الأقباط شاركوا بقوة في ثورة يناير لكنهم مازالوا يعانون

سادت حالة من القلق في مصر إثر أحداث العنف الطائفي التي وقعت في قرية دهشور في محافظة الجيزة، والتي نشبت لأسباب تافهة حيث أحرق مكوجي quot;مسيحيquot;، قميص كهربائي quot;مسلمquot;.


القاهرة: أثارت أحداث العنف الطائفي التي وقعت في قرية دهشور في محافظة الجيزة في مصر الكثير من القلق، من وجود أزمة طائفية عميقة في المجتمع المصري، لاسيما أن الأحداث وقعت لأسباب تافهة، بعد أن أحرق مكوجي quot;مسيحيquot;، قميص كهربائي quot;مسلمquot;، ووقعت أعمال عنف بين أسرتي الطرفين، نتج عنها مقتل شاب تصادف مروره من الشارع الذي شهد العنف، ومات متأثراً بإصابته بحروق نتيجة إلقاء الأسرة المسيحية زجاجات حارقة عليه من فوق سطح منزلها. لم تقف الأحداث عند هذا الحد، حيث أحرق أهل الشاب القتيل عدة منازل ومحال تجارية مملوكة للطرف المسيحي، بوصفه القاتل، وإضطرت عدة أسر مسيحية إلى الهجرة من بيوتها إلى خارج القرية، خشية وتعرضها لأعمال إنتقامية، وتبذل الكثير من الجهات الرسمية ومؤسسات مدنية جهوداً مكثفة من أجل تهدئة الأوضاع، وعودة الأقباط لمنازلهم، وتنازل أسرة القتيل عن الثأر.

الثأر أو التهجير

ووفقاً لعادل سعيد، من أهالي القرية، فإن أسرة الشاب القتيل معاذ محمد أحمد، تصر على الثأر لدم إبنها، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن جميع الوفود التي زارت القرية فشلت في إثنائها عن مطلبها هذا، ولفت إلى أن هناك عدم فهم من جانب السياسيين ورجال المجتمع الذين زاروا القرية من أجل الصلح، موضحاً أن هذه القرية تقع في أول الصعيد، ومبدأ الثأر هناك لا يمكن تجاهله، وأشار سعيد إلى أن أسرة الشاب القتيل بعد تدخل من مندوب رئيس الجمهورية، ومندوب شيخ الأزهر، وافقت على عدم الثأر في حالة صدور أحكام قضائية حازمة بحق الجناة، وأن يتم ترحيل أسرة الجاني من القرية، لتفادي وقوع أعمال عنف جديدة، وقالت الأسرة إنها لا يمكنها ضبط أعصابها إذا ما وجدوا الجناة يعيشون، بينما إبنهم ميت. ونبه سعيد إلى أن عملية التهجير ليس المقصود بها الأقباط كما يروج الإعلام، بل هو عرف سائد في جرائم القتل بالصعيد سواء أكان الجاني مسلم أو مسيحي، وأوضح أنه عندما تقع جريمة قتل، يطالب أهل القتل بالثأر، وفي حالة القبض على الجاني، تعقد جلسة تحكيم عرفية للصلح بين أسرة الجاني والمجني عليه، ويتم خلالها إلزام أسرة الجاني ببيع منزلها في الشارع أو القرية التي وقعت بها الجريمة والرحيل إلى مكان آخر، حتى لا تقع مشاحنات وأعمال عنف جديدة بين الجانبين، وبذلك تحقن دماء الجانبين. ولفت إلى أن هذا العرف معمول به في الصعيد، حتى بين المسيحيين أنفسهم.

أزمة عميقة

غير أن المسيحيين في مصر يشكون من أن هذا العرف يطبق عليهم بمباركة الجهات الرسمية، ولا يتم تعويضهم عن الخسائر التي يتعرضون لها في أعقاب كل حادث، وقال الناشط القبطي نجيب جبرائيل لـquot;إيلافquot; إن هناك أزمة طائفية عميقة في المجتمع المصري، مشيراً إلى أن الأقباط يتعرضون لإضطهاد واضح منذ عهد النظام السابق، وتيرته زادت بعد الثورة، لاسيما مع صعود التيار الإسلامي إلى السلطة، وأضاف أن الأحداث خلفت خسائر كبيرة في ممتلكات الأقباط، من منازل ومحال تجارية، والأخطر من ذلك تكرار عمليات التهجير القسري لهم، بمباركة من قبل أجهزة الدولة، وأشار جبرائيل إلى أن الأقباط لا يريدون سوى تطبيق القانون بحزم ضد الجناة، وتعويض الضحايا من الأقباط وعودتهم إلى منازلهم مع ضمان حمايتهم وأمنهم. ونوه جبرائيل بأن تكرار ظاهرة التهجير القسري للأقباط تعد جريمة دولية يعاقب عليها القانون الدولي ولا تسقط بالتقادم، وقال: بعد أن فقدت الدولة هيبتها لحماية أقباط مصر فلا تلومن الأقباط اذا ما التجأوا إلى الاحتكام إلى آليات القانون الدولي.

مشروع قانون

وأشار جبرائيل إلى أنه تقدم للمجلس العسكري بمشروع قانون يكافح العنف الطائفي، موضحاً أن المشروع ينص على أنه quot;يعتبر عنفاً طائفياً فى مفهوم هذا القانون، كل من لوح أو ارتكب فعلا مادياً أو معنوياً من شأنه احتقار أو النيل من جماعة أو طائفة دينية معترف بها في الدستور، أو صدرت بشأنها أحكاما قضائية نهائيةquot;، مشيراً إلى أن مشروع القانون يعاقب بالسجن مدة تتراوح ما بين خمس و اثنتي عشر سنة، وقد تصل العقوبة إلى الإعدام اذا اقترنت جرائم العنف الطائفي بجريمة قتل أو الشروع فيه أو ترويع المصلين داخل دور العبادةquot;.

إرادة سياسية

فيما أكد حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن حل الأزمات الطائفية يلزمه وجود إرادة سياسية لتطبيق القانون على أي مخالف، وكل من شارك أو حرض على العنف الطائفي؛ سواء أكان مسلمًا أو مسيحياً. وأضاف أنه لا بد من توافر إرادة سياسية واعية تتفاعل فيها كافة مؤسسات الدولة، وعلى رأسها وزارة الأوقاف ومؤسسة الأزهر ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الإعلام، ووزارة الداخلية مع الكنيسة والمجتمع المدني والأحزاب السياسية، للعمل على رسم خطط مرحلية مُلحة، وخطط استراتيجية طويلة المدى لإنقاذ الوطن من مغبة مثل هذه الأحداث، وعدم الاكتفاء بالحلول الأمنية فحسب، وإعادة الأقباط إلى منازلهم التي اضطروا إلى الهجرة منها، مشدداً على أن مخاوف الأقباط بقرية دهشور طبيعية ومنطقية وتكررت بأحداث مختلفة سابقة، مثل كنيسة فرشوط والوراق وإمبابة وأطفيح. ولفت إلى أن هناك أزمة حقيقية يعاني منها المجتمع المصري في ما يخص الملف الطائفي، ويجب عدم تأجيل البت به، وإيجاد استراتيجية بعيدة المدى لحل هذه الأزمة، بعيداً عن الحلول الظاهرية والمسكنات الوقتية لها.

فرض القانون

أما الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر لشؤون الحوار، فقال لـquot;إيلافquot; إن الأزمة الطائفية في مصر تحتاج إلى الحل بالقانون وفرض هيبة الدولة على الجميع، معتبراً أن الحل عن طريق الجلسات العرفية وتقبيل الشيوخ والقساوسة بعضهم البعض بينما quot;اللي في القلب في القلبquot;، لن تجدي نفعاً، ودعا إلى ضرورة تنحية الطرق العرفية في حل مثل هذه الأزمات جانباً، وإعمال القانون بكل حزم على الجميع سواء المسلم أو المسيحي.

مناخ طائفي

فيما قال النائب السابق والمفكر القبطي جمال أسعد، إن المناخ في مصر مناخاً طائفياً، وأضاف لـquot;إيلافquot; إن ظهور أعمال عنف كهذه بعد الثورة يؤكد أن هناك أزمة طائفية متجذرة في المجتمع المصري ويجب إيجاد حلول عميقة لها، وعدم الإكتفاء بالحلول الأمنية أو جلسات الصلح فقط، وأشار أسعد إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تقع عليها المسؤولية الكبرى في حل الأزمة الطائفية في مصر، لاسيما أنها الفصيل السياسي الأكبر حالياً والأكثر تنظيماً والأكثر إنتشاراً في المجتمع، فضلاً على أنه بيدها السلطة حالياً.