تسعىكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا للاحتفاظ بنفوذها بين فصائل المعارضة السورية وسط مخاوف من تحويل غالبية الدعم الذي تقدمه بعض الدول إلى جماعات إسلامية متطرفة، كما أفادت صحيفة الغارديان.


يمارس الغرب نفوذًا محدودًا مع الجيش السوري الحر بسبب استمراره في رفض تسليح المعارضة خوفًا من وقوع السلاح بأيدي جماعات إسلامية متطرفة

إعداد عبد الإله مجيد: قالت صحيفة الغارديان إن تعاظم القلق من امتداد الحرب الأهلية، التي تكتسب طابعًا طائفيًا متزايدًا، إلى عموم المنطقة بالاقتران مع تقارير عن فظائع ارتكبتها بعض فصائل المعارضة ودلائل على أن الجماعات الأحسن تنظيمًا وتمويلاً هي الجماعات السلفية، دفع العواصم الغربية إلى إجراء تغيير عاجل في سياستها تجاه المعارضة.

تتفق واشنطن ولندن وباريس الآن على فشل الجهود التي حاولت توحيد المعارضة تحت مظلة المجلس الوطني السوري، وهي تعمل الآن على إقامة صلات مباشرة مع فصائل المعارضة في الداخل.

واعترف أسامة المنَجِّد عضو المجلس الوطني السوري في لندن بفشل المجلس في مهمته، وخاصة في تنظيم تشكيلات المعارضة على الأرض، وقال quot;إن القضية الأساسية الآن هي توحيد المجموعات القتالية في إطار آخرquot;. لكنه أضاف إن هذا لا يعني تهميش المجلس الوطني السوري بالكامل. ونقلت صحيفة الغارديان عن المنجد إن المجلس quot;ما زال أكبر تجمع سياسي، وله دور سياسي ودبلوماسي يقوم بهquot;.

وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون زارت إسطنبول يوم السبت الماضي للقاء ناشطين في المعارضة السورية وتعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي مع تركيا، بهدف الحيلولة دون عبور العنف عبر الحدود.

كما حضر في إسطنبول جون ويلكس المبعوث البريطاني الخاص إلى المعارضة السورية بهدف الاجتماع مع من سمَّته وزارة الخارجية البريطانية quot;ممثلاً سياسيًا رفيعًاquot; عن الجيش السوري الحر.

وأكد المبعوث البريطاني خلال اللقاء على أهمية الالتزام بحقوق الإنسان واحترام الأقليات كشرط لاستمرار التعاون في المستقبل، بحسب صحيفة الغارديان، مشيرة إلى أن بريطانيا حين أعلنت يوم الجمعة الماضي عن تقديم 5 ملايين جنيه إسترليني من المساعدات إلى فصائل المعارضة السورية، أصرّت بوضوح على أن تكون الفصائل المتلقية كلها من معارضة الداخل، مستبعدة بذلك المجلس الوطني السوري. كما كان الهدف من لقاءات كلينتون في إسطنبول تجاوز المجلس على أساس أنه لا يمارس تأثيرًا يُذكر في الأحداث داخل سوريا نفسها.

وقال جوزيف هاليدي الخبير في شؤون المعارضة السورية المسلحة في معهد دراسة الحرب في وشنطن إن وزارة الخارجية الأميركية خلصت إلى هذه النتيجة منذ فترة، وإن هذه النتيجة أخذت تَرْشَح الآن إلى السياسة المتبعة.

وشارك المبعوث البريطاني ويلكس والسفير الأميركي في دمشق روبرت فورد، الذي استدعي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في اجتماع عُقد بعيدًا عن الأضواء في القاهرة في مطلع آب/أغسطس. وكان هدف الاجتماع، الذي عُقد برعاية مركز بروكنز الدوحة للأبحاث ومشاركة فصائل معارضة من الخارج والداخل، بينها الجيش السوري الحر، تشكيل لجنة واسعة التمثيل لإعداد مشروع انتقالي متفق عليه بين سائر الأطراف.

وفي فرنسا تواجه حكومة الرئيس فرانسوا هولاند ضغوطًا شديدة، وخاصة من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، للتدخل بشكل مباشر، إلى جانب المعارضة.

وقال فابريس بالانش الخبير في الشؤون السورية في جامعة ليون إن وزير الخارجية لوران فابيوس: quot;أدرك أن فرنسا استثمرت الكثير من رأس المال السياسي في المجلس الوطني السوريquot;. وأضاف أن الحكومة الجديدة بدلاً من ذلك رمت ثقلها وراء العميد مناف طلاس، الذي انشق في تموز/يوليو. وأشار بالانش إلى أن فرنسا تأمل بتحالف الجيش السوري الحر مع طلاس، وبذلك إضفاء قدر من التماسك على الفصائل المشتتة للمعارضة المسلحة.

لكنّ ممولاً سوريًا يرتبط في المعارضة حذر من أن الجيش السوري الحر سيبقى منقسمًا ما دام يعتمد على مصادر تمويل متعددة بلا تنسيق بينها. وقال الممول quot;إن قادة الكتائب المحلية على الأرض يدينون بالولاء لمن يدعمهم، وإن المغتربين الذين يرسلون إليهم المال منقسمون انقسامًا كاملاً.
وهؤلاء هم المغتربون في الولايات المتحدة والخليج، ويستخدمون قنواتهم الموثوقة لإيصال المال، وبالتالي فإن المال ينهال من جيوب مختلفةquot;. وأوضح الممول أن عدد المقاتلين، الذين يستطيع كل قائد ميداني تعبئتهم، يتناسب مع قدرته على تسليحهم ودفع رواتبهم ومساعدة أسرهم، وبالتالي ليس هناك قائد محدَّد لديه ما يكفي من القوة لتوحيد الكتائب تحت لوائه.

ونقلت صحيفة الغارديان عن الممول إن الاستثناء عن هذه القاعدة هما العربية السعودية وقطر، ولكن المال يذهب بصورة غير متناسبة إلى جماعات سلفية وجهادية، على حد قوله. وقال الممول quot;إن أحسن الشبكات تنظيمًا تُديرها جماعات إسلامية متطرفة، وهذه لديها أعلى مدخولquot;.
وأشار إلى quot;أن الوحشية الأشد غلوًا تأتي من هذا الاتجاه، ولكن لديها القدر الأعظم من الذخيرة والسلاح، وهي تتلقى تمويلها من مصدر موحد، وكل الأموال الأخرى تأتي من مصادر متعددة وقنوات متعددةquot;. وأكد الممول أن هذه التشكيلات لا يمكن توحيدها إلا بتوحيد مصادر التمويل.

ونقلت صحيفة الغارديان عن جولين بارنز دايسي الخبير في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن الدول الغربية أدركت quot;أنها إذا لم تنخرط الآن ستفقد فرصة التأثير نفسها، وإذا تُرك السعوديون والقطريون يتصرفون على هواهم مع الفصائل التي يدعمونها، فإن الاحتمال كبير بأن تهبّ ريح معاكسةquot;، في إشارة إلى دعم الغرب للمجاهدين الأفغان ضد القوات السوفيتية إبان الثمانينات والفرصة التي وفرها هذا الدعم لرفد تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الجهادية بالمقاتلين.

وقال دبلوماسيون غربيون إن شيخًا كويتيًا أيضًا يقوم بدور كبير في إيصال التبرعات التي تُجمع في الخليج إلى جماعات متطرفة ذات اتجاهات سلفية.

ويمارس الغرب نفوذًا محدودًا مع الجيش السوري الحر بسبب استمراره في رفض تسليح المعارضة خوفًا من وقوع السلاح بأيدي جماعات إسلامية متطرفة. وأفادت تقارير أن الرئيس باراك أوباما أصدر أمرًا تنفيذيًا سريًا بتكثيف نشاط وكالة المخابرات المركزية في سوريا وحولها، ولكن هذا التوجيه أيضًا لم يذهب إلى حد تقديم السلاح.

وتقول تقارير من واشنطن والحدود التركية ـ السورية إن دور الاستخبارات الأميركية يتركز على العمل مع الأتراك في منع وصول السلاح إلى مجموعات تُعد غير مرغوب فيها.

ولمحت كلينتون خلال زيارتها إسطنبول إلى القيام بعمل مباشر في المستقبل، قائلة إن الولايات المتحدة وتركيا اتفقتا على quot;التخطيط العملياتي المكثفquot; بين المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الأميركيين والأتراك.

ولم تستبعد كلينتون إمكانية فرض منطقة حظر جوي، كما تدعو تركيا منذ فترة طويلة، ولكن دعوتها لم تلق قبولاً من واشنطن، لأن مثل هذا الإجراء سيتطلب القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق. وقالت كلينتون إن مجموعة التخطيط الأميركية التركية ستجري quot;تحليلاً مكثفًاquot; لكل الخيارات تمهيدًا لتقديم مساعدات مباشرة إلى المعارضة المسلحة.