يرى مسلمو فرنسا ومن يمثّلهم، أنّ مجلة quot;شارلي إيبدوquot;الساخرة التي استفزت مشاعر المسلمين بنشرها رسومًا مسيئة للنبي محمّد، كانت تطمح من وراء ذلك الى الدعاية والاشهار لها، وهو ما يبدو أنه تحقّق رغم ضبط المسلمين لأنفسهم واحترامهم للقانون ولدعوات باريس تجنب العنف والتظاهرات.


باريس: خلّفت الرسومات الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة quot;شارلي إيبدوquot; حول الرسول تنديدًا خاصًا من طرف المسؤولين على الشأن الإسلامي في فرنسا ومعهم مسلمو هذا البلد.

وأرجع البكاي مرزاق، عضو المجلس الإداري للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، ما نشرته الصحيفة مؤخّرا الى أهداف تجارية، كما دعا السلطات الفرنسية للمزيد من الصرامة مع quot;شارلي إيبدوquot;، إلا أن هذه السلطات شددت في مناسبات مختلفة على مبدأ حرية التعبير الذي لا يسمح لها بالتدخل في عمل أي صحيفة.

دعاية بالمجان

المشرفون على quot;شارلي ايبدوquot; الفرنسية كانوا محلّ احتفاء الصحافة الدولية

يصف البكاي مرزاق، عضو المجلس الإداري في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ونائب رئيس المجلس الجهوي للديانة الإسلامية لباريس والضواحي في تصريح لـ(إيلاف)، صحيفة quot;شارلي إيبدوquot; بأنها quot;معروفة بعدائها للإسلامquot;، معتبرًا أنها quot;اختارت توقيتاً غير مناسب لنشر هذه الرسومات، لأنها تعرف جيداً نفسية الإنسان العربي وأرادت أن تلعب على ذلك لإشعال الفتنة وصب الزيت على النارquot;.

وهذه القضية، بالنسبة الى عضو المجلس الإداري للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، quot;تجاريةquot;، واعتبر البكاي مرزاق ما قامت به quot;شارلي إيبدوquot; quot;صفقة دعائية بالمجان لهذه الصحيفة عوض أن تخسر عليها الملايينquot;.

موقف رسميّ جيّد وغير كافٍ

ثمّن مرزاق موقف السلطات الفرنسية الذي يراه quot;إيجابيًا لحد ما، حيث اعتبرت أن هذه الرسومات تسيء للمسلمين والإسلام، وجميع مسؤولي الدولة من رئيس الجمهورية والوزير الأول ووزير الخارجية تحدثوا نفس اللغة أفضل بكثير مما كان يحدث في السابقquot;.

إلا أنه يرى أن هذه المواقف غير كافية، وذلك بالقول: quot;إننا نمر بوقت عصيب، الشارع العربي في غليان بسبب الفيلم الاميركي، وفي هذه الظروف يجب أن تتعاطى السلطات الفرنسية بصرامة أكثر مع هذه الصحيفة سواء بمتابعتها قضائيًا أو منعهاquot;، وهو ما لا يمكن فعله في بلد كفرنسا يتمسك بمبدأ حرية التعبير.

تعليقًا على تصريحات زعيمة اليمين المتطرف التي دخلت بدورها على الخط في هذا النقاش الحاد، حيث دعت إلى منع ارتداء الحجاب وquot;الكيباquot; القبعات الدينية التي يحملها اليهود على رؤوسهم، مدعية دفاعها عن العلمانية في فرنسا، يقول مرزاق إن quot;مارين لوبن يمكن وضعها في خانة أقصى التطرف، وهي رتبة تفوق تلك التي توجد فيها quot;شارلي إيبدوquot;، فهي تستغل الظرف الحالي لزرع الخوف في أوساط الفرنسيين، وهذا التصريح يناقض مبادئ الحرية الفردية وغرضها منه الدعاية السياسوية لنفسها ولحزبهاquot;.

دعوى قضائية

قال محمد الموساوي رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إن المجلس يتدارس إمكانية رفع دعوى ضد صحيفة quot;شارلي إيبدوquot; بتهمة quot;إرادة تعمد مهاجمة المسلمينquot;، ويعتقد الموساوي quot;أن الظروف الحالية لا تسمح بالتظاهر في الشارعquot;.

وفي هذا الإطار، دعا المساوي المسلمين الفرنسيين إلى مضاعفة المبادرات التي تسمح بالتعريف برسالة الرسول بدل التظاهر، معتبرًا في الوقت نفسه سخط المسلمين في فرنسا quot;شرعيًاquot;، كما أشار إلى أن quot;هذه الرسومات كانت بمثابة تدخل في أعماق مشاعر المسلمين الدينيةquot;.

وينفي الموساوي أن تكون فرنسا تعرف تزايدًا في عدد المتطرفين في ظل بعض التحذيرات التي تقدم المسلمين كخطر محتمل، حيث أكد أن quot;المتطرفين لا يعيشون إلا في مناخ متوتر ويبدلون كل ما في وسعهم حتى يحصل هذا المناخ ويستمرquot;. موضحًا أن quot;المسلمين في فرنسا أبانوا هذا الأسبوع أنهم قادرون على الإجابة عن هذه الاستفزازات بروية وتبصّرquot;.

quot;شارلي إيبدوquot; كانت تتوقع الغضب الاسلامي

علقت الإعلامية صوفيا المنصوري فوكار على نشر صحيفة quot;شارلي ايبدوquot; لرسومات مسيئة للرسول (ص) بكون هذه الجريدة الساخرة quot;أرادت أن تحجز لها مكانًا في ظل هذا اللغط الذي أحدثه الفيلم المسيء للرسول لكي تسلط عليها الاضواءquot;، معتبرة quot;نشر هذه الرسوم الكاريكاتورية في هذا التوقيت بالضبط في عددين متتابعين هو دفاع من الصحيفة عن مضمون الفيلم المثير للجدل وعن كل ما يمكن أن ينتج أو ينشر عن الرسول والإسلام والمسلمينquot;، على حدّ تعبيرها.

الإعلامية صوفيا المنصوري فوكار

وتضيف المنصوري في تصريح لـ إيلاف أن quot;هيئة تحرير شارلي ايبدو تلتقي مع منتجي الفيلم في أن كليهما خططا للفتنة جيدًا وتوقعا ردود الفعل الإسلامية والعربية الغاضبة، لأنهما يعرفان نفسية العربي المسلم وحساسيته تجاه هذا الموضوع والمكانة المقدسة التي يحتلها الرسول في قلوب المسلمين في كل أرجاء المعمورةquot;.

وتتابع الإعلامية معلقة على عمل شارلي ايبدو بأنه quot;وقاحة مقصودة ومتعمدة للاستفزاز وخلق ردود فعل عنيفة تؤكد المقاربة التي ينظرون بها إلى المسلمين على أنهم لا يقبلون النقد وأنهم أعداء لحرية التعبير وأنهم خطر محدق على قوانين ونظم المجتمعات الغربية، زيادة على أن توقيت نشر هذه الرسوم يصادف النقاش الساخن جدًا حول حق المهاجرين في التصويت في الانتخابات المحلية الفرنسية وهذا يطرح اكثر من سؤالquot;.

نجاح تجاريّ

وإن كانت الصحيفة نجحت في هدفها، تجيب المنصوري قائلة: إنّ الغاية التي حققتها quot;شارلي إيبدوquot; هو ضمان رقم مبيعات ضخم بطبعه لآلاف النسخ نفذت بالكامل في الأسواق، إلا أنها مقابل ذلك لم تخرج المسلمين عن صوابهم. ليس كل الفرنسيين من أصول مسلمة وحتى المسلمون غير الفرنسيين المتواجدون في فرنسا هم دعاة تشدد وتطرف، الكل يحترم نظم وقوانين الجمهورية وحريصون على تماسك المجتمع الفرنسيquot;.

وترى الاعلامية المهتمة بقضايا الهجرة وشؤون الجالية المسلمة أن quot;المسلمين في فرنسا رغم منعهم من حقهم في التعبير عن استهجانهم لما نشر، تعاملوا مع هذه الحادثة بعقلانية واعتدال، حتى أنه عندما قررت الداخلية الفرنسية عدم التصريح للوقفات والتظاهرات المنددة بالرسوم، فإنّ غالبية من كانت لديهم الرغبة في الانضمام الى هذه الوقفات عدلوا عن الخروج التزامًا واحترامًا للقانونquot;.

وتواصل في السياق ذاته:quot;أظن أن مسلمي فرنسا كانوا أكثر انضباطًا من القائمين على quot;شارلي إيبدوquot; إذ تجاوبوا مع نداء رئيس الوزراء الفرنسي الذي دعا الى quot;ضبط النفس والتحلي بروح المسؤوليةquot;، ثم لا ننسى أن غالبية المسؤولين الفرنسيين والجمعيات الفرنسية استهجنوا هذه الرسوم وتوقيتها وهذا في حد ذاته انتصار لمسلمي فرنسا وللفرنسيين الداعين الى الأخوة والمساواة، وصفعة لصحيفة quot;شارلي إيبدوquot; التي أرادت أن تحقق شهرة على حساب حرية الصحافة والتعبير التي تستخدمها فزاعة ودرعا متى شاءتquot;.

وعادت بنا المنصوري إلى سنة 2008 متحدثة عن quot;عزل إدارة المجلة لرسام الكاريكاتير الفرنسيquot; سينيتquot; بتهمة معاداة السامية لنشره رسمًا كاريكاتوريًا لنجل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزيquot;، وتساءلت: quot;متى تتوقف شارلي إيبدو ومن يدور في فلكها عن سياسة الكيل بمكيالين تجاه المسلمينquot;.