ثمة قصص laquo;خفيفةraquo; وراء المضامين العلمية laquo;الثقيلةraquo; لما يسمّى بـlaquo;جسيم الربraquo;. ومن هذه أن العالِم الشهير ستيفن هوكينغ فقد الأمل في إثبات وجوده وخسر مائة دولار رهاناً على هذا، وأن الاسم نفسه لا يتعلق بقصة الخلق الدينية، وإنما تفتق عن خيال ناشر خاف كساد بضاعته.


ستيفن هوكينغ

صلاح أحمد: شهدت في الأسبوع الماضي مسيرة الإنسان العلمية أحد أهم منعطفتها بتأكيد وجود جسيم تحت - ذري تحدث عنه عالم الفيزياء النظرية الانكليزي بيتر هيغز قبل 48 سنة. وسمِّي هذا الجزيء بـlaquo;جسيم الربraquo; تجاوزاً فقط. فهو لا يتعلق بقصة الخلق كما وردت في الأديان وإنما بقوانين الفيزياء الكونية.

المسألة كلها بدأت قبل 48 سنة عندما تحدث الفيزيائي هيغز للمرة الأولى عن laquo;مضمار من جزيئات تحت - ذرّية غير مرئي يتمدد عبر الفضاءraquo;. وقال إنه هو الذي قدّم إلى الكون مكوناته الأولية، وبالتالي كتلته المحسوسة.

الرهان
كما هو متوقع فقد أثارت نظرية جدلاً واسع النطاق بين العلماء المشتغلين في الفيزياء. في هذا الصدد فقد كان طبيعيًا أن تلتفت الأعين إلى البروفيسير الشهير ستيفن هوكينغ، الذي أثار سابقًا جدلاً حامي الوطيس بقوله إن قوانين الفيزياء الحديثة لا تترك مجالاً للإيمان بخالق للكون.

فقال إن إثبات نظرية هيغز laquo;مدعاة لنوع فريد من الفرح، وتؤهل هذا العالم لجائزة نوبل الفيزيائية على أقل تقديرraquo;. لكنه أضاف مازحًا إن هذا الكشف العلمي المثير يشكل خسارة شخصية بالنسبة إليه وبالتحديد 100 دولار.

وشرح هوكينغ هذا الأمر لفضائية laquo;بي بي سي نيوزraquo; بقوله إنه راهن البروفيسير غوردون كين، من جامعة ميشيغان على أنه لن يُعثر أبدًا على جزيء هيغز (جسيم الرب). من جهتها أوردت صحيفة laquo;ناشونال بوستraquo; الأميركية عن كين نفسه قوله: laquo;ألقى عليّ هوكينغ بالرهان، ولم أتردد في قبوله. كنت واثقًا من صحة نظرية هيغز، حد أنني أضفت 100 دولار افتراضية (الرهان) إلى حسابي المصرفيraquo;.

ومضى قائلاً: laquo;ما أنجزه هيغز هو إكماله الحلقة الناقصة في مسألة البحث التي استمرت على مدى قرون طويلة عن أصل الكون. وبهذا يصح اعتبار إنجازه بين الأكبر على الإطلاق في تاريخ الفيزياء الحديثة. هذا مدعاة عظيمة للاحتفال، خاصة وأنه يأتي لي معه بـ100 دولار من البروفيسير هوكينغraquo;.

مجد بعد ازدراء

الجسيم الشهير اكتسب اسمه لأسباب تجارية صرفة

يذكر أنه عندما طرح هيغز نظريته تلك قبل قرابة نصف القرن، سارعت العقول العلمية وقتها، ليس إلى نبذ هذه النظرية وحسب، بل إلى ازدرائها صراحة أيضًا. وبينما رفضت إحدى الدوريات العلمية القليلة نشر ورقته، قال أولئك الرافضون إنه يخفق في فهم مبادئ الفيزياء.

وقتها كان هيغز في الرابعة والثلاثين من عمره محاضرًا في جامعة أدنبره. ورغم قناعته الشخصية الكاملة بصحة نظريته، فلم يخطر على باله أنه سيرى اليوم الذي يثبتها. وبالطبع، فقد تحقق حلمه المستحيل هذا في الأسبوع الماضي.

فقد أعلن فريق من علماء الفيزياء في مختبر laquo;الهيئة الأوروبية للأبحاث النوويةraquo; (المعروفة اختصارًا بأحرفها الأولى CERN laquo;سيرنraquo;) صحة نظريته القديمة. وقالوا إنهم توصلوا إلى هذه القناعة بفضل استخدامهم جهازًا كلّف المختبر، الذي يتخذ مقره في جنيف، نحو 10 مليارات دولار لبنائه. ويذكر أن هذه الهيئة، التي تضم 20 دولة أوروبية، ظلت تعنى بفيزياء الجسيمات منذ تأسيسها في 1954.

لماذا سُمّي laquo;جسيم الربraquo;؟
العالِم الأميركي ليون ليدرمان هو الذي يقف - رغمًا عنه - وراء نسبة جزيء هيغز إلى laquo;الربraquo;. فقد أصدر في 1993 كتابًا (مع ديك تيريزي) بعنوان

بيتر هيغز

laquo;جسيم الرب: إذا كان الكون هو الإجابة، فما هو السؤال؟raquo;. وقال إنه يسميه laquo;جسيم الربraquo; لأنه مسألة laquo;مركزية في الحديث عن حالة الفيزياء اليوم، وأساسية لفهمنا لتركيبة المادة. ومع ذلك فهي مسألة لا تمسك باليد حتى تكاد تضيع بين المثبت والنظري البحتraquo;.

الواقع أن عنوان الكتاب The God Particle laquo;جسيم الربraquo; نفسه ليس من لدن ليدرمان. فقد أراد هذا الفيزيائي أن يعكس نوع الإحباط الذي يصيب العلماء إزاء الحلقة المفقودة في ما يسمى laquo;النموذج المعياريraquo; المتعلق بمكونات الكون الذرية الأساسية. ولهذا اختار له عنوان The Goddamn Particle laquo;الجسيم الملعونraquo;. لكن الناشر laquo;ديل بابليشينغraquo; خشي - من ناحية تجارية بحت - أن تُعتبر كلمة Goddamn مسيئة، وبالتالي طاردة للمشترين. فأقنع ليدرمان بتغيير الاسم إلى ما صار يعرف به وهو laquo;جسيم الربraquo;.