في الأشهر الاولى من تولي بشار الأسد الرئاسة عام 2000 انطلقت موجة من حرية التعبير بعدما أرسل اشارات فُهمت على أنها تعني أنه يعتزم التخفيف من سيطرة والده الخانقة. وبادر معارضون الى تشكيل 70 ناديًا للحوار والاجتماع علنًا ونشر مجلتين نقديتين من مجلات الرأي.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن الناشط محمد عبد الله الذي شارك في الحوار ثم تعرض الى الاعتقال مع والده بعد اشهر: quot;كنا ننظر الى الربيع على أنه مجرد طريقة لاستدراج المواطنين الى قبول نقل السلطة من الأب الى الابنquot;. واضاف عبد الله أنه quot;كان واضحًا ان الأسد ليس اصلاحيًاquot;.

واليوم إذ يرد النظام السوري على الانتفاضة الشعبية بالقوة الغاشمة أخذ الأسد يكتسب صورة الحاكم المنبوذ عالميًا. فهو لن يفر ولن يرضخ للضغوط الخارجية ، كما أكد علنًا وفي مجالس خاصة.

وقال الأب باتريك هنري ريدون راعي كنيسة جميع القديسين الانطاكية الارذثوكسية في شيكاغو الذي قابل الأسد لمدة 90 دقيقة في كانون الأول/ديسمبر لصحيفة واشنطن بوست إن الأسد يدرك كيف ينظر العالم اليه quot;ولكنه يعتبر أنها ضرورة وجودية تقريبًا ان يُبقي البلد موحدًا ولتحقيق ذلك عليه أن يدق بضعة رؤوسquot;.

وبخلاف شقيقه باسل الذي قُتل في حادث سير عام 1994 فإن بشار الأسد لم يُدرَّب على الحكم بل كان طبيب عيون ، عالمًا وعلمانيًا وصاحب نمط حياة وخطاب دنيويين. وفي الكلمة التي القاها بمناسبة تنصيبه دعا الى مواجهة الذات والمجتمع بشجاعة واجراء quot;حوار شجاع.... نكشف فيه عن مواطن ضعفناquot;.

ولكن رد النظام السوري على ربيع دمشق كان مؤشرًا أدق الى شكل الحكم الذي اختاره بشار الأسد. ورغم خطابيته عن بناء مجتمع ديمقراطي حديث فإنه اعتمد رواية تذهب الى أن سوريا كانت هدفاً دائمًا لمؤامرة من قبل اطراف اسلاميين متطرفين والولايات المتحدة واسرائيل.

وقال ديفيد ليش المؤرخ في جامعة ترينيتي الاميركية ومؤلف كتاب عن الرئيس السوري إن الأسد quot;في ذهنه يرى أنه إذا اصبحت سوريا كوريا الشمالية في الشرق الأوسط لمدة 10 سنوات فلتكن كوريا الشماليةquot;.
واضاف ليش الذي التقى الرئيس السوري عدة مرات خلال العقد الماضي، أن الأسد بعد فترة قصيرة على توليه الرئاسة quot;بدأ يعتقد أن مستقبل سوريا مربوط بمستقبله. فالسلطة تزيد الشهوة الى السلطة وعندما تكون محاطًا بانتهازيين فإنك تبدأ بتصديقهمquot;.

كما ادرك الأسد أنه رغم وراثة موقعه من والده، فإن سلطته تعتمد على إرضاء القيادات العليا في الجيش والأجهزة الأمنية والطائفة العلوية التي تنتمي اليها عائلته، بحسب الباحث ليش.

وكان ليش شاهدًا على تفادي الأسد الدخول في مواجهة مع الأجهزة الأمنية في عام 2007 عندما دُعي الى اجراء مقابلة مع الرئيس. ولدى وصوله الى مطار دمشق احتجزه ضابط أمن وحقق معه لمدة ثلاث ساعات كان خلالها يبرم مسدسه على اصابع يده.

وحين التقى ليش الأسد واخبره بما حدث له تظاهر الرئيس السوري بالاستياء، كما يروي الباحث الاميركي، وادعى أنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا بشأن المعاملة السيئة التي تلقاها ضيفه. وقال ليش quot;إن الأسد عقلن الواقعة قائلاً بأن هذا ما يتعين أن تكون عليه الأمور في سورياquot;.
ويرفض الأسد علنًا الفكرة القائلة بأن الانتفاضة نابعة من احباط الشباب السوريين الذين لا يرون مستقبلاً في بلد ليست فيه فرص عمل بل يتناهبه الأزلام. وهو يتهم quot;الاستعمار وجهات خارجية وأكاذيب اعلامية وفتنة داخليةquot; بالمسؤولية عما آلت اليه سوريا في عهده.

ويؤكد الناشط عبد الله الذي سُجن من 2005 الى 2006 لمعارضته النظام أن هذه كلها دعاية ، الأسد نفسه لا يصدق كلمة واحدة منها. وقال عبد الله الذي يعمل الآن في المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن إن الأسد يتشبث بتكتيكات ربما كانت مجدية في زمن والده ولكنها لا تنفع في عصر الفيديو على الانترنت والقنوات الفضائية.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن ايال زيسر الباحث المختص بالتاريخ السوري في جامعة تل ابيب quot;أن الأسد لا يملك خيارات ، وهو يرى ما حدث للزعماء الآخرين. أنه وحيد وكل ما لديه هو الجيش والعلويون ، وهم مستعدون للقتال لا من اجله وانما لانقاذ أنفسهمquot;.

ويرى مراقبون أن الرحيل عن سوريا احتمال فكر فيه الأسد ورفضه. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مالكولم هونلاين نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الاميركية الكبرى الذي امضى اكثر من ثلاث ساعات في حديث مباشر مع الأسد خلال زيارة الى سوريا العام الماضي أن الأسد اخبره quot;أنه وعائلته يمكن أن يغادروا لكنّ العلويين سيُذبحون وكذلك الاقليات الأخرى ، وهو لذلك لا يمكن أن يغادرquot;.

ولا يعيش الأسد معزولاً عن المعلومات بل يوجه افراد أسرته وموظفيه باستمرار الى روابط مثيرة للاهتمام على الانترنت ، كما تكشف رسائل الكترونية قدمها معارضون اخترقوا بريده الالكتروني الى صحيفة الغارديان البريطانية.

ولكن ليس هناك ما يشير الى مراجعة للذات في هذه المراسلات التي يتناول الكثير منها حملات تسوق اسماء الأسد زوجة الرئيس السوري على الانترنت ، بما في ذلك شراء اثاث من لندن وأحدث روايات هاري بوتر على دي في دي من لبنان.

ويرى الباحثان المختصان بعلم النفس السياسي جيرود بوست وراذي بيرتسيس من جامعة واشنطن أن الأسد واحد من عدة زعماء في العالم يسميهم الباحثان quot;ابناء من الخيار الثاني أصبحوا زعماء بسبب غياب البديل الأولquot;. ويلاحظ الباحثان أن الأسد ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وراجيف غادي في الهند وجون كندي في الولايات المتحدة جميعهم تسلموا مقاليد السلطة على غير المتوقع بعد وفاة شقيق كان يجري إعداده لهذا الدور.
وكان الأسد الذي نشأ متوقعًا أن يرث شقيقه باسل والده حافظ بقيّ شخصًا خجولاً بعيدًا عن الأضواء حتى عام 1994 حين قُتل باسل في حادث سيارة. وقالت صحيفة واشنطن بوست إن هذا يفسر السبب في أن الأسد كثيرًا ما يبدو quot;منفصلاًquot; ، كما في قوله للصحافية باربرا ولترز من شبكة أي بي سي خلال مقابلتها معه في كانون الأول/ديسمبر ، بأنه لا يسيطر على قوات الجيش.

وتذهب الصحيفة الى أن هذا لم يكن ما يطمح اليه الأسد بل quot;أن والده خلعه من مهنته الطبية ولكنه لا يريد أن يرى موت أسرة الأسد على ساعته ولهذا السبب يعيش هذه الحالة من الانفصام الناشز وكأنه لا يطيق حقيقة ما يجري من حولهquot;.

وقال الباحث ليش إن كثيرين في الغرب نظروا الى الأسد على أنه مشروع اصلاحي لمجرد انه أمضى 18 شهرًا في بريطانيا . ولكن هذه النظرة أغفلت جوانب اخرى من شخصيته. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن ليش أن الأسد اخبره عدة مرات عن اعجابه بجوانب عديدة من الغرب quot;ولكن نظرته الى موقع سوريا تتشكل الى حد بعيد بنشئته في كنف والده. وهو حقًا يعتقد بأن هناك مؤامرة ضدهم ، أكثر مما نحن في الغرب يمكن أن نفهم حقًاquot;.

لا أحد من المتحدثين لصحفية واشنطن بوست الذين التقوا الرئيس السوري في السنوات القليلة يعتقد أن الأسد سيغادر سوريا بارادته ، إلا بعد خسارة كل شيء.

وقال ليش إن بشار الأسد quot;مصمم على عمل كل ما هو معاكس لما فعله مبارك، وهذا يعني القتال حتى النهايةquot;.