تتزايد معدلات السيطرة على الأراضي العامة في العراق من قبل ما بات يعرف باسم quot;الحواسمquot;، وسط اتهامات بأن سياسيين يدعمون سيطرة البعض على هذه الأراضي لتحقيق أهداف انتخابية.


تؤدي ازمة السكن الخانقة في العراق الى استمرار تعدي البعض على اراضي الدولة وأراضي الآخرين اذ تُبنى عليها بيوت بلا تراخيص في مناطق يطلق عليها العراقيون اسم (الحواسم).
وهذا المصطلح الذي لم يعرفه العراقيون قبل عام 2003 ، مرادف لكلمة (الاستحواذ) على الشيء من دون وجه حق، من قبل اناس أو عصابات اقترن ترفها بسرقة الاموال والاستحواذ على الممتلكات لاسيما في السنتين اللتين اعقبتا الغزو الاميركي للعراق عام 2003 .

لكن الخبير في شؤون العقار جعفر المفتي يقول إن معنى هذه الكلمة اليوم يٌقصَد به المتجاوز على املاك الدولة وأراضي الآخرين ، حيث يحدث ذلك يوميًا وفي اغلب مدن العراق .
ولعل اهم ما يلفت في القضية أن الحواسم لا يعترفون بأنهم اغتصبوا حقوق الآخرين بل يعدون احتلالهم لأراضي الدولة ، حقًا لهم بسبب الفقر الذي يعانون منه.

في الوطن بلا سكن

السكن العشوائي يحيط بالعاصمة العراقية بغداد

ويؤكد ابو حيدر، أن استحواذه على قطعة أرض في اطراف مدينة المحمودية ( 15 كلم جنوبي بغداد) لأنه في وطنه بلا سكن ، وأن من واجب الدولة أن توفر له سكنًا فاذا عجزت عن ذلك فله الحق في استثمار أي ارض خالية .
وتحتل العشوائيات في كل مدن العراق مساحة كبيرة من الاراضي التي لم تفرز من قبل البلديات ، حيث يشيد الناس فوقها بيوتًا ودكاكين .

وفي قضاء المجر الكبير في محافظة العمارة ( 320 كم جنوب شرقي بغداد ) تحتضن مساحة واسعة من الاراضي المتجاوز عليها، المئات من بيوت التجاوزات (الحواسم).
ويقول كريم عسكر الذي بني بيتًا كبيرًا له في اطراف المناطق العشوائية في حي (اور) في بغداد في منطقة كانت مهيأة للاستثمار من قبل الدولة لغرض اقامة مشاريع فيها ، إنه لن يسمح لأحد أن يطرده من المكان وأنه سيقاتل دفاعًا عن مسكنه .

وعلى الرغم منأن عسكر يسكن في منطقة خالية من الخدمات كالماء والكهرباء وشبكات الصرف الصحي الا أنه سعيد بحاله هذه ، شأنه شأن العشرات ممن بنوا بيوتًا لم تسجل في دوائر العقار ، ولم يُعترف بها قانونيًا .
وتدفع ازمة السكن كثيرين نحو التعدي على اراضي الدولة كسبيل سهل للحصول على وحدة سكنية.

حواسم انتخابية
ويعترف صابر العيساوي امين بغداد في حوار له مع وسائل الاعلام أن بعض مشاريع العاصمة تم تعديل خطط اقامتها بسبب ضغوط سياسيين سعوا الى عدم الحاق الضرر بـ( حواسمهم الانتخابية) .
واستغلت اطراف سياسية قضايا المتجاوزين على الاراضي لاسيما في فترة الانتخابات اذا صاروا ورقة سياسية بيد بعض الاحزاب التي وعدتهم بتمليكهم الاراضي .

وعرف العراق (العشوائيات) منذ زمن تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ، لكن الامر كان محدودًا ويقتصر على مستعمرات صغيرة عند اطراف بعض المدن الكبيرة .
لكن الفرق بحسب سعد كامل ( متعهد بناء ) أن المواطن لم يكن يجرأ على بناء مساكن ضخمة في الاراضي المتجاوز عليها لأنه يدرك أن الدولة يمكن أن ترحلهم من المكان في أي وقت. اما اليوم، فإن الكثير من ( الحواسم ) بنوا بيوتًا شاهقة و (وفيلات) في تلك الاراضي مما يعقد كثيرًا من المشكلة .

غير أن سعد الخفاجي الذي بنى بيتًا من طابقين على اطراف مدينة المحمودية ( 15 كلم جنوب بغداد) يجزم أن الدولة لن تستطيع بعد اليوم ازالة البيوت ، وأن الحل الامثل هو في تمليك الارض لساكنيها .
والمثير في الظاهرة أن اولئك الذين يعتبرون انفسهم اصحاب حاجة ، ومدخولاتهم ضعيفة قد بنوا في مناطق الحواسم بيوتًا ضخمة وعلى احدث الطرازات لا توحي بأنهم فقراء .
ويرغب الكثير من العراقيين السكن في البناء الافقي في ظل غياب سياسات سكن تستوعب التوسع الكبير في الأسر العراقية .

العشوائيات
ويشير المهندس المدني عامر عبد في بلدية الحلة مركز محافظة بابل (100 كم جنوبي بغداد ) الى أن العشوائيات تهدد التصميم الاساسي للمدن ، مؤكدا أن ما يحدث ستكون له آثار اقتصادية وبيئية واجتماعية سلبية ، اذ تتوسع هذه العشوائيات اكثر من المدن نفسها ، نظرًا لان المواطن يستسهل البناء فيها في ظل عدم تطبيق القوانين التي تردع ذلك.
ومن اكبر العشوائيات اليوم تلك التي تقع على مشارف مدينة بغداد العاصمة عند مدينة العبيدي التي حاصرتها منطقة عشوائية يسكنها الآلاف من الفقراء .
وأحد ساكني هذه المنطقة احمد سعدون الذي بنى بيتًا كبيرًا له ، بعدما استولى على قطعة ارض، يصر على أن ما فعله (حلال) شرعًا لأنه لا يمتلك سكنًا في وطنه .
وأدت سياسات الاسكان طيلة الحكومات المتعاقبة على البلاد الى تفاقم ازمة السكن ، اذ تشير الدراسات الى أن عدد الوحدات السكنية التي يحتاجها العراق حاليًا يصل الى نحو (3.5) ملايين وحدة سكنية .