يستمر التراشق الاعلامي حادًا بين علي عبد الكريم علي، السفير السوري في لبنان، والوزيروائل أبو فاعور، وزير الشؤون الاجتماعية، على رسالتين سوريتين لأبو فاعور تتهمانه باستغلال أوضاع النازحين المأسوية لأغراض سياسية مناهضة للدولة السورية.


بيروت: نقل عن وزير الشؤون الاجتماعية أبو فاعور اليوم قوله إن الرسائل السورية التي يتبلغها تباعًا quot;مقدمة لإرسال عبوة من الحكومة السورية لاستهدافيquot;.
إلا أن الوزير أبو فاعور نفى في بيان التصريح المنسوب إليه، quot;الذي جاء فيه أنه يعتبر الرسائل السورية مقدمة لإرسال عبوة لاستهدافهquot;، وأكد أنه لم يدل بأي تصريح في هذا الصدد لأي وسيلة إعلامية.
هذا التصريح ونفيه أعادا إلى الواجهة سجالًا مستمرًا بين أبو فاعور والسفير السوري علي عبد الكريم علي، بسبب رسالتين تبلغهما الوزير من السفير عبر وزارة الخارجية، يتهم فيهما أطرافًا لبنانيين بدعم مناهضي النظام السوري، خصوصًا أن أبو فاعور ينتمي إلى الحزب التقدمي الاشتراكي وجبهة النضال الوطني، اللذين يتزعمها النائب وليد جنبلاط، المعروف بمجاهرته مرارًا بعدائه للأسد وتأييده الثورة السورية.

الرسالة الأولى

في منتصف شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، تبلّغت وزارة الخارجيّة اللبنانيّة رسالة من السفارة السوريّة، تتهم فيها جمعيّات سلفيّة متطرفة بابتزاز مواطنين سوريين هاربين من إرهاب جماعات تكفيريّة، على حد تعبيرها.
واشارت إلى أن هذه الجمعيّات تبتز المواطنين السوريين quot;مستغلة أوضاعهم المادية المتردية من أجل تنفيذ أجنداتها الخاصة، وذلك من خلال اشتراطها عليهم معاداة الدولة السورية والإشهار بذلك العداء وإعلانهم الانتماء إلى الجماعات المعارضة، مقابل مساعدتهم في الحصول على المعونات الإنسانية عن طريق المفوضية العليا لشؤون اللاجئينquot;.

حينها، عقد أبو فاعور مؤتمرًا صحافيًّا ردّ خلاله على مزاعم الرسالة السورية، مؤكدًا افتقارها إلى الصحة، ولافتًا إلى أن القسم الكبير من الهاربين إلى لبنان quot;يهربون من إجرام النظام، وليس مما يسميه إرهاب الجماعات المسلحة التكفيريةquot;.
ورأى أبو فاعور أن اتّهام المفوضيّة هو اتّهام لوزارة الشؤون الإجتماعيّة، موضحًا أن التكليف المعطى لوزارته quot;هو فقط بإعداد خطة إغاثية يتكامل مع عمل ووزارات الشؤون والصحة والتربية والهيئة العليا للاغاثة، وقد أعدت هذه الخطة وتم تبنيها من قبل اللجنة الوزارية المكلفة، ورفع الأمر في اجتماع الجهات المانحةquot;.

المحرّض يعرف الحقيقة

وضع أبو فاعور الرسالة في خانة التحريض السياسي، وأكد أن الوزارة تتعامل quot;مع كلّ نازح سوري وصل إلى لبنان نتيجة أوضاع معينة اضطرارية، وبالتالي التعامل لا يكون من خلال رأيه السياسي وفرض أي أجندة سياسية عليهquot;.
اضاف: quot;من زار السفير السوري وحرّضه وحثّه يعرف فعليًا ما يحصل ونوعية تدخل وزارة الشؤون الإجتماعية وغيرها من الوزارات، ويعرف أن هذه الإتهامات غير حقيقية، وأرى أنها ليست موجهة إلى وزارة الشؤون الإجتماعيّة فقط، بل إلى الدولة اللبنانية وما تقوم به في هذا الملفquot;.
كما رفض أبو فاعور أن يتجرأ أي سفير كان quot;على اتهام أو انتقاد أو التجريح بأي من الوزارات أو الوزراء أو الإدارات اللبنانيّة، خصوصًا إذا كان هذا السفير هو ونظامه مسؤولين عن كل هذه المأساة التي تحصلquot;.

تجاوز المعايير

واتى رد علي على كلام أبو فاعور في حديث تلفزيوني، طلب خلاله إخضاع ما صدر عن أبو فاعور quot;للتدقيق وخاصة اللغة التي تتجاوز المعايير في التخاطب بما يخص دولة شقيقة تربطها علاقة اخوية واتفاقات ناظمة بين البلدين، كما أن إشهار مواقف يمكن وصفها بالعدائية تجاه سوريا يتناقض مع العلاقة الاخوية بين البلدين والاتفاقيات الموقعة بين البلدين والدستور اللبنانيquot;.
وتمنى علي التعامل مع قضية النازحين السوريين إلى لبنان quot;بالمنطق الاغاثي والانساني، وأول هذه المعاملة يجب أن يكون بوقف التحريض وقلب الحقائق الذي تقوده وسائل إعلامية وتخطط له قوى دوليةquot;.

الرسالة الثانية

إلا أن رسالة سورية ثانية وصلت إلى أبو فاعور، تبلغها عبر وزارة الخارجية، من علي نفسه، تضمنت مزيدًا من الإتهامات لوزارة الشؤون الاجتماعية في ملف النازحين السوريين إلى لبنان، أعلن عنها أبو فاعور أثناء زيارته النائب بهية الحريري في صيدا، في 28 كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
وقال إن السفير علي quot;يتمادى في هذا الأمر الذي لا يمكن أن يؤثر في عملنا مع النازحين، لأنه عمل انساني وأخلاقي، ولا يمكن أن يتأثر بأجواء الشغب أو أجواء الاثارة التي يقوم بها البعضquot;، مؤكدًا أن الطيف الواسع من الحكومة اللبنانية مستاء من تصريحات السفير السوري الاتهامية في ملف النازحين.
أضاف:quot;يكفينا موقف فخامة رئيس الجمهورية الذي نعتبره الفيصل في الرد على اتهامات السفير السوري وغيرها من الاتهامات، وما استطيع تأكيده هو أننا لا نحتاج في هذا الأمر إلى أن نثير خلافًا اضافيًا حول قضية النازحين، فهذه القضية فرضت نفسها على اللبنانيين كما فرضت نفسها على السوريين كما فرضت نفسها على المهجر الفلسطيني او النازح الفلسطيني من سوريا، ويجب التعامل معها بمنطق الدولة لا بمنطق تقاذف المسؤوليات، ولا بمنطق اثارة الغرائز ولا بمنطق إثارة الحملات السياسيةquot;.

تحامل غير مبرر

إلى جانب الموقف الداعم الذي أبداه رئيس الجمهورية ميشال سليمان مرارًا لجهود أبو فاعور، ظهر موقف داعم آخر له من جانب نجيب ميقاتي، رئيس مجلس الوزراء اللبناني.
فقد ترأس ميقاتي الأربعاء إجتماعًا وزاريًا لبحث موضوع النازحين السوريين في السرايا الحكومي، شارك فيه ابو فاعور، ووزير الداخلية والبلديات مروان شربل، ووزير الدفاع الوطني فايز غصن، ووزير التربية والتعليم العالي حسان دياب، ووزير الصحة العامة علي حسن خليل، والأمين العام للهيئة العليا للاغاثة ابراهيم بشير.
في بداية الجلسة، أكد ميقاتي أن الحكومة اللبنانية فصلت منذ اليوم الأول لبدء الأزمة السورية بين الموقف السياسي باتخاذها سياسة النأي بالنفس، وبين الموقف الانساني عبر الاسراع في تقديم المساعدات المطلوبة للنازحين السوريين، حتى قبل أن تبدأ المنظمات والهيئات الانسانية الدولية عملها.
أضاف: quot;لم تميز الحكومة اللبنانية، بكل وزاراتها وأجهزتها، في تعاطيها مع هذا الملف بين معارض للنظام السوري أو موال له، بل تعاطت مع الملف من منطلق إنساني بحت وبما تمليه الأصول والاعراف الانسانية، وبالتالي فإن إدخال هذا الملف في دائرة التجاذب السياسي واستهداف أي وزارة او جهة لبنانية رسمية يشكل تحاملًا غير مبرر وتجنيًا غير مقبول، من شأنه أن يترك إنعكاسات سلبية على ملف النازحينquot;.

حقد دفين

استغل نضال طعمة، النائب عن تيار المستقبل، الرسائل السورية هذه ليهاجم الحكومة، فقال في حديث صحافي: quot;ها هي حكومتنا تتفرج على سفير يهين وزيرًا فيها، وتركت وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور يواجه تدخلًا من قبل السفير السوري الذي يسمح لنفسه، مرارًا وتكرارًا، بالتدخل في شؤوننا الداخلية، حتى أنه يريد أن يعلم الوزراء عملهم، وكأنه ما زال يعيش في عهد الاحتلال والتسلط البائدquot;.
أضاف: quot;إننا نؤيد الوزير أبو فاعور في ضرورة تجنيب موضوع النازحين التجاذبات السياسية، لكننا نقول للحكومة إنها تأخرت كثيرًا، وإهمال موضوع إنساني بهذا الحجم لا يعبر عن حقيقة هوية لبنان الحضاريةquot;.
مقابل الموقف الرسمي ومواقف 14 آذار خلف أبو فاعور، قال العميد مصطفى حمدان، أمين الهيئة القيادية في حركة quot;المرابطونquot; المؤيدة لسوريا، في حديث صحافي إن quot;تطاول الوزير وائل وهبي أبو فاعور على سعادة السفير السوري علي عبد الكريم علي يسيء إلى أهلنا في سوريا العربية ويناقض سياسة النأي بالنفس ودفن الرؤوس في التراب التي ينتهجها النائب وليد جنبلاطquot;.
وتساءل حمدان عن هذه النخوة المزيفة أمام السفير علي، قائلًا: quot;أما الاتهامات والكلمات النابية بحق الجمهورية العربية السورية فهي نابعة عن حقد دفين وعقدة النقص عند أبو فاعور يوم كان مندوبًا صغيرًا عند رتباء المخابرات السورية والتي لم يصل على الرغم من كل جهوده في كتابة التقارير إلى الارتقاء ليكون مندوبًا لضباط نظام الوصاية السوريةquot;.