زرع تقدم الإسلاميين في العواصم الأفريقية الخوف في نفس الولايات المتحدة الأميركية، من الخطر التي تشكله هذه الجماعات على الغرب.


بيروت: تنظر الولايات المتحدة الأميركية إلى مسلحي مالي على أنهم تهديد مستقبلي غامض، وتعمل بالتعاون مع المسؤولين في واشنطن وباريس والعواصم الإفريقية، على وضع خطط عسكرية من أجل طرد الإسلاميين خارج البلاد، لا سيما بعد إقامة المسلحين الإسلاميين قاعدة لهم في صحراء شمال مالي.
اتفق الأطراف على مبدأ واحد، هو أن القوات الأفريقية ستقاتل حصراً في مالي، من دون تدخل جنود أوروبيين أو أميركيين.

هجوم فرنسا فجر الأحداث

المفاجأة الفرنسية بالهجوم على المسلحين من أجل الحد من تأثير تقدم الإسلاميين، قلب هذه الخطط، وفجّر سلسلة متتالية من الأحداث، بلغت ذروتها في هجوم للمسلحين على حقل للغاز يشغله الأجانب في الجزائر، ما اعتبر تهديداً بتوسيع نطاق العنف في تلك المنطقة الفقيرة، ويجر الحكومات الأفريقية للغوص بشكل أعمق في مكافحة بداية التمرد.
حتى الآن، يغطي تدافع الأحداث على حقيقة أن المسؤولين في واشنطن لديهم انطباعات بأن الجماعات المسلحة قد أنشأت ملاذاً آمناً لها في مالي، وينقسمون حول ما إذا كانت بعض هذه الجماعات تمثل تهديداً للولايات المتحدة أم لا.

تخوف من ردود فعل الاسلاميين

إلى جانب ذلك، رفع وضع الرهائن بالجزائر من مخاوف الكثيرين من أن التدخل العسكري الغربي قد يحوّل الجماعات المسلحة التي كانت يوماً تركز نشاطاتها في المجال الإقليمي، ويدفعها إلى استهداف الولايات المتحدة، مما يعني أن رد فعل هذه الجماعات سيكون أسوأ بكثير من التهديد الذي تشكله في الوقت الحالي.
بناء على هذه المخاوف والأسباب، تبنت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إستراتيجية خلال العام الماضي تعتمد على احتواء المسلحين في مالي إلى أن تكون القوات الإفريقية قادرة على مواجهتهم، بدلاً من الاصطدام معهم بشكل مباشر بحملة عسكرية أميركية تتضمن غارات الطائرات بدون طيار أو هجمات القوات الخاصة.

أميركا تدعم فرنسا في مالي

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية لقيادة أفريقيا روبرت فيرمان إن بلاده بدأت بالفعل بدعم العملية العسكرية التي تقوم بها القوات الفرنسية في مالي، وتعمل على تزويدها بالمعلومات، وتنظر حالياً في خيارات أخرى، مشيراً إلى أنها تدرس جميع السيناريوهات وستتخذ قرارات بشأنها في وقت قريب.
وأضاف أن وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا تحدث عن أمور إدارية وعمليات نقل جوي وإمكانيات تزويد الطائرات المقاتلة الفرنسية بالوقود جواً، كما شدد على أن تنظيم القاعدة في غرب أفريقيا وخاصة في مالي، يشكل هاجساً كبيراً بالنسبة للولايات المتحدة، لأن قوة هذا التنظيم تتزايد بشكل مضطرد، مما يجعل واشنطن حريصة على ألا تسمح لها أو لمنظمات أخرى بأن تجد ملاذاً آمناً في مالي.

وكانت القوات الفرنسية بمشاركة قوات من الجيش المالي، قد بدأت بالقتال البري المباشر ضد المتمردين في مدينة ديابالي التي تقع على بعد 400 كيلومتراً من باماكو عاصمة مالي. وقالت فرنسا إن قواتها على الأرض ستبقى بعيداً عن القتال إلى حد بعيد، من أجل الحد من تدخلها في مالي والاكتفاء بالهجمات الجوية على الخطوط الأمامية وقصف مواقع المتشددين الحصينة في الشمال.
وفقاً لمسؤولين حاليين وسابقين في الحكومة الأميركية، وضع الجيش مجموعة من القواعد الصغيرة في أفريقيا مخصصة لبعثات المراقبة الجوية وطائرات الدفع التوربيني المصممة لتبدو وكأنها طائرات مدنية. وتقع واحدة من القواعد الرئيسية المستخدمة للبعثات في مالي في مدينة واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، وفقاً لأحد المسؤولين.

لكن بعثات المراقبة في شمال مالي لم تقدم سوى أثر محدود، إذ أن الزعماء الاسلاميين حظروا استخدام الهواتف المحمولة، وأغلقوا مقاهي الإنترنت وأبراج الخليوي في محاولة لعزل المنطقة عن العالم الخارجي، مما جعل من مهمات الاستخبارات أو التصنت واعتراض الاتصالات الإلكترونية انجازات ضئيلة ونادرة في السنوات العشر الماضية.
حتى يوم الجمعة الماضي، كان السؤال الرئيسي هو عما إذا كان خطر المتشددين في مالي جاداً بما يكفي لتبرير التدخل العسكري. أما الآن فتغير سياق هذا النقاش وأصبح السؤال الحقيقي quot;ماذا نفعل الآن بعد ان تدخلناquot;؟