الطفل يملك الحق في تحديد ما اذا اراد أن يختن

يستعر الجدل حول الختان في ألمانيا منذ عدة أسابيع، الأمر الذي وضع حكومة المستشارة أنجيلا ميركل في وضع لا تحسد عليه. وتأمل برلين اليوم أن تصل إلى قانون جديد ينظم هذه الممارسة الحساسة، ولا سيما أنها مرتبطة بالمبادئ الدينية، الأمر الذي يتطلب سنين عدة للوصول إلى الخاتمة المناسبة.


بيروت: الدكتور حكمت أولوس، طبيب جراح للأطفال في مدينة كولونيا، عادة ما يجري عشرات عمليات الختان يومياً. إنه رجل مرح حصل على ثروة صغيرة كجراح للأطفال، وبالتأكيد لا يرحّب بالجدل القائم في ألمانيا حول قانونية الختان.
في سياق تقرير نشرته quot;در شبيغلquot; الألمانية، اعتبرت الصحيفة أن الحديث عن الختان يشغل ألمانيا لأسابيع، حتى أنه أصبح من مواضيع النقاش الأكثر شعبية في البلاد، إذ يتبادله الناس على الغداء، وفي الإجتماعات القانونية وحتى الجلسات النسائية.
الرجال المختونون وغير المختونين يشاركون في آرائهم في البرامج الحوارية، وأصبح الألمان أمام quot;اكتشافاتquot; تظهر مَن مِن زملائهم وأصدقائهم قد خضع لعملية الختان.

ويشعر الدكتور أولوس أن مناقشة هذه المسألة قد تتحول إلى مشكلة، فنصح الآباء بتأجيل ختان أطفالهم لأسباب دينية، على الأقل في الوقت الحاضر.
واعتبرت الصحيفة أن quot;النقاش حول قطعة صغيرة من الجلد أمر مثير للفكاهة، غير أن النقاش خطير وجدي إلى حد كبيرquot;، مشيرة إلى أن هذا الجدال أصبح قضية المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي اضطرت للنظر بها، ولا سيما أنها دعت وزيرة العدل زابينه لويتهويسر شنارنبيرغر عدة مرات في الأسابيع الأخيرة لمناقشة الأمر.
وأعربت الوزيرة المنتمية إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، عن اعتقادها بأنه من الممكن في النهاية وضع قانون ينظم الختان الديني، مشيرة إلى أنها ستعرض لائحة بهذا القانون أمام المحكمة الدستورية في مدينة كارلسروه ليقرر قضاتها مدى توافق مثل هذه اللائحة مع القانون الأساسي.
وأعربت شنارنبيرغر عن اعتقادها أن ثمة صعوبات كبيرة تواجه سن قانون يجيز ختان الذكور لدى المسلمين واليهود في ألمانيا. وأضافت: quot;المسألة أكثر تعقيداً من مجرد إضافة مادة صغيرة هنا أو هناك كما يتصور البعضquot;.

استعر الجدل حول الختان بعد أن أصدرت محكمة في مدينة كولونيا قراراً حظرت بموجبه ختان الذكور باعتباره quot;انتهاكاً جسدياً للإنسان وتعدياً على حرية اختيار الدينquot;، ورأت المحكمة أن الذكور هم وحدهم الذين من حقهم تقرير ما إذا كانوا يريدون ختان أنفسهم أم لا وذلك لدى بلوغهم.
في البداية، تعاملت ميركل وشنارنبيرغر مع هذه المسألة على أنها quot;انحرافquot; من قبل المحكمة الإقليمية الألمانية، الذي من شأن محكمة أعلى تصحيحه في وقت لاحق. فالسؤال هو: كيف يمكن لعدد قليل من القضاة من كولونيا حظر واجب ديني يتبعه اليهود والمسلمون منذ آلاف السنين؟

قانون جديد

صدر قرار المحكمة في 7 أيار (مايو) من العام الحالي، لكن لم يتم الإعلان عنه حتى نهاية حزيران (يونيو). منذ ذلك الحين، تصاعد الجدل بشكل شبه يومي. فجأة لم يعد العالم مهتماً بسياسة ميركل الأوروبية. فقد أصبح الناس في جميع أنحاء العالم مهتمين بتداعيات قرار القضاة الغريب الذين يريدون منع اليهود والمسلمين من أداء طقوس طبيعية بالنسبة لهم، تماماً مثل التعميد بالماء المقدس بالنسبة للكاثوليك.
في حديث بينهما في عطلة نهاية أسبوع ما قبل الماضي، اتفقت ميركل وشنارنبيرغر على عدم السماح بتفشي الجدل أكثر، فقررتا أن تطرح الحكومة على البرلمان قانوناً جديداً ينظم الختان.
في اللجنة التوجيهية لحزبها، الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، سخرت ميركل من القضاة المتحمسين أكثر من اللازم، فقالت إن المانيا تحول نفسها إلى quot;أمة من الفاهيينquot;.

لكنها كانت أيضاً على علم تام بمدى خطورة الأمر، فالعلاقات الجيدة مع اليهود جزء مهم من سياسة حكومة ميركل، واي قرار غير مناسب في هذا الشأن سيجعل quot;حياة اليهود غير ممكنة في ألمانياquot;، وفقاً لما قاله غرومان ديتر، رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا.
ألمانيا أيضاً موطن لحوالى أربعة ملايين مسلم، ولا يمكن أن ينفرهم شيء أكثر من حكم دولة يعيشون فيها، تعتبر أن أحد عناصر تقاليدهم الدينية بمثابة quot;جريمةquot;.
على نحو غير معهود للعهد الثاني لميركل، فإن المتاعب تأتي من ائتلافها الخاص، إذ إن غالبية البرلمانيين، باستثناء الحزب اليساري، تدعم وضع قانون لتوضيح الموقف. لكن على الرغم من توافر الإرادة السياسية، إلا أن الاعتبارات العملية معقدة للمشروع. وفي حال تم التوصل إلى قانون في هذا السياق، يبقى التنفيذ هو التحدي.

تحقيق التوازن بين اثنين من الحقوق الأساسية

ميركل وشنارنبير تحاولان تحقيق توازن بين تناقضات الختان

ميركل وشنارنبيرغر تحاولان فرض إطار قانوني على التقاليد التي تمارس حتى الآن بحماية مشاعر القبول الاجتماعي. لكن هناك اثنان من حقوق الإنسان الأساسية التي تعتبر متناقضة مع بعضها البعض.
الأطفال لديهم حق أساسي في السلامة الجسدية، والختان ليس عملية بسيطة، إذ تصفه الرابطة المهنية الألمانية لأطباء الأطفال بأنه quot;شكل من أشكال الضرر الجسديquot;.
لكن التناقضات، تضع حق الطفل مقابل حقوق الآباء والأمهات، والتي تشمل الأمور الدينية - وفي هذه الحالة أحد الطقوس التي تعود إلى آلاف السنين، وهي مكون أساسي من مكونات عقيدة اليهود والمسلمين.

تحقيق التوازن بين هذه الحقوق الأساسية معقد، وعلاوة على ذلك، تشعر وزيرة العدل الألمانية بالقلق من أن يؤدي الجدل إلى تحولات أخرى في اتجاه غير سار.
ختان الذكور ليس ممارسة الشعائر الدينية فقط على أساس التقاليد القديمة. فتعدد الزوجات، حظر نقل الدم بين شهود يهوه أو الحجاب الاجباري للنساء، هي مبادئ وتقاليد أخرى قد تشعل جدلاً مشابهاً في أي وقت.
وقالت شنارنبيرغر: quot;نحن بحاجة الى قانون يقدم تعريفاً ضيقاً لختان الذكور. وهذا ليس له أي علاقة بمناقشة الشريعةquot;.

المحاكمة المثيرة للجدل

انطلقت شرارة الجدل حول الختان مع قرار محكمة كولونيا في قضية صبي في الرابعة من عمره، اصطحبه والداه في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2010 إلى عيادة في المدينة، حيث كان الختان بناء على رغبة صريحة من والديه المسلمين.
بعد ذلك بيومين، هرع الوالد بابنه إلى غرفة الطوارئ في مستشفى جامعة كولونيا بعد معاناته من نزيف غزير. فوجهت النيابة العامة بعد ذلك التهم للطبيب.
في أول قرار لها في هذه القضية، حكمت محكمة كولونيا بأن العلاج الطبي كان سليماً، وقام القاضي بتبرئة الطبيب لأنه لم يرتكب أي خطأ. وعلى الرغم من أن المحكمة اعتبرت أن العملية الجراحية أدت إلى إصابة بدنية، إلا أنها بررت الأمر بتعبير quot;رفاه الطفلquot;، مشيرة إلى أن الوالدين أعطيا موافقتهما لإجراء العملية.
وذكرت المحكمة ان الختان هو بمثابة quot;الطقوس التقليدية للعمل من أجل توثيق الانتماء ثقافياً ودينياً للمجتمع المسلمquot;، مشددة على أن هناك مزايا طبية للختان.

لكن النيابة العامة ردت الحكم، ودفعت القضية إلى المحكمة الإقليمية، ورفضت المحكمة الاستئناف في نهاية المطاف، وقضت بأن الطبيب كان بريئاً بسبب حالة عدم اليقين القانونية المحيطة بالختان.
مع أن المحكمة رفضت تجريم الطبيب، إلا أن القضاة قرروا إصدار بعض المبادئ والقوانين الواضحة للمستقبل في هذا الصدد، فاعتبروا أن إجراء العملية، أو الإصابة الجسدية، لا تبررها موافقة الأب أو الأم، وأن الختان لا يمثل رفاهية للطفل.
وقضت المحكمة بأن حق الطفل في السلامة البدنية هو أكثر أهمية من حقوق الوالدين الأساسية، معتبرة أنه من الأفضل أن ينتظروا بلوغ الطفل ليقرر بنفسه إذا كان يريد الختان أم لا.

وقضى الحكم بأن حق الطفل في تقرير المصير ينبغي أن يأتي أولاً، وقبل حق الوالدين في إجراء الختان، وأن الختان القسري يجب إبطاله لأنه يسبب أضراراً بدنية خطيرة لأناس لم يوافقوا عليه. وجاء في حكم المحكمة quot;الحق الأساسي للطفل في سلامة جسمه يفوق الحقوق الأساسية للوالدين.quot;
رولف ديتريش هيرزبرج، أستاذ القانون الجنائي في غرب مدينة بوخوم، يتفق مع محكمة كولونيا، إذ يرى أن إزالة القلفة لأسباب دينية هي quot;انتهاك للحق الأساسي في السلامة الجسديةquot;.
وإذا تم النظر إلى طقوس كإجراء في مصلحة الطفل، يقول هيرزبرج إنه quot;مفهوم عديم الرحمة لما يجري للأطفال من خلال الختانquot;.

الصعوبات التي تواجه كتابة القانون

في البلدان الغربية الأخرى، ظلت المعركة حول الختان تستعر لسنوات. وتواجه حكومات أخرى الكثير من المتاعب مثل برلين، في ظل العلاقة الثلاثية المعقدة بين الآباء والأمهات والأطفال والدولة. السويد هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي تنظم الختان بوضوح، حيث تنطبق على هذه الممارسة متطلبات صارمة، ويسمح بإجرائها في المستشفيات حصراً.

زيارة إلى كولونيا

نظرة في غرفة الانتظار في عيادة الدكتور أولوس في كولونيا تظهر أن ألمانيا لا تزال ليبرالية نسبياً عندما يتعلق الأمر بالختان. الفتيان من جميع أنحاء أوروبا يجلسون مع والديهم، بما في ذلك عائلة من أصل عراقي أتت من النروج.
وأشارت quot;شبيغلquot; إلى أن الفرنسيين، الذين يعتبرون الأكثر صرامة حول الفصل بين الكنيسة والدولة، يلتزمون quot;الصمت البراغماتيquot; حيال هذه القضية.
من حيث المبدأ، يعتبر إزالة قلفة صبي بمثابة اعتداء، وموافقة الوالدين تبرر هذا الإجراء في حالات استثنائية فقط. لكن لا توجد اتهامات جنائية بعد في هذا الإطار.

وأعرب المحامون في العديد من الدول عن قلقهم من هذه المسألة، من ضمنهم معهد ماكس بلانك للقانون الجنائي الأجنبي والدولي في جنوب غرب مدينة فرايبورغ الألمانية، الذي قال: quot;نحن لم نصبح على بينة من قناعة ملزمة قانوناً في أي بلدquot;.
الجدال الأكثر سخونة يستعر في الولايات المتحدة، حيث تصل نسبة عمليات الختان إلى 80 في المئة في بعض المناطق. والشكوك تتزايد. وعلى الرغم من انخفاض نسبة ختان المواليد الجدد في السنوات الماضية، من 85 في المئة في عام 1965 إلى حوالي 55 في المائة فقط اليوم، إلا أن الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال تتخذ موقفاً أكثر تحفظاً مما كانت عليه منذ عقود، إذ تقول الآن إن مخاطر هذا الإجراء يجب أن تؤخذفي الاعتبار.

هناك آراء تؤكد أن الختان يسبب أضرارا جسدية


وينظم معارضو الختان احتجاجات دورية ضد الختان، الذي يصفونه بـ quot;تشويه الأعضاء التناسليةquot;، حتى أن هذه التظاهرات اجتذبت المشاهير الذين يعارضون هذه الممارسة، من ضمنهم الممثل راسل كرو الذي قال إن quot;الختان همجي وغبيquot;.

زيارة إلى المحكمة الدستورية؟

معارضو الختان يتطلعون الآن إلى ألمانيا، حيث يفترض بخبرائها القانونيين إيجاد حل. لكن العملية لن تكون سهلة. بادئ ذي بدء، من غير الواضح تماماً ما هو نوع القانون الذي ينبغي أن يطبق على تنظيم ختان. القانون الجنائي قد يكون خياراً، لكن المشكلة مع ذلك هو أنه يفترض بالقانون الجنائي تنظيم الأعمال الإجرامية حصراً. أما الخيار الآخر، فهو قانون الأسرة الذي يحدد حقوق الآباء والأمهات والأطفال.

وعينت وزيرة العدل الألمانية فريق عمل من كبار الخبراء القانونيين لمعالجة تعقيدات هذه القضية. المجموعة، التي تضم مديري الإدارات من القانون المدني والقانون الجنائي والقانون الدستوري في وزارة العدل، سوف تقضي فصل الصيف بالتفكير في قانون يمكنه تحييد قرار محكمة كولونيا.
quot;الأمر أكثر تعقيدا من مجرد إدخال جملة بسيطة في مكان ما، كما يتصور بعض الناسquot;، تقول شنارنبيرغر، مشيرة إلى أن النقاش عاطفي للغاية ويتطلب تحقيق التوازن بين الحقوق الأساسية quot;وهذا يمكن أن يستغرق سنواتquot;.