لندن: أعلن وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا في أعقاب الهجوم على مبنى الأمن القومي وسط دمشق ومقتل عدد من أركان النظام السوري يوم الأربعاء quot;أن هذا الوضع يخرج عن نطاق السيطرة بسرعةquot;.

ودعا بانيتا المجتمع الدولي إلى ممارسة ضغوط قصوى على الأسد لحمله على التنحي وتمهيد الطريق لانتقال سلمي. وقال مراقبون إن قلق بانيتا مفهوم لأن سوريا لم تعد تحت سيطرة نظام الأسد الكاملة وان مآل الحرب الأهلية يخرج بصورة متزايدة عن إرادة الولايات المتحدة وحلفائها أو أي قوى دولية أخرى.

وغني عن القول إن وصفة بانيتا لممارسة ضغوط قصوى على الأسد ودفعه الى التنحي تبدو تفكيرًا رغائبيًا أكثر منها خطة عملية. ويصح الشيء نفسه على فكرة إدارة أوباما الداعية إلى quot;انتقال موجَّهquot; تتعاون فيه المعارضة مع نظام يبقى على حاله بعد تنحية الأسد.

وتستمر روسيا في معارضتها الثابتة للجهود الغربية الرامية الى تنحية الأسد. ونقل موقع بلومبرغ بزنزويك عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله quot;إذا كنا نتحدث عن ثورة فهي لا تعني الأمم المتحدةquot;. وأضاف لافروف quot;أن الأسد لن يتنحى وشركاءنا الغربيين لا يعرفون ما الذي ينبغي أن يفعلوهquot;.

والحقيقة أن الأحداث التي شهدتها العاصمة السورية مؤخرًا تستبعد النهاية المريحة التي رسم بانيتا معالمها وسيناريو أفضل الاحتمالات الذي تتضمنه خطة المبعوث الدولي الخاص كوفي أنان لتحقيق السلام. ويرجح محللون بدلا من ذلك أن تكون نهاية نظام الأسد دموية، فظيعة، وليست سريعة.

وما من أحد ذي بصيرة سيراهن على تمكن النظام من إعادة الوضع الذي كان قائما قبل الانتفاضة بعنف حتى أشد مما استُخدم حتى الآن، بل إن شريحة واسعة من النخبة السنية التي دعمت النظام بدأت تنفض عنه بعد ان رأت بوادر النهاية تلوح في الأفق.

وتفرض خسارة تأييد النخبة السنية حدودًا على قدرة النظام الذي ينتمي أركانه للطائفة العلوية ويحظى بالتأييد في أوساط المسيحيين وأقليات اخرى حتى أصغر، على حكم بلد يشكل السنة أكثر من ثلثي سكانه، كما تلاحظ مجلة تايم.

والحق أن خسارة السنة ستجرد النظام من روايته الايديولوجية البعثية عن الوحدة العربية. وكان تصوير أسرة الأسد لنظام حكمها على أنه حامل لواء القومية العربية الذي يتصدى لاسرائيل، يُوظف دائما لشرعنة حكم اقلوي في بلد ذي أغلبية سنية.

ولكن حتى إذا انهارت رواية النظام عن القومية العربية فان مصالح النظام الطائفية الأساسية، ومخاوف العلويين والمسيحيين والأقليات الأخرى من مصير أسود إذا سقط الأسد، أبقت مركز النظام قائما حتى الآن.

ومن المرجح ان يرد النظام الذي اصبح ظهره الى الحائط بوحشية أشد من اي وقت مضى، وإذا خُلع بالقوة رغم ذلك سيكون من السذاجة ان تُستبعد امكانية حلول اشهر أخرى من الأعمال الانتقامية الطائفية الواسعة، بحسب مجلة تايم.

وفي الوقت الذي من المتوقع أن يشن النظام حملة شعواء ضد الانتفاضة خلال الأيام المقبلة في محاولة لوقف تقدم المعارضة المسلحة وردها على اعقابها فان السؤال سيكون ما إذا كانت لدى النظام خطة بديلة إذا باءت محاولته هذه بالفشل وعندما تبوء بالفشل.

وكان ناشطون في المعارضة ومحللون يشيرون منذ فترة طويلة الى ان الموالين لنظام الأسد قد يسلِّمون بعجزهم عن السيطرة على كل سوريا ويتحصنون بدلا من ذلك في معاقلهم شمالي دمشق مثلا، مقابل ضواحيها الجنوبية السنية في الغالب حيث احتدم القتال خلال الأيام الماضية، أو حتى بصورة أكثر دراماتيكية التحصن في دويلة علوية على الساحل، بدعم من روسيا التي لديها قاعدة بحرية في طرطوس.

بكلمات اخرى، ان النظام يمكن ان يقوم بتفكيك سوريا على الطريقة اليوغسلافية الى دويلات أو يمكن ان تندلع حرب أهلية مقيمة على غرار حرب الجار اللبناني التي استمرت 17 عاما. وكان تقسيم الأرض في لبنان أقل وضوحا وتحديدا منه في يوغسلافيا، مع سيطرة ميليشيات متنازعة على أحياء مختلفة من العاصمة بيروت.

ويرى بعض المراقبين ظهور نمط من التطهير العرقي في هجمات على أحياء سنية هدفها تأمين الرقعة الإقليمية للدويلة العلوية. وافادت صحيفة الديلي تلغراف بأن قيادة الحركة الكردية في سوريا قطعت شوطا بعيدا في خططها لإقامة منطقة كردية ذات حكم ذاتي تحميها قوة عسكرية خاصة بها على غرار كردستان العراق، في تطور يدعمه الزعيم الكردي مسعود بارزاني في الواقع.

ولكن مجلة تايم نقلت عن جوشوا لانديس الخبير بالشؤون السورية في جامعة اوكلاهوما انه ليس مقتنعا بسيناريو الدويلة العلوية. وقال لانديس ان النهاية ستأتي ما إن يخسر النظام دمشق مؤكدا quot;ان الجبال العلوية ليست أساسا كافيا لدولة قومية فهي بلا اقتصاد منفصل والنظام لم يخطط لمثل هذا المشروع، ولن يكون لكيان كهذا سند خارجي، وايران ليست في وضع يتيح لها تقديم الدعم المطلوب. وما إن تقع العاصمة وعائدات النفط بيد السنة فانهم سيمحقون ما يتبقى من مقاومة علويةquot;، على حد تعبير الخبير لانديس.

ويرى لانديس ان النظام حين يرحل عن العاصمة، يخلي مركز السلطة الذي أقامه فيها وان هذا يثير خطر اندلاع قتال حتى أشد ضراوة في المرحلة المقبلة يتصدره شبيحة النظام الذين كثيرا ما يقودهم شبان لا تزيد اعمارهم على 21 سنة.

ولكن حتى إذا لم تكن النهاية وشيكة فإن من الجائز أن تمر الحرب الأهلية السورية بمرحلة مديدة ودموية تسيطر مراكز قوة متنازعة فيها على رقع مختلفة من الأرض، بطريقة ليست بعيدة الشبه عن البوسنة أو لبنان، كما ترى مجلة تايم مشيرة الى أن الدولة السورية كانت، على غرار يوغسلافيا، من صنع القوى الغربية التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الاولى. وان هذه القوى لم تر جدوى في السعي الى وقف انهيار الدولة التي صنعتها في البلقان حتى بعد عقود، ولكن في سوريا حيث المصالح الجيوسياسية والأمنية مصالح كبيرة واقليمية وأشد تفجرا، تعمل هذه القوى جاهدة على إبقاء سوريا التي أوجدتها في عشرينات القرن العشرين موحدة، وبدولة مركزية قوية ايضا. ولكن علينا ان ننتظر لنرى إن كانت مثل هذه النتيجة ما زالت ممكنة وان السوريين أنفسهم هم الذي يحسمونها.