أتى الاخضر الابراهيمي خلفًا لكوفي عنان يحاول التوصل إلى تسوية للأزمة السورية، لكنه يراوح مكانه منذ خمسة أشهر، على الرغم من أنه حاول الاستفادة من أخطاء سلفه. وهو يفكر يوميًا في ترك مهمته.
استقال كوفي عنان، مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لسوريا، بعد مرور أقل من ستة أشهر على تسلمه المهمة. ومع دخول مهمة سلفه الأخضر الابراهيمي شهرها الخامس، لا يعرف إذا كان سيستمر في مهمته لوقت أطول. فقد اعترف الإبراهيمي أنه يفكر يوميًا بالاستقالة، بعدما مرّ خلال الأسابيع القليلة بأيام غير سارة، بلغت ذروتها في اشتباك كلامي علني مع الرئيس السوري بشار الأسد.
وعلى الرغم من أن فرصته بتدبير اتفاق سلام بين الأطراف المتناحرة في سوريا تبدو ضعيفة، إلا أنه لا يجدر به أن يستقيل الآن.
خالف عنان
كان عمل الإبراهيمي كمبعوث سلام إلى سوريا مخالفاً تمامًا لعمل عنان. فالامين العام السابق للامم المتحدة بدأ جهوده علنًا، وانتقل بسرعة إلى وضع خطة سلام رسمية. لكنه انكمش تدريجيًا من دائرة الضوء مع مرور الوقت، بعدما اتضح له أن الخطة لن تمر، مهاجمًا الغرب وروسيا بشأن دورهم في الأزمة، واستقال في آب (أغسطس) 2012.
على نقيض ذلك، بدأ الإبراهيمي بهدوء متعمد، متجنبًا التصريحات العلنية السلبية، على الرغم من أن فشله في إدانة الأسد في وقت مبكر جعل الثوار يشتبهون في نياته.
حاول مبعوث السلام استكشاف بدائل لخطة عنان الأساسية: وقف إطلاق النار، تليه محادثات بشأن انتقال السلطة، لكنه لم يتمكن من إيجاد أي بديل مقنع. وكانت مناورته العلنية الأولى محاولة لترتيب وقف لإطلاق النار في تشرين أول (أكتوبر) 2012.
وبعد فشل الخطة، تراجع من جديد إلى الديبلوماسية الهادئة، وأطلق مفاوضات مفتوحة مع المسؤولين الاميركيين والروس.
نتائج عكسية
يعتقد بعض المراقبين أن هذه المحادثات هي دليل على اليأس الديبلوماسي. حاول عنان جذب تعاون الروس، بدعم من الولايات المتحدة، من دون تأثير يذكر. ففي حين سعى عنان لإقناع موسكو بتوقيع خطة تنص على انتقال السلطة في سوريا، كانت نيات الإبراهيمي أكثر غموضًا، إذ أمل في إنشاء إطار للمحادثات أكثر جدية بين موسكو وواشنطن، وفي جعل روسيا تعيد النظر في موقفها السابق والتفكير في ما ستكون الأمور عليه في حال سقوط نظام الأسد.
في الشهر الماضي، بدا من الممكن أن هذه اللحظة ستكون في متناول اليد، في ظل التقارير التي تشير إلى أن موقف روسيا قد بدأ في التحول ضد الأسد. وبدأ الإبراهيمي في الاتجاه نحو الأسلوب العلني، في زيارات علنية وبتغطية إعلامية كبيرة إلى دمشق، مقترحًا إجراء محادثات انتقالية جديدة تحت مراقبة قوية، تؤمنها قوة جديدة لحفظ السلام للأمم المتحدة وموسكو. لكن نتائج هذا الأسلوب كانت عكسية، إذ قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي مشترك مع الإبراهيمي إن روسيا لن تساعد على إبعاد الأسد بالقوة عن السلطة.
سبب للتنحي
قتل خطاب الأسد الأخير في 6 كانون الثاني (يناير) فعليًا جهود الابراهيمي، مستبعدًا مناقشات جادة للانتقال للسلطة، وتقديم مقترحات غير واقعية من أجل السلام وفقًا لشروط النظام.
فعلى الرغم من أن الابراهيمي بدأ ولايته بطريقة معاكسة ومختلفة عن عنان، إلا أنه وقع في الفخ ذاته الذي وقع فيه سلفه، أي الإعلان عن خطة سلام والوقوف عاجزًا لمشاهدتها تفشل.
لكن هذا أعطى الإبراهيمي حرية التعبير عن رأيه، إذ قال إنه لا يرى مستقبلًا للاسد على المستوى السياسي، ما يراه العديد من المراقبين سبباً مقنعاً للتنحي.
لكن لا تزال هناك أساليب يمكن أن تفيد على طريق الحلحلة في سوريا، أولها تعزيز قنوات التواصل مع الولايات المتحدة وروسيا. فعندما تحين الهزيمة النهائية للأسد، ستكون موسكو وواشنطن بحاجة لتنسيق ردودهما العامة والتشغيلية في كل شيء، ابتداء من المساعدات الإنسانية إلى الأسلحة الكيميائية.
في موازاة ذلك، ينبغي أن يضع الإبراهيمي وفريقه خطط طوارئ للتعامل مع القوى الإقليمية في أعقاب سقوط الأسد. فمن المرجح أن يتشكل مصير سوريا بناء لنظرة تركيا وقطر والسعودية وغيرها من داعمي الثوار.
فإن تمكنت هذه الدول من إقناع المقاتلين بضبط النفس، قد تلوح فرصة للتفاوض على تسوية ما بعد الأسد. أما إذا ما فشلت هذه الدول في إدارة مرحلة ما بعد الأسد، ستتحول سوريا إلى صومال آخر، كما حذر الابراهيمي مرارًا وتكرارًا.
استعادة الثقة
على الإبراهيمي أن يستعد لاستخدام شبكة اتصالاته الإقليمية لاستحداث استجابة ديبلوماسية منسقة، وللقيام بمهمة غير سارة، وهي زيارة ايران في محاولة لتقييم رد فعلها على سقوط الاسد.
أما المهمة الأخيرة للإبراهيمي، فهي شخصية أكثر منها سياسية، إذ عليه التفكير في سبل لاستعادة ثقة الشعب السوري المهشمة في الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من فشلها في الاستجابة بفعالية للحرب الطاحنة في البلاد، إلا أن الامم المتحدة - جنبًا إلى جنب مع منظمات أخرى مثل البنك الدولي وجامعة الدول العربية ndash; ستلعب دورًا رئيسيًا في إعادة بناء سوريا من ناحية المساعدات الإنسانية، وإعادة الإعمار، وقوات حفظ السلام ربما.
أما في حال كانت الأمم المتحدة غير قادرة على الاستجابة بسرعة وفعالية في أعقاب سقوط الأسد، إلا أنها قد تساعد في تجنب انهيار عام في البلاد، وبما تعوض فشلها الذريع في حماية سوريا من الحرب الأهلية.
التعليقات