أعمال العنف في العراق تستمر وتستهدف الصحافة بشكل كبير

أكدت التفجيرات التي حصلت في العراق الأربعاء، والتي تسببت بمقتل العشرات، أن الوضع الأمني في البلاد مازال غير مستقر، ويواجه الصحافيون بشكل خاص مصاعب في الكتابة بحرية وأمانة، وخير دليل على ذلك إصابة مروان ابراهيم مراسل وكالة فرانس برس.


لندن: كانت تفجيرات يوم الأربعاء في العراق التي أوقعت 72 قتيلاً على الأقل في مناطق مختلفة، بمثابة تذكير بأن العراق ما زال مكانًا خطيراً رغم التحسن الكبير الذي طرأ على الوضع الأمني في الفترة الأخيرة. ويرى مراقبون أن العديد من الحريات الأساسية التي توقع العراقيون أن يتمتعوا بها نتيجة تغيير نظام صدام حسين، لم تتحقق مثلما خابت آمالهم بمستقبل أفضل بعد انتهاء ليل الدكتاتورية البهيم.

وما زال الصحافيون العراقيون على الأخص يواجهون مصاعب جمة في الكتابة بحرية وأمان عن بلدهم. وهذا ما أكدته إصابة مروان ابراهيم مراسل وكالة فرانس برس، إثر انفجار عبوة ناسفة على جانب الطريق في مدينة كركوك يوم الأربعاء.

وتقول إحصاءات بيت الحرية أن اكثر من 340 صحافيًا قُتلوا منذ الغزو الأميركي عام 2003 وأن العراق ما زال من أخطر البلدان في العالم على عمل الصحافيين.

وقد لا تكون التهديدات بالقتل واستهداف الصحافيين تحديدًا وتفجير مكاتبهم ظاهرة مصاحبة لحياتهم اليومية، كما كانت في السابق، لكنّ صحافيين عراقيين يقولون إن الضغوط والمخاطر ما زالت قائمة بأشكال أخرى في ظل حكم رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي يزداد تسلطًا على حد تعبير صحيفة كريستيان ساينس مونتر، ناقلة عن رئيس مرصد الحريات الصحافية زياد العجيلي قوله quot;إن طريقة قتل الصحافة مستمرة وهم فقط يغيرون شكل العنف الى عنف قانوني، يُمارس بموجب القانونquot;.

وكان وكيل وزارة الداخلية العراقي عدنان الأسدي، وصف حرية الإعلام بأنها quot;تهديد للأمن الوطنيquot;. ويفرض قانون حماية الصحافيين الجديد الذي يناقَش الآن عقوبات شديدة على نشر المعلومات quot;التي تضر بالمصلحة العامةquot; ويقيد حرية استخدام الانترنت.

ويدرج بيت الحرية العراق ضمن فئة البلدان quot;غير الحرةquot;، وقال في تقريره للعام 2011 quot;إن العراق يبقى من أخطر الأماكن في العالم على الصحافيينquot; وأن ما يزيد هذا الوضع تعقيدًا، القيود والدعاوى القانونية quot;المتزايدةquot; على الصحافيين.

وقال العجيلي لصحيفة كريستيان ساينس مونتر quot;إن تنظيم القاعدة كان يقتل الصحافيين، ولكن الآن الجيش والشرطة، عندما يمنعونك من التوجه الى موقع الحدث أو التقاط صور أو تصوير فيلم، وتشرِّع الحكومة قوانين لمنعك من الوصول الى المعلومة من مصدرها ـ فأنت بالتالي ميتquot;.

وتأتي الضغوط التي يواجهها الصحافيون العراقيون هذه الأيام، مع اتهام المالكي بتركيز السلطة في يده على حساب شركائه في حكومة الوحدة الوطنية الذين حاولوا سحب الثقة منه دون أن تتكلل محاولاتهم بالنجاح حتى الآن.

وقال جوست هلترمان مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إن السبب في ما يفعله المالكي quot;ليس لأنه يحلم في الليل بأنه دكتاتور ويعشق السلطة، بل ما يدفعه هو الخوف وانعدام الثقة والبارانويا أو جنون الارتيابquot;.

وأضاف هلترمان quot;إن جنون الارتياب كان آلية لبقاء المالكي وغيره من قيادات الخارج السابقين في مواجهة قضية وجودية، هي إبادتهم على يد النظامquot;.

وأوضح هلترمان أن هؤلاء quot;تمكنوا من البقاء. كيف؟ بجنون الارتياب الذي كان يعكس مرض النظام بجنون الارتياب. وهذا إنجاز كبير ولكنه لا يجعلك حاكمًا جيدًا، فهؤلاء ليسوا صالحين لقيادة البلدquot;.

وما زالت الأساليب القديمة تُستخدم، ضد البعض. إذ وقعت سبع محاولات اغتيال استهدفت صحافيين العام الماضي، بحسب مرصد الحريات الصحافية العراقي. وفي محاولة لترهيب منتقدي المالكي الذين استنكروا حملته في سحق احتجاجات العراقيين على طريقة الربيع العربي العام الماضي، قُتل الصحافي هادي المهدي في ايلول(سبتمبر) الماضي في بغداد. ودهمت قوى الأمن مكتب رئيس مرصد الحريات الصحافية العجيلي العام الماضي، وعبثت بمحتوياته وصادرت كمبيوتراته. كما فقد العجيلي سيارته عندما جاء رجال في ست عربات أميركية لاعتقاله دون مذكرة القاء قبض. ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن العجيلي أنه quot;ليست هناك ميليشيات ومسلحون وليس هناك شيء آخر يخيفنا ولكننا الآن لا نستطيع أن نتحدث عن قضايا مهمةquot;.

وقال العجيلي إن هذا أشد خطرًا من بعض النواحي، فالصحافيون كانوا قادرين على الاختفاء من المسلحين، لكنّ المسؤولين quot;يراقبوننا الآن، ويستطيعون العثور علينا... فنحن اليوم لا نستطيع الاختفاءquot;.

وتعتبر لعبة شد الحبل بين الصحافيين والمسؤولين العراقيين ظاهرة شائعة في بلد يتفشى فيه الفساد، واستياء المواطنين من القادة والبرلمان واسع الانتشار، على حد تعبير صحيفة كريستيان ساينس مونتر.

ولكن الصحافي والكاتب سرمد الطائي يبدو واثقًا من أن ثروة العراق النفطية ستعمل على تحقيق نمو متسارع في الاستثمارات الاعلامية. ويتخذ الطائي موقفًا نقديًا من حكومة المالكي، ولكنه قال quot;إن المداخيل ستتضاعف حتى مع أعمال العنف والفساد. وأن المنشغلين بالسلاح الآن سيكونون منشغلين بالمال في المستقبلquot;، بحسب الطائي الذي سيكون مدير قسم الأخبار في تلفزيون المدى، فرع مؤسسة المدى الاعلامية، الذي منالمقرر أن يبدأ بث برامجه في تشرين الأول (اكتوبر). وقال الطائي لصحيفة كريستيان ساينس مونتر في مكتبه المزين بلوحات فنية على الجدران quot;إن هناك تفاؤلاً ولكن ما زالت هناك مخاوف وتوجسات كبيرة لأن الحاكم في العراق يأمل بأن يكون دكتاتورًا.

ونحن في الإعلام، نكافح ضد ذلك ولكننا لا نستطيع الوصول الى مستوى عالٍ بما فيه الكفاية لتحقيق هدفناquot;.

وقال الطائي إن الصحافيين المستهدفين اليوم quot;لا يعرفون قواعد الاشتباك مع السياسيين والآخرينquot;. ولكنه أضاف quot;أن أصحاب السلطة لديهم قواعدهم ونحن الآن نعرف قواعدهم.... فالسياسيون لا يقتلونني أو يلقون بي في السجن بل يمنعونني من الوصول الى المعلومة، وعلينا أن نكافح ذلكquot;.

وقال الطائي إن حواجز التفتيش quot;تتعامل مع المصورين الصحافيين وكأنهم سيارات مفخخة فهم يضعون 1000 حاجز في طريقكquot;.

وكانت قوى الأمن وبلطجية المالكي أوضحوا في ربيع العام الماضي أن الاحتجاجات المناوئة لرئيس الوزراء العراقي وتغطيتها لا تكون مقبولة إلا في حدود معينة. وقال الطائي، إن هذا ترك المسؤولين أمام quot;ثلاثة خيارات سيئة هي قتل الصحافي وجعله شهيدًا، أو اعتقاله فيصبح بطلاً أو تركه يعيش فينهال عليهم بالنقد اللاذعquot;. وأشار الطائي الى أن ذلك أسفر عن ضغوط متزايدة يمارسها المسؤولون عن الاعلام quot;لإسكات اصحاب الألسن الطويلةquot;. وأكد الطائي quot;أن الحل ليس بالتوقف عن العمل بل بمواصلة العمل وتحقيق تقدمquot;.