أعلنت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة في تقرير نشرته هذا الأسبوع أن النظام السوري وشبيحته وإلى حد أقل قوات المعارضة المسلحة ارتكبت انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان تشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.


لدى مجلس الأمن رغبة في تشكيل محكمة خاصة مؤقتة في الجرائم المرتكبة في سوريا

أثار تقرير اللجنة تساؤلات عن إمكانية مثول الرئيس السوري بشار الأسد وقادة نظامه الأمنيين والعسكريين أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لمحاسبتهم على هذه الجرائم. لكن محللين يرون أن الاحتمالات تبدو حتى الآن ضئيلة.

ويشير المحللون إلى أن لجنة التحقيق، التي يوجد مقرها في جنيف، برئاسة الدبلوماسي والقانوني البرازيلي باولو سيرجيو بينيرو، لم توجّه دعوة إلى المحكمة الجنائية لملاحقة المتهمين بهذه الجرائم. وكانت المحكمة أصدرت مذكرات إلقاء قبض بعد إجراء تحقيقات مماثلة بحق زعماء آخرين، بينهم الزعيم الليبي السابق العقيد معمّر القذافي والرئيس السوداني عمر حسن البشير.

وبدلاً من إصدار دعوة كهذه فإن بينيرو رمى الكرة في ملعب مجلس الأمن الدولي للبتّ في محاسبة المرتكبين السوريين، وسيقدم قائمة بالمتهمين إلى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، حيث ستبقى داخل مظروف مختوم بانتظار قرار تتخذه محكمة، ما لم تُحدد طبيعتها حتى الآن بالشروع في إجراءات الملاحقة القضائية.

في هذه الأثناء تبقى هناك عقبات كبيرة أمام مثل هذه الملاحقة. فإن سوريا لم تصادق قط على معاهدة روما التي أُنشئت المحكمة الجنائية الدولية بمقتضاها، الأمر الذي يضع النظام السوري بعيدًا عن ذراع المحكمة.

تتضمن المعاهدة بندًا يجيز لمجلس الأمن الدولي الإيعاز ببدء تحقيق تجريه المحكمة الجنائية الدولية. ولكن من المستبعد أن يصدر مجلس الأمن مثل هذا التفويض إزاء حق الفيتو، الذي تتمتع به روسيا والصين، حليفتا النظام السوري في المجلس.

لا يبدو أن لدى مجلس الأمن رغبة في تشكيل محكمة خاصة مؤقتة كما فعل سابقًا لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم في البوسنة ورواندا وسيراليون.

وكان آريا ناير، الذي استقال أخيرًا من رئاسة معهد المجتمع المفتوح، اقترح تشكيل محكمة عربية لجرائم الحرب بقرار من جامعة الدول العربية لملاحقة مجرمي الحرب السوريين. لكن الفكرة لم تحظ باهتمام يُذكر.

ويقول خبراء إن المحاكم الأوروبية، التي تمارس ولاية عامة بشأن جرائم كبرى مثل الإبادة الجماعية أو جرائم الحرب، يمكن أن تلاحق سوريين مسؤولين عن قتل مواطنين أوروبيين، ولكنها ستلاقي صعوبة بالغة في استقدام هؤلاء المتهمين للمثول أمام محاكم في لندن أو باريس أو مدريد.

في هذه الأثناء قال رئيس لجنة التحقيق بينيرو إن تفويضه لا يمنحه صلاحية تقديم توصية إلى مجلس الأمن الدولي بتخويل المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في هذه الجرائم وملاحقة المتهمين بارتكابها، كما قال محامون في لجنة التحقيق.

لكن محامي المحكمة الجنائية الدولية يرون أن بينيرو ليست لديه صلاحية القيام بذلك فحسب، بل ومن واجبه أن يفعل ذلك. وبحسب هؤلاء المحامين فإن تحرك مجلس الأمن الدولي لإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية سيزيد الضغوط الدولية على روسيا والصين لمحاسبة المتهمين بارتكاب خروقات.

ونقلت مجلة فورين بولسي عن القانوني المتخصص في شؤون المحكمة الجنائية الدولية في منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان ريتشارد ديكر أنه يبدو لزامًا على لجنة التحقيق، بسبب حجم الجرائم المرتكبة، أن تقدم توصية إلى مجلس الأمن الدولي بأن يوجّه المحكمة الجنائية الدولية للتحرك بصرف النظر عن فرص النجاح.

وأضاف ديكر أن إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية يجب أن تكون على رأس أولويات لجنة التحقيق باعتبار ذلك قضية مبدئية. وأشار ديكر إلى أن هناك عاملاً آخر أكثر عملية هو أن ما يبدو وضعًا جامدًا الآن من حيث العقبات التي تقف في طريق مجلس الأمن يمكن أن يتغير في المستقبل.

وكان مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قرر في آب/أغسطس 2011 تشكيل لجنة للتحقيق في اتهامات بارتكاب انتهاكات في سوريا منذ آذار/مارس 2011، بعد فترة قصيرة على حملة البطش التي أطلقها النظام ضد المحتجين.

وأعدت اللجنة ثلاثة تقارير تستعرض بالتفصيل انتهاكات ارتكبتها قوات النظام ومقاتلون في المعارضة المسلحة. وفي يوم الأربعاء الماضي خلصت اللجنة إلى أن هناك quot;مسوغات معقولةquot;، تتيح لها أن تؤكد أن النظام السوري وشبيحته وتشكيلات مسلحة مناوئة للنظام ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الانتفاضة المستمرة منذ 17 شهرًا. لكن اللجنة وجدت أن غالبية الانتهاكات والخروقات ارتكبتها قوات موالية للنظام عملت quot;بمعرفة أعلى مستويات الحكم أو بمشيئتهquot;.

وتؤكد نتائج التحقيق، الذي أجرته اللجنة، أقوالها السابقة بأن الأطراف المتحاربة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية خلال النزاع الذي تقول الأمم المتحدة إنه أدى إلى مقتل أكثر من 14 ألف شخص. لكن تقارير اللجنة خلال الأيام الأخيرة تمثل المرة الأولى التي تتهم فيها اللجنة أطرافًا مختلفة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات أخرى للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان.

وحمَّلت اللجنة، التي شُكلت بقرار من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في آب/اغسطس 2011، النظام السوري وشبيحته مسؤولية ارتكاب أعمال قتل واسعة النطاق بحق مدنيين سوريين في بلدة الحولة، رافضة دعاوى النظام بأن قوات مناوئة للحكومة ارتكبت أعمال القتل.

الأطراف المتحاربة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية خلال النزاع الذي تقول الأمم المتحدة إنه أدى إلى مقتل أكثر من 14 ألف شخص

وكان أكثر من 100 مدني قُتلوا في الحولة في 25 أيار/مايو في عملية مروّعة مدعومة من الجيش النظامي كانت إيذانًا بتصعيد حاد في أعمال العنف في سوريا.

جاء في التقرير quot;أن اللجنة تؤكد ما توصلت إليه سابقًا من أن انتهاكات ارتُكبت بناء على سياسة رسميةquot;. كما وجدت اللجنة quot;مسوغات معقولةquot; للاعتقاد بأن قوات معارضة للحكومة ارتكبت جرائم حرب، بينها أعمال قتل وإعدامات خارج إطار القانون وتعذيب، ولكن هذه الخروقات quot;لم تبلغ خطورة تلك التي ارتكبتها القوات الموالية للحكم وشبيحته وتواترها وسعة نطاقهاquot;.

بيد أن اللجنة لم تقدم مقترحًا ملموسًا بأن تتولى هيئة دولية مستقلة ملاحقة المرتكبين. ودعت بدلاً من ذلك الحكومة السورية إلى إجراء تحقيقها الخاص في انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين. كما أوصت بأن يعزز مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وجوده في سوريا للاستمرار في تقديم هذه التقارير ونقل خلاصاته quot;إلى الأمين العام لعناية مجلس الأمن كي يتخذ ما يراه مناسبًاquot;.

يعني هذا أن ملاحقة المرتكبين أمر غير مؤكد. والأكثر من ذلك أنه من المقرر إنهاء عمل اللجنة في أيلول/سبتمبر. ونقلت مجلة فورين بولسي عن جيمس غولدستون المدير التنفيذي لمبادرة العدالة في معهد المجتمع المفتوح قوله quot;إن الخيارات ليست جيدةquot;.

لكن غولدستون أبدى استغرابه من قرار بينيرو رئيس لجنة التحقيق الامتناع عن توجيه دعوة صريحة إلى قيام المحكمة الجنائية الدولية بدور في سوريا، ولاحظ أن مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي وأكثر من 20 دولة في مجلس حقوق الإنسان دعت إلى مثل هذا الدور. وقال غولدستون إن لجنة التحقيق المستقلة يمكن أن تُسهم بقسطها المساعد إذا أضافت صوتها إلى هذه الدعوات.