المرزوقي والغنوشي

يبدو مسار الديمقراطية في تونس محفوفًا بالكثير من المخاطر، أوّلها وأعنفها صراع مرير بين الرئيس منصف المرزوقي ورئيس حزب النهضة راشد الغنوشي الذي يؤكد صعوبة قمع الحركة السلفية الصاعدة في البلد، ما يهدد بإجهاض ثورة الياسمين وإنجازاتها.


بيروت: تعيق تحديات وأزمات عديدة مسار تونس نحو الديمقراطية، والمثال الأوضح على ذلك كان اقتحام مئات المتظاهرين الغاضبين في 14 ايلول (سبتمبر) مقر السفارة الأميركية في تونس ورفع علم تنظيم القاعدة احتجاجاً على عرض فيلم quot;براءة الإسلامquot; المسيء للرسول.
في ظل هذا التخبط، تبادل الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ورئيس حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي الاتهامات المريرة بينهما، إذ يوجه كل منهما إصبع الاتهام نحو الآخر لمسؤوليته عما وصلت اليه البلاد وتنامي نفوذ التيار السلفي.

اعترف المرزوقي بأنه ناشد الغنوشي قمع التيار السلفي المتصاعد، لاسيما بعد أشهر من شنه هجمات واعتداءات على نساء وتخريب أعمال فنية. لكن الأخير لم يحرك ساكناً على اعتبار ان quot;الحكومة تتطلع الى بناء علاقات جيدة مع السلفيين، فهذا هو عام حاسم ولا بد من إبقاء المشاكل حتى يحين موعد الانتخاباتquot;.
رداً على ذلك، قال الغنوشي ( 71 عاما) إن الخيارات المتاحة أمامه لجهة قمع الحركات السلفية ليست سهلة على الإطلاق.

في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;تايمquot; الأميركية إلى أن المعركة السياسية بين الغنوشي والمرزوقي قد يتخللها صراع دستوري آخر حول تطبيق النظام الرئاسي في البلاد على غرار ما يحدث في الولايات المتحدة وفرنسا، أو جعله نظاماً برلمانياً مثل بريطانيا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى.
ويرى المرزوقيأن الاعتداءات الأخيرة على مقر السفارة التونسي تبرز الحاجة الملحة لرئيس قوي يتمتع بنفوذ وصلاحيات محورية، في حين يحبذ الغنوشي أن يكون الرئيس رمزاً لدولة موحدة معتبراً أن الاستبداد والطغيان توغلا داخل تونس من خلال النظام الرئاسي.

وأشارت الـ quot;تايمquot; إلى عدة قضايا تثير جدلاً وانقساماً حاداً في تونس، فهناك فئة تتطلع الى بسط نظام إسلامي صارم، وفئة أخرى تخشى من أن يعمد هكذا نظام محافظ إلى قمع الحريات وإلغاء بعض أوجه العلمانية مثل حرية التعبير، المس بحقوق المرأة، إلى جانب إحداث تغييرات جذرية في هذه البلاد التي تنتج النبيذ الفاخر وتسمح بارتداء ثوب السباحة (البيكيني) على الشاطئ؟
الصراع بين المرزوقي والغنوشي من شأنه أن يقرر مصير الديمقراطية الناشئة في تونس، بوصفها مهد ثورات الربيع العربي. والنتائج قد تكون كارثية فالمرزوقي ذو الانتماء الليبرالي والغنوشي صاحب المرجعية الإسلامية متشبثان برأيهما بشأن تحديد المسار الأمثل للديمقراطية الوليدة في بلادهم بعد اندلاع ثورة الياسمين، والخيار واحد من اثنين: إما دولة إسلامية محافظة أو أخرى تحتضن المبادئ والحريات على طريقة الديمقراطيات الغربية.
وأشارت المجلة إلى حوار أجرته مع الرئيس التونسي منصف المرزوقي يؤكد فيه أن بلاده تعد بمثابة quot;مختبر لثورات الربيع العربيquot;، مشدداً على أهمية نجاح ثورة الياسمين وإقامة دولة ديمقراطية حديثة مستقرة.

وانتقد الرئيس التونسي حال العنف والاضطرابات على خلفية الاحتجاجات التي اجتاحت المدن التونسية إثر عرض فيلم quot;براءة الإسلامquot; قائلاً إن quot;الفوضى هي ما يريده السلفيون وستكون كارثة على العالم العربي بأسرهquot;.
واعتبرت الـ quot;تايمquot; إلى أن لقاء المرزوقي ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بمثابة فرصة سانحة أمام الرئيس التونسي للتعبير عن مخاوف بخصوص هذا الشأن إضافة إلى خطابه المقرر اليوم الخميس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ليوجه رسائله إلى نطاق أوسع من الجمهور.