لا تحظى حرب هولاند في مالي بشعبية في استطلاعات الرأي، وينظر إليها فرنسيون كثر على أنها السبب في تدهور الاقتصاد الفرنسي، ما يضع الرئيس الفرنسي في وضع حرج.


بشكل مفاجئ، تدخلت فرنسا عسكريًا في مستعمرتها السابقة مالي، لاحتواء الجماعات الإسلامية التي سيطرت على شمال الصحراء، فشكل تدخلها مفترق طرق هامًا. حتى الآن، كان الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند، يخطط لدور أكثر دهاءً لقواته في غرب أفريقيا، ولعبت باريس دورًا رئيسًا في اصدار قرار الأمم المتحدة الأخير باستعادة النظام في مالي.

لكن الخطة كانت تنص على أن قوات غرب أفريقيا تقود الحملة في أيلول (سبتمبر) الماضي، فيما تقوم القوات الأوروبية بتدريب الجيش المتنازع عليه في مالي.

في أروقة وزارة الخارجية الفرنسية، يؤكد ديبلوماسيون فرنسيون أن القوات الفرنسية لا تستطيع قيادة خط المواجهة مع الاسلاميين، فباريس حريصة على التخلص من العباءة الاستعمارية السابقة عن طريق الحفاظ على دور رزين في أفريقيا.

لكن بعد الصفعة التي تلقاها جيش مالي على يد المتمردين، وترك المسار مفتوحًا إلى العاصمة باماكو، أرسلت فرنسا مقاتلاتها و قواتها البرية إلى مالي.

موجة جهادية

أوضح هولاند بحذر بالغ أن لبلاده ولاية قانونية دولية للتدخل، بدعم من الأمم المتحدة، طالبًا المساعدة من الرئيس المحاصر في مالي. ووصف وزير الدفاع الفرنسي هذه الحملة بأنها حرب ضد الإرهاب، لا سيما وأن تفكك مالي سيؤدي إلى موجة جهادية تشكل تهديدًا دوليًا كبيرًا، وهذا ما لا تستطيع فرنسا تجاهله.

لكن فرنسا تعرف حجم المخاطرة التي يحملها التدخل في مالي. فمنذ نهاية الحكم الاستعماري، اتُهم الإليزيه بالتأثير على البلاد من أجل التأكد من السيطرة على أموال النفط ودعم الزعماء الذين تتوافق رؤيتهم مع مصالح فرنسا التجارية في نظام ركيك يعرف بالفرنسي الأفريقي Franccedil;afrique. فأهوال رواندا والذكرى المريرة التي تحتفظ بها مالي منذ خطاب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في داكار في العام 2007، عندما قال إن أفريقيا لم تدخل التاريخ أبدًا، ما زالت تلقي بظلالها على البلاد، على الرغم من أن هولاند تعهد بأن تلك الحقبة قد انتهت عندما تم انتخابه.

وكانت فرنسا الدولة الأوروبية الوحيدة التي لا يزال لها وجود عسكري دائم في أفريقيا من خلال قواعد عسكرية كبيرة، وتسعى إلى تعزيز دورها كشرطية في المنطقة.

وصمة هولاند

يقول المراقبون إن التدخل الفرنسي في مالي يمكن أن يغيّر صورة هولاند السياسية. فهذه الخطوة لا تحظى بشعبية في استطلاعات الرأي، وينظر إليها كثر على أنها السبب في تدهور الاقتصاد الفرنسي، ما يضع الرئيس الفرنسي في وضع حاسم. وقالت صحيفة لو باريزيان: quot;إذا كانت ليبيا وصمة عار ساركوزي، فإن مالي ستكون وصمة هولاندquot;.

لا يخلو التدخل العسكري في مالي من المخاطر بالنسبة إلى هولاند، لا سيما وأن من المرجح أن يلقي التحية على عدد كبير من النعوش الملفوفة بالعلم الفرنسي، خلافًا للتدخل العسكري الفرنسي في ليبيا الذي لم يؤدِ إلى مقتل أي من جنودها. فاليوم الأول للتدخل في مالي شهد إسقاط طائرة هليكوبتر فرنسية ومقتل قائدها.

هذا يقدم أدلة واضحة على أن المتمردين في مالي أفضل تسليحًا من المتمردين في ليبيا، كما يسيطرون على مساحة أكبر من أفغانستان، ويملكون خبرة في القتال أكثر من الجيش الذي قاتل إلى جانب معمر القذافي.
الخسائر في صفوف المدنيين عامل رئيس، فإن هناك ثماني رهائن فرنسيين تحتجزهم جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة في المنطقة. كما تم رفع مستوى المخاطر الإرهابية على الأراضي الفرنسية إلى الحد الأقصى.

تأثير داخلي

الهدف الفرنسي حاليًا هو إبعاد المتمردين وصدهم عن العاصمة المالية، في حين تستعد قوة مشتركة من قوات غرب أفريقيا لحملة استعادة الشمال.

وحتى الآن، تمتع قرار هولاند بالتدخل العسكري بالدعم التقليدي من الأحزاب الفرنسية، على الرغم من المشككين مثل جان لوك ميلينشون اليساري.

وحذر دومينيك دو فيلبان، الذي قاد معارضة العالم لحرب العراق في العام 2003، من تداعيات الحرب على فرنسا، مشيرًا إلى الفوضى السياسية التي خلفتها الحرب في أماكن مثل العراق.

لكن الأكثر ضررًا من ذلك كله هو تأثير الحرب في مالي على الداخل الفرنسي، واحتمال مقتل عدد لا بأس به من القوات الفرنسية، كما قال ديبلوماسي فرنسي الشهر الماضي عندما أشار إلى أن quot;أي تحرك عسكري فرنسي في مالي سيكون ثقيلًا، مرهقًا، ومختلفًا عن دور حفظ السلام الذي تعودنا عليه في أماكن أخرى في أفريقياquot;.