الأنفاقبين غزة وسيناءتشكل مصدر خطر على أمن مصر

تشكل أزمة الأنفاق خطرًا على أمن مصر، في وقت يعتمد عليها قطاع غزة للحصول على المواد اللازمة في ظل الحصار الذي تفرضه اسرائيل، خاصة بعد تحولها الى طرقات عبور للأسلحة والارهابيين الى سيناء.


القاهرة: منذ عهد النظام السابق لطالما اشتكت مصر من الأنفاق التي يحفرها الفلسطينيون من قطاع غزة وصولاً إلى أرض سيناء، ورغم أن هذه الأنفاق تعتبر بمثابة الحبل السري لسكان القطاع، لاسيما في ظل حالة الحصار الدائم التي تفرضها إسرائيل عليه منذ انقلاب حماس على السلطة الوطنية الفلسطينية وفرض سيطرتها عليه.
ورغم أن هذه الأنفاق ذات أهمية كبيرة لقطاع غزة، فهي مصدر خطر على مصر، لاسيما أنها تعتبر الحبل السري للإرهاب في سيناء أيضاً، وبينما يخوض الجيش المصري حرباً ضروساً ضد الجماعات المسلحة، لا يمكن فصل أزمة الأنفاق عن تلك الحرب، إذ أعلن أنه دمر53 نفقاً، بهدف وقف مصدر الإرهاب، ولكن من دون قطع الحبل السري لقطاع غزة، لاسيما أن القطاع يعتمد عليه بشكل كبير في عمليات الإعمار والتبضع والتزود بالوقود.

وتبحث الحكومة المصرية عن بديل للأنفاق، من خلال إقامة مناطق للتجارة الحرة في مدينتي رفح المصرية والفلسطينية، فهل تستطيع مناطق التجارة الحرة تخليص مصر من أنفاق الإرهاب، والحفاظ على حياة أهالي قطاع غزة؟

أكثرمن ألف نفق

ووفقاً للواء محمد قدري سعيد، الخبير الإستراتيجي فإن الأنفاق تنتشر على طول الحدود بين قطاع غزة وسيناء، مشيراً إلى أن عددها يقدر بنحو 1500 نفق على الأقل، وأضاف لـquot;إيلافquot; أنها تمثل شريان الحياة للفلسطينيين في قطاع غزة، لاسيما في ظل حالة الحصار الدائم التي تفرضها إسرائيل، حيث يتم تهريب البضائع والسلع البسيطة من خلالها.
غير أن سعيد يرى أنه وإن كانت للأنفاق فوائد للجانب الفلسطيني فكلها مضار بالنسبة لمصر، وأوضح أنالعناصر الإرهابية والسلاح والمخدرات تعبر من خلالها إلى سيناء، ما يشكل خطراً داهماً على الأمن القومي المصري، ولفت سعيد إلى أن خطورة تلك الأنفاق ظهرت أثناء العمليات الأرهابية التي وقعت في سيناء بعد الثورة، منوهاً بأنها تستخدم لهذه الغاية عندما تشتد قبضة الجيش المصري على المنطقة، ثم تعاود للحضور والتمركز فيها مرة أخرى بعد أن تخف القبضة الأمنية.

وشدد سعيد على أن تدمير الأنفاق أولوية ملحة في حرب مصر ضد الإرهاب في سيناء، ولفت إلى ضرورة تعاون حركة حماس في قطاع غزة من أجل تدميرها، على أن يكون معبر رفح هو الطريق الشرعي بين مصر والقطاع، ويتم إيجاد آلية لتفعيله بما يمكّن مصر من القيام بدورها الأخلاقي حيال الفلسطينيين، معتبراً أن ردم الأنفاق لن يساهم في تقويض العلاقات بين البلدين، لأنها علاقات عميقة وتاريخية واستراتيجية في الوقت نفسه.

خطر على الأمن القومي

وحسب وجهة نظر الخبير الاستراتيجي اللواء محمود حمدي، فإن الأنفاق تمثل خطراً على الأمن القومي المصري، مشيراً إلى أن النظام السابق كان متسامحاً معها إلى حد بعيد، رغبة منه بعدم إحكام الحصار على قطاع غزة، لاسيما في ظل ممارسة الجانب الأميركي والإسرائيلي ضغوطاً شديدة عليه من أجل إغلاق معبر رفح.
وأوضح حمدي لـquot;إيلافquot; أن لا بديل أمام مصر من أجل إمداد القطاع بجزء يسير من مستلزماته سوى غض الطرف عن الأنفاق، وأضاف أنها كانت مراقبة بدرجة كبيرة، إلا أن الوضع تغيّر بعد الثورة مما سمح بتحول الأنفاق من مصدر لتزويد قطاع غزة بالبضائع الخفيفة إلى مصدر لتزويد سيناء بالإرهابيين، والأسلحة والمخدرات، خاصة مع انشغال الجهات الأمنية والسياسية في مصر بإعادة ترتيب البيت من الداخل وبناء الدولة بعد إسقاط نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك.

تجارة رابحة

وأضاف أن الإنفاق تنتشر في سيناء، وبعضها يظهر في وسط المنطقة، والبعض الآخر يوجد داخل المنازل، ويتحول إلى مصدر تجارة رابحة بالنسبة للفلسطينيين وبعض السيناويين، ويتم تهريب البضائع من خلالها مقابل أموال وليس مجانًا، فالأنفاق يحفرها أفراد في قطاع غزة ويؤجرونها لمن هو بحاجة مقابل مبلغ مالي، منوهاً بأن الأرهابيين يدفعون أموالاً ضخمة لتهريبهم وتهريب الأسلحة من وإلى سيناء.

وأشار إلى أن حركة حماس تغض الطرف عن العناصر الإرهابية بدعوى المقاومة، ولكنها تضر بالأمن القومي المصري. وكشف حمدي أن عملية تدمير الأنفاق مكلفة جداً لمصر، لاسيما في ظل عدم قدرة وصول الأسلحة التقليدية مثل الدبابات والمدرعات إلى فتحات الأنفاق لهدمها، وأوضح أن مصر اضطرت لاستيراد معدات متخصصة في ردم وهدم الأنفاق من أميركا، وأشار إلى أن العدد الذي تم هدمه وإغلاقه خلال الإسبوعين الماضيين منذ بدء الجيش عملياته مازال ضئيلاً مقارنة بعدد الأنفاق الذي يصل إلى نحو 120 نفقاً على الأقل، حيث لم يتم هدم سوى حوالي 23 نفقًا على الأكثر.

ويرى حمدي أن الأمن لن يستتب في سيناء ولن يتم القضاء على الجماعات المسلحة إلا بالقضاء على الأنفاق، التي تمثل الشريان الرئيسي لدخول الارهابيين، مشيراً إلى أن البديل لإمداد غزة بمتطلباتها هو إنشاء منطقة تجارة حرة في رفح.

الردم هو الحل

وقال اللواء نبيل فؤاد الخبير الإستيراتيجي، أن الأنفاق ليست بسيطة كما يتصور البعض، مشيراً إلى أنها تطورت بشكل هائل، لدرجة يمكن تهريب السيارات عبرها، وليس فقط الأغنام أو البضائع البسيطة.
وأضاف فؤاد لـquot;إيلافquot; أن الأنفاق تعمل بالكهرباء وأحياناً تسير فيها قطارات على قضبان حديدية، ومزودة بالإضاءة الجيدة والتهوئة أيضاً ووسائل الإتصال غير المراقبة، ويحصل أصحابها على أموال ضخمة بشكل يومي من تهريب السلاح والإرهابيين والبضائع، وأشار إلى أن عددها يقدر بالمئات وتنتشر في شتى أنحاء سيناء في المنطقة الحدودية مع قطاع غزة، ولفت إلى أن هناك صعوبة بالغة في تتبعها وردمها، نظراً لعدم وجود خرائط بفتحاتها في سيناء، كما أن بعضها موجود داخل المنازل سواء في الجانب الفلسطيني أو في سيناء.

وشدد فؤاد على أنه لا سبيل أمام مصر سوى ردم تلك الأنفاق، لأنها باتت تمثل خطراً شديداً عليها، مع ممارسة ضغوط شديدة على أميركا وإسرائيل من أجل تعديل معاهدة السلام بهدف نشر قوات أكبر في سيناء، حتى يمكنها تعقب الجماعات الإرهابية باستمرار، مشيراً إلى أن المعركة في سيناء ضد الإرهاب قد تستمر لفترة أطول، قد تمتد لأشهر أو حتى سنوات.

إعتداء على السيادة

بينما قال الدكتور نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي والعميد الأسبق لكلية الحقوق جامعة الزقازيق لـquot;إيلافquot; إن الأنفاق تعتبر اعتداء على السيادة المصرية، مشيراً إلى أن حفرها لم يتم بموافقة الحكومة المصرية، ومن ثم فهي تعتبر إختراقاً للسيادة المصرية على أراضيها ويجب التعامل معها بحزم، ولفت إلى أن الأنفاق تعتبر ثغرة كبيرة في الأمن القومي المصري، ولا يجب التهاون فيها، منوهاً بأنها تستخدم في تهريب الأسلحة والمخدرات والعناصر الإرهابية إلى سيناء، حتى انها صارت بؤرة للإرهاب وتجارة المخدرات.

وأكد حلمي أنه طبقاً للإتفاقيات والمعاهدات الدولية فمن حق مصر هدم تلك الأنفاق وتدميرها بما يحمي حدودها ويحفظ أمنها القومي. وقال إن من حق مصر أن تطلب من إسرائيل مراجعة إتفاقية السلام بما يسمح لها بنشر قوات عتاد أكبر لمواجهة الجماعات الإرهابية في سيناء.

نصف مليار دولار سنوياً

فيما يقدر الدكتور محمد نور الدين الخبير الإقتصادي وعضو غرفة التجارة، أن حجم التجارة عبر الأنفاق يصل الى نحو نصف مليار دولار سنوياً، وأوضح لـquot;إيلافquot; أنه يتم تهريب نحو 600 ألف لتر بنزين سنوياً عبرها، إضافة إلى تهريب مواد البناء، معتبراً أن إغلاقها سوف يتسبب في شلل الحياة في قطاع غزة، الذي يعاني من الحصار الشديد منذ عام 2006، يعتمد بشكل كبير على الأنفاق في الحياة اليومية، وإغلاقها يعني تشريد آلاف الأسر في الجانبين التي تعتمد عليها في المعيشة إضافة إلى توقف حركة البناء وإعادة الإعمار في غزة والتسبب في البطالة لآلاف العاملين في هذا المجال.

ولفت إلى أن حكومة حماس في قطاع غزة تدير عدداً كبيراً من الأنفاق، ولكن الغالبية هي تحت سيطرة أشخاص، وربما جماعات إرهابية تعمل في سيناء أو القطاع. وأشار نور الدين إلى أن الأنفاق رغم ما لها من جدوى إقتصادية كبيرة لسكان غزة، فإنها تمثل خطورة كبيرة على مصر بالمقابل، مشدداً على أنه ليس هناك من مفر أمام مصر من هدمها، وأوضح أن منطقة التجارة الحرة التي تدرس الحكومة إنشاءها في رفح سوف تحل أزمة تزويد غزة بالبضائع، وتسيير حياة الفلسطينيين، وبشكل شرعي بعيداً عن الأنفاق التي تعتبر خارج سيطرة الجانبين.