يثير التحرك الذي يقوم به أكراد سوريا، حالة من القلق لدى أنقرة في ما يخص التعقيدات الخاصة بالتحدي الذي يشكله الأكراد في تركيا، وقد برزت هذه المشكلة مع تطور الأحداث في سوريا.
القاهرة: شهدت الجهود التي يتم بذلها لدعم الثورة التي تسعى بقوة للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد حالة من التعقيد نتيجة تحرك أكراد سوريا صوب إقامة حكم ذاتي، وهو ما أثار مخاوف أنقرة بشأن التعقيدات المتعلقة بالتحدي الذي يشكله الأكراد داخل تركيا.
وهي المشكلة القائمة منذ سنوات طويلة، لكنها كانت تتجدد بين الحين والآخر، وها هي الآن واضحة وجلية ويمكن القول إنها تتفاقم أكثر من ذي قبل، مع تطور الأحداث، علماً بأنه في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى تم تقسيم الأكراد ما بين تركيا وسوريا والعراق وإيران، وهي الدول التي تحاول أن تنكر وتقمع الهوية الكردية.
وأكدت في هذا الصدد مجلة التايم الأميركية أن الزلزال الجيوسياسي الذي بدأ بغزو الولايات المتحدة للعراق وانتهاءً بالانتفاضة التي تشهدها سوريا حالياً، جاء ليشكل تحدياً لأساسات النظام السياسي الإقليمي التي وضعها البريطانيون والفرنسيون، ومن وثم حوّل مستقبل منطقة الشرق الأوسط إلى لقمة سائغة مرة أخرى. لكن المجلة قالت إن الأكراد، الذين يقدر عددهم الآن بأكثر من 30 مليوناً، ليصبحوا بذلك أكبر فئة من الناس، لا توجد لهم دولة في العالم، باتوا أفضل من الناحية التنظيمية.
وقد نجح المقاتلون الأكراد في سوريا قبل أسبوعين بفرض سيطرتهم على مدن في شمال سوريا بعد أن تنازل لهم الأسد لدعم قواته في دمشق وحلب. وقبل ذلك، وتحديداً يوم الـ 12 من تموز (يوليو) الماضي، توسط الزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني لإتمام اتفاق بين الجماعات الكردية السورية المتنافسة وتشكيل مجلس وطني والتعهد بإنهاء الخلافات القائمة بينهم من أجل تحقيق المصالح الكردية العامة.
وهي الخطوة التي باغتت أنقرة، وأوردت المجلة في تلك الجزئية عن المعلق والمحلل التركي، محمد علي بيراند، قوله إن تأسيس منطقة كردية ذاتية الحكم في شمال شرق سوريا، بعد ظهور كيان مماثل في العراق، يشي بتحقيق واحد من أسوأ الكوابيس التركية، وهو تكوين quot;دولة كردية كبرىquot; بطول الحدود الجنوبية الشرقية، حيث يوجد القطاع الأكبر منهم وهم حوالي 14 مليوناً من السكان الأكراد المضطربين.
وأعقبت التايم بنقلها في هذا السياق عن مصطفى غوندوغدو، من مشروع حقوق الإنسان الكردية الذي يوجد مقره في لندن، قوله :quot; الخطوة الكردية في سوريا تاريخية. فبدلاً من أن يتم سحقهم بين نظام الأسد أو المعارضة، قام الأكراد بخطوة ترتكز على مصالحهم الخاصة على المدى البعيد. فهم يعملون مع قوى المعارضة، لكنهم مستقلون عنهم. ولم يجعلوا من أنفسهم ضحايا، بل ظهروا كطرف في اللعبةquot;.
وقال سيدا ألتوغ وهو مؤرخ وخبير في شؤون أكراد سوريا لدى جامعة بوجازيجي في اسطنبول :quot;كما أنهم يستخدمون زخم الانتفاضة لإنشاء مراكز مجتمعية وإجراء نقاشات عامة لم يسمع عن أي منها إبان فترة حكم الرئيس الأسد. وقد شاركوا في التظاهرات الضخمة التي كانت تنظم كل جمعة، لكنهم كانوا يحملون دائماً الأعلام الخاصة بهم، ويرددون كذلك الشعارات الخاصة بهم. وهم يجنون الآن حصاد ذلكquot;.
مواطنون أكراد في سوريا يحتفلون بانتصار حققوه قبل أيام قليلة |
وفي مقابل ذلك، نوهت المجلة إلى ذلك التصريح الذي قال فيه رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، نهاية الشهر الماضي:quot;لن نسمح بمبادرات يكون من شأنها تهديد أمن تركياquot;. وتابع أردوغان تحذيره بأن بلاده ستتدخل في سوريا في حال أنشأ حزب العمال الكردستاني معسكراً هناك، وأضاف أن الجيش التركي بدأ ينشر بالفعل قوات ودبابات وصواريخ مضادة للطائرات على هذا القطاع من الحدود.
لكن المجلة رأت احتمالية التدخل العسكري من جانب تركيا غير واردة لسبب بسيط هو أن ذلك التدخل قد يكون كارثياً، حيث سيؤثر على صورة أنقرة الذاتية باعتبارها بطلة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط عقب هبوب نسائم الربيع العربي عليها. كما أنه سيثير عداوات مع الأكراد، سواء في الداخل أو في العراق وسوريا. كما أنه سيعادي المعارضة السورية العربية، التي تم تجاهل مطالبها بالتدخل لإزاحة الأسد.
وهنا عاود ألتوغ ليقول: quot;تركيا تعطي لنفسها حجماً أكبر من حجمها الفعلي. فليس بمقدورها التدخل من جانب واحد في سوريا دون دعم من الناتو أو الولايات المتحدةquot;. وختمت التايم بقولها إن مشكلة تركيا هي أن الأحداث في سوريا قد تجبرها على التعامل مع التحدي الكردي الذي تواجهه بالداخل، وأن ذلك لن يتم عسكرياً فحسب.
التعليقات