصفقة. كما أن تسليم البغدادي المحمودي يتناقض مع القيم الحقوقية، وأعتقد أن هناك عدداً من القيم كنا متكاتفين على أساسها في عهد بن علي وتأسفنا أن هذه المنظومة يجب أن تكون مصانة، فهي منظومة حقوق الإنسان والدفاع عن الحرمة الجسدية وكنا نتمنى من الذي عانى من الإستبداد أن لا يتسرع باتخاذ قرار تسليم شخص إلى نظاملا يزال غير مستقرquot;.

من جانبه، أشار عضو الهيئة السياسية لحزب العمال الشيوعي الحبيب الزيادي إلى وجود صفقات: quot;اليوم في ظل الحديث عن الصفقات والمقايضات نعتقد أن ما تقوم به السلطة الحاكمة التونسية غباء سياسي،عبارة عن سياسة مبتدئة ومتناقضة مع مبادئ حقوق الإنسان ومعايير المحاكمة العادلة. من جهة ثانية نعرف أنّ السلطة الحاكمة كانت أغلبها خارج تونس، ورغم ذلك لم يتم تسليمها إلى بن علي الذي طالب بذلك أكثر من مرة، فبالتالي كيف يتمسكون بحقوق الإنسان عندما كانوا مضطهدين واليوم يدوسون على هذه الحقوقquot;.

لكن النائب الأول لرئيس الحكومة الليبية الإنتقالية مصطفى أبو شاقور قال في مؤتمر صحافي: quot;البغدادي المحمودي وغيره سيعاملون معاملة على المستويات الدولية، وسينالون حقوقهم ولن يُعَذًبوا وسيقدمون لمحاكمة عادلة أمام الشعب الليبيquot;.
وأكد أبو شاقور ردًا على أخبار تفيد بوجود صفقة بين الجانبين التونسي والليبي على عدم وجود علاقة بين قرار التسليم وموافقة ليبيا على منح تونس قرضًا ماليًا. وقد كانت تونس أعربت منذ أشهر عن رغبتها في تسليم البغدادي إلى ليبيا.

حقوق الإنسان تحذر

وقد حذر البشير الصيد، رئيس هيئة الدفاع عن رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي الموقوف، السلطات التونسية من أن تسليمه الى السلطات الإنتقالية في ليبيا يعدّ مخالفًا للمعاهدات الدولية التي وقّعت عليها تونس داعيًا إلى إطلاق سراحه.
وأكد الصيد الذي لم يستبعد وجود صفقة مالية وراء تسليم البغدادي المحمودي على أن قرار التسليم هو عار على الشعب التونسي.
من ناحيتها، توجهت منظمة العفو الدولية برسالة إلى رئيس الجمهورية تطالبه فيها بعدم تسليم البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبية، معتبرة أن في ترحيله إلى ليبيا خطورة كبيرة على حياته إلى جانب سوء المعاملة والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان .