بعد أسابيع من محاصرة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من قبل جبهة أربيل- النجف، التي ضمت أبرز خصومه المطالبين بحجب الثقة عنه، تحوّل المالكي إلى مهاجم يطارد خصومه بكشف ملفات قد تهدّ معبد السياسة الهشّ على الجميع.


عبد الرحمن الماجدي من أمستردام: مع بدء أولى جلسات البرلمان العراقي اليوم بعد العطلة التشريعية، حيث كانت تشكل كابوسًا لائتلاف دولة القانون، الذي يترأسه المالكي، حين كانت جبهة المطالبين بسحب الثقة تهدد بأن تشهد هذه الجلسة التصويت على سحب الثقة من رئيس الوزراء، تمضي الجلسة اليوم بسعي ائتلاف المالكي إلى حجب الثقة عن رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، الذي يتهمه أنصار المالكي بالخروج عن حيادية منصبه، والانضمام إلى جبهة خصوم رئيس الوزراء المطالبين بسحب الثقة منه.

فقد صرح النائب عن ائتلاف دولة القانون كمال الساعدي بأن لدى ائتلافه مشروعًا لإقالة رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، وأنه سيسعى إلى ذلك، مضيفًا quot;وإذا جمعنا الأصوات الكافية ستتم إقالته. أما إذا لم نجمعها فتلك هي الديمقراطيةquot;.

لكن النجيفي سبق جلسة البرلمان بمؤتمر صحافي، أعلن فيه عن تقبله سحب الثقة منه في ما لو تم، مبررًا ذلك بعدم تمسكه بالمنصب، وأنه لا يعتبر الأمر شخصياً، في إشارة منه إلى ردود فعل نواب دولة القانون على مطالب سحب الثقة من رئيس الوزراء.

وكان الشهر الماضي ومطلع الشهر الحالي شهدا فصولاً من لقاءات في أربيل شمالاً والنجف جنوباً، محورها سحب الثقة من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، من خلال جمع عدد من الأصوات الكافية لإقالته حسب الدستور العراقي، الذي تنص المادة 61 منه على: 1 - لرئيس الجمهورية، تقديم طلبٍ إلى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء.

2ـ لمجلس النواب، بناءً على طلب خُمس (1/5) أعضائه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، ولا يجوز أن يقدم هذا الطلب إلا بعد استجوابٍ موجّهٍ إلى رئيس مجلس الوزراء، وبعد سبعة أيام على الأقل من تقديم الطلب.
3ـ يقرر مجلس النواب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بالغالبية المطلقة لعدد أعضائه. ج ـ تُعدّ الوزارة مستقيلةً في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء.

4 ـ في حالة التصويت بسحب الثقة من مجلس الوزراء بكامله، يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الأمور اليومية، لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً، إلى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقاً لاحكام المادة (76) من هذا الدستورquot;.

نوري المالكي

لكن بعد جمع العدد الكافي، أكثر من نصف عدد النواب (164)، قال رئيس الجمهورية إن عددًا من النواب طالبوا بسحب تواقيعهم، ما أفقد قائمة الموقعين على سحب الثقة النصاب القانوني. جاء ذلك بعد تراجع نواب في القائمة العراقية التي يتزعمها أياد علاوي، أبرز خصوم المالكي، عن سحب الثقة.

ليحصل بعد ذلك تراجع دراماتيكي متوقع من قبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عقب زيارته طهران هذا الشهر، وسط توقعات بخشيته من العودة إلى ملفات تلاحقه تتعلق بمحاكم شرعية أقامها جيش المهدي التابع للتيار الصدري عام 2004 ومقتل عبد المجيد الخوئي عام 2003، وضغوط إيرانية بالمحافظة على وحدة التكتل الشيعي (التحالف الوطني) الذي ينضوي تحته تيار الصدر بأربعين نائبًا في البرلمان.

وقد صرّح الصدر في حوار تلفزيوني معه عرضته فضائية السومرية في الأسبوع الماضي بأن نوابه في البرلمان سيدعمون سحب الثقة من المالكي في حالة واحدة، هي أن تكون من قبل رئيس الجمهورية جلال الطالباني، في إشارة إلى عدم تصويت نوابه على سحب الثقة من المالكي إذا تم في مجلس النواب.

من جانب آخر يقوم رئيس المجلس الإسلامي العراقي عمّار الحكيم المنضوي أيضًا ضمن التحالف الشيعي بجهود صلح بين المتخاصمين للقبول بعقد لقاء وطني، كان دعا إليه الرئيس العراقي جلال الطالباني، مشيرًا إلى استعداد رئيس الوزراء لتلبية مطالب جبهة أربيل- النجف، التي أعلنوها خلال الشهر الماضي، والخاصة بالخدمات وعدم الاستحواذ على السلطة وتهميش الشركاء السياسيين، كما ورد في ورقة أربيل.

ويرى متابعون عراقيون أن المالكي نجح في تفتيت جبهة خصومه، مستفيدًا من عامل الوقت وعدم وجود بديل ينال قبول الحلفاء المتخاصمين أصلاً ولديهم نفوذ في العراق، كالولايات المتحدة الأميركية وإيران.

وكسب خلال هذا الوقت دعمًا شعبيًا، خاصة في مناطق خصومه، كمحافظات نينوى وكركوك وديالى والأنبار ذات الغالبية السنية، التي تشكو من الاستحواذ الكردي على مناطق متنازع عليها مع إقليم كردستان العراق، إضافة إلى المحافظات الشيعية. ونجح المالكي في شق وحدة الصف الكردي أيضاً من خلال امتناع الطلباني عن تأييد سحب الثقة من المالكي، فيما بقي رئيس الإقليم بارزاني مطالباً بها حتى الآن. وجرت ملاسنات إعلامية بين حزبيهما.

يذكر أن العراق يشهد خلافات منذ تشكيل الحكومة العراقية، التي جاءت بعد مخاض عسير دام نحو تسعة أشهر على خلفية خلافات بين الكتل على تشكيلها، لكنها بقيت من دون الوزارات الأمنية الداخلية والدفاع والمخابرات، التي توزعت بين المكونات الرئيسة في العراق الشيعة والسنة والكرد. وظلت تدار حتى اليوم بالوكالة وبإشراف رئيس الوزراء، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، الأمر الذي جعل بقية الكتل تتهمه بالتفرد والديكتاتورية وعدم إشراك بقية الكتل في القرارات السياسية، وهو ما ينفيه ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الحكومة نوري المالكي.

إضافة إلى الخلافات المالية بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان بسبب عقود النفط ورواتب حرس الإقليم (البيشمرغا)، وكان رئيس الإقليم مسعود بارزاني هدد قبل نحو شهرين بالانفصال عن العراق في ما لو بقي المالكي رئيسًا للوزراء.