يشهد العراق ظاهرة المدرسين الخصوصيين ليس في مادة دراسية واحدة، بل في جميع المواد الدراسية حتى السهل منها بسبب التنافس والمباهاة بين الطلاب وأسرهم.
بغداد: باتت الدروس الخصوصية في العراق جزءًا مكملاً للعملية التعليمية في العراق، وواقعاً يفرض نفسه حتى على الذين يقفون بالضد من الفكرة.
أحد الصفوف الدراسية في العراق |
وتشير الدلائل والمشاهد اليومية إلى أن الأسرة العراقية بدأت تعتبر الدرس الخصوصي الطريق الأسلم للحصول على معدل درجات جيدة لأبنائها الطلاب مقارنة بالمدرسة والدروس الاعتيادية فيها.
وفي ظل استعداد المدرسين لإعطاء الطلاب دروسًا اضافية بعد الدوام، فإن تركيزهم على العمل في المدرسة يقل، ويصبح توضيحهم للدروس اضعف بغية اشعار الطالب أن الدرس الخصوصي هو الخيار الافضل لهضم المادة الدراسية، وفهمها.
دور المدرّس
لكن المدرس وهاب النعيمي، ينتقد اللوم الموجه إلى المدرس، معتبرًا أن للدروس الخصوصية فعالية علمية تزيد من علم وثقافة الطالب وتجعله اكثر حباً للمدرسة، كما تلهب طموحه في الحصول على شهادة جامعية مرموقة.
وبحسب النعيمي، فإن الدروس الخصوصية تنزع اليأس من نفس الطالب.
واحد الامثلة التي يضربها النعيمي حكاية الطالب جعفر حسين الذي كان يعاني من عدم الفهم مما زرع في نفسه الاحباط من المدرسة. لكن الدروس الخصوصية اسهمت في تقوية مهاراته العلمية والدراسية ليصبح اليوم من المتفوقين.
وتنتشر في المرافق العامة في اغلب المدن، وفي الصحف والمجلات اعلانات عن دروس خصوصية، في تنافس شديد لجذب الزبائن من الطلاب.
احصاءات
التربوي ناصر كامل يؤكد أن لا احصاءات دقيقة حول مدى انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، لكنه يخمن أن حوالي اربعين في المئة من الطلاب يتبعون الدروس الخصوصية وأن حوالي 30 في المئة يتمنون متابعتها، لكن امكاناتهم المادية لا تسمح لهم بذلك.
وتقول المدرسة كوثر السعدي إن الإقبال على الدرس الخصوصي يتركز على مواد الرياضيات واللغة الانكليزية، والفيزياء والكيمياء. وتتابع: quot;أكثر الاسر تركز على مرحلة السادس الاعدادي لأنها المرحلة التي تقرر مصير الطالب الدراسيquot;.
تأمين المستقبل
المعلمة هناء البياتي تعول على الدروس الخصوصية في تأمين مستقبل ابنتها في المرحلة الاخيرة من الدراسة الإعدادية. و تدفع البياتي مائتي دولار لمدرس في اللغة الانكليزية والرياضيات لكي تستطيع ابنتها هضم المادة.
وغالبًا ما تنتشر ظاهرة الدروس الخصوصية بين العائلات ذات الدخل المادي الجيد.
لكن نعمان حمزة مدير مدرسة يؤكد على أن الدروس الخصوصية يجب أن تكون حالة استثنائية لكي لا تكون البديل عن المدرسة.
ويوضح أن الكثير من الطلاب المتفوقين لا يتبعون دروسًا خارج المدرسة، وأن تفوقهم هو حصيلة جدهم وتركيزهم على الدرس الاعتيادي. ويحصر نعمان ظاهرة الدروس الخصوصية بين الطلاب الكسالى أو الطلاب الذين يعانون من مستوى علمي متدنٍ.
وتكلف الدروس الخصوصية الاسرة العراقية نفقات باهظة، اصبحت جزءاً مهماً من الإنفاق الشهري.
امام خيارين
ويبين ابو حيدر أن تكاليف الدروس الخصوصية، اصبحت حالة مؤرِّقة للأسرة التي تكون امام خيارين، فإما تعيين مدرس خصوصي أو الرضوخ للأمر الواقع الذي يفرضه ضعف المستوى الدراسي للابن أو البنت.
ويفسر الباحث الاجتماعي حميد قاسم تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية الى تزايد القيمة الاجتماعية للشهادة الجامعية، بعدما ظلت بلا قيمة طيلة عقود.
ومع ازدياد الجدوى الاقتصادية للتعليم، والشهادة الاكاديمية، تزداد الرغبة في السعي الى الحصول على معدل دراسي جيد. وبحسب قاسم، فإن الاسرة العراقية اليوم لا تقبل بغير أن يحصل ابنها على معدل دراسي جيد يؤهله لدخول الجامعة.
الدروس الخصوصية أكثر جدوى
وعلى الرغم من ازدياد المدخولات الشهرية للمدرسين بشكل كبير الا أنهم لم ينقطعوا عن اعطاء الدروس الخصوصية التي توفر لهم مبالغ مالية محترمة كل شهر.
ويؤكد مدرس الرياضيات توفيق حسن أن لا وقت لديه لإعطاء الدروس الخصوصية، لكن الحاح الطلاب وذويهم جعله يرضخ للأمر الواقع. ويفضِّلُ الكثير من المدرسين تنظيم مجاميع في البيوت لإعطاء الدروس الخصوصية.
وبحسب الطالب لؤي جعفر فإن الدروس الخصوصية اكثر جدوى مقارنة بما يتلقاه في المدرسة من نفس المدرس.
ويعترف حسن أن شخصية الاستاذ في المدرسة ليست كما هي في الدرس الخصوصي لا سيما في طريقة معالجة المادة.
ام مريم، ربة بيت لم تقتنع يومًا بجدوى الدرس الخصوصي، لكنها امام ضغط المجتمع اضطرت إلى اللجوء اليها لتقوية المستوى الدراسي لإبنتها التي تدرس في المرحلة الثانوية.
تقول ام مريم: quot;اصبحت الظاهرة نوعًا من المباهاة والغيرة، حيث تتنافس الاسر على ذلكquot;.
وتتابع: quot;اذا حصلت ابنتي على معدل دراسي غير جيد فإن اللوم سيقع علي لأنني لم استعن بالمدرس الخصوصيquot;. وتؤكد ام مريم أن الظاهرة صارت تقليداً للآخرين، في محاولة تبدو يائسة في بعض الاحيان لمعالجة المستوى الدراسي المتدني للطالب.
الاتكالية لدى الطالب
المشرف التربوي حسين سعيد ينتقد بشدة الظاهرة التي انتشرت في السنوات الأخيرة حيث يقول إن الطالب المجتهد لا يحتاج إليها، كما انها تزرع الاتكالية لدى الطالب إذ تجعل اعتماده الأساسي على الدروس الخصوصية.
ويضيف: quot;تجربتي في التدريس التي استمرت لثلاثة عقود، تشير إلى أن الطلاب المتفوقين لم يتبعوا دروسًا خصوصية، لكنهم استثمروا وقتهم، وركزوا على المادة، إضافة إلى أنهم يتمتعون بأساس علمي جيد.
ويضيف: quot;اغلب طلاب الدروس الخصوصية تنقصهم الاساسيات في المواد الدراسية مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء والرياضيات واللغة الانكليزيةquot;.
ويرى سعيد أن الحل الأمثل ليس في الدرس الخصوصي، بل في تنظيم المدرسة لدروس اضافية اختيارية خارج نطاق الحصص المقررة لتقوية المعارف الاساسية لدى بعض الطلاب الذين يعانون من ضعف في أدائهم الدراسي.
ويبرر مدرس الفيزياء اللجوء إلى الدروس الخصوصية بالقول: quot;لا يكفي الوقت وعدد الحصص لكي ينمي الطالب الاساسيات في العلوم، ولهذا فإن الدرس الخصوصي هو الحل الأمثل. ويتابع: quot;ليس من واجب المدرس اعطاء دروس في علوم ومعارف كان الطالب قد درسها في مراحل سابقة لكنه لم يهضمهاquot;.
و يضيف: quot;هذه يعني أن الطالب لم يكن يستحق النجاحquot;.
ويلقي سعد حسن بالمسؤولية على مديريات التربية التي من واجبها تنظيم العملية التربوية وإزالة كل المظاهر التي تشجع الطالب على الاستعانة بجهات اخرى غير المدرسة في مسيرته التعليمية.
التعليقات