كان من المفترض أن تكون الحملة العسكرية الفرنسية في مالي سهلة وسريعة، توقف تقدم الاسلاميين وترغمهم على العودة إلى الشمال، بهدف كسب الوقت. لكنّ الحملة تحولت عملية عسكرية ودبلوماسية معقدة إلى درجة أن البعض يقارنها بما حدث في فيتنام أو أفغانستان.


لميس فرحات من بيروت: التدخل العسكري في مالي لردع تقدم الجماعات الإسلامية ليس بالأمر الهين، كما تصوره الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.

بعد مرور ساعتين على استغاثة حكومة مالي، قرر الرئيس الفرنسي إرسال طائرات حربية وقوات برية لمساعدة جيش مالي ومنع الجماعات الإسلامية من السيطرة على العاصمة.

سيناريو فيتنام ؟

كان من المفترض أن تكون العملية سهلة وسريعة، وتقتصر على أن تعمل القوات الفرنسية على وقف تقدم الجماعات وإرغامهم على العودة إلى شمال مالي، بهدف كسب الوقت إلى حين يتم نشر قوة أفريقية لإعادة استقرار الوضع.

لكن هذه الحملة الواضحة والسريعة تحولت إلى عملية عسكرية وديبلوماسية معقدة إلى درجة أن أحد نقاد هولاند اعتبر أنها شبيهة بما حدث في فيتنام أو أفغانستان.

مبادرة هولاند ودعم الحلفاء

لطالما عُرف عن هولاند تردده في إقحام بلاده في مهام في غاية الصعوبة، لا سيما في الوقت الذي يقاتل فيه للحفاظ على وحدة البلاد المنقسمة بالفعل على خلفية العديد من القضايا، ولإعادة إحياء الحكومة الداخلية التي لا تتمتع بدعم شعبي يمكن الاعتماد عليه.

اليوم، يعتقد المراقبون أن القلق والخوف من تحول مالي إلى صومال آخر دفعا فرنسا إلى التدخل عسكرياً في مالي، كما دفعا المنطقة بأسرها - ومن بينها الجزائر - إلى دعم هذا التدخل الذي يحظى أيضاً بدعم مجلس الأمن الدولي.

يشار أيضاً إلى أن المبادرة الفرنسية لاقت أيضاً دعماً عريضاً من الحلفاء مثل الولايات المتحدة وبريطانيا التي أرسلت طائرات حربية لمساعدة جهود التدخل في مالي.

وكان من المفترض أن تمارس فرنسا دوراً مدنياً واسع النطاق، من دون الانضمام إلى القتال وإرسال قوات برية لأن هذا الدور يجب أن يكون محصوراً بالجيش المالي والقوات الأفريقية من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

اقتنع الأميركيون أخيراً بالمخاوف الفرنسية في أيلول/ سبتمبر الماضي، لكن كانت لديهم شكوك إزاء مدى سهولة طرد الاسلاميين شمال مالي.

بدورهم، أطلق المتمردون حملتهم في الجنوب مما دفع فرنسا إلى التدخل بشكل فردي، بقوة يبلغ عدادها 1800 جندي من مجموعة متوقعة تصل إلى 2500 جندي، فيما يصر مسؤولون فرنسيون على أن بلادهم لا تحتاج إلى مساعدة على أرض الواقع.

واشنطن تتحرّك

على الرغم من ذلك، تشعر واشنطن بضرورة التحرك بسرعة أكبر من خلال عملية مشتركة لتوفير طائرات استطلاع وطائرات النقل الجوي والتزويد بالوقود، في الوقت الذي انتقلت فيه بريطانيا للمساعدة من خلال توفير طائرتي C-17 من أجل نقل القوات والمعدات.

يوم الجمعة، قدّم رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون دعم بلاده الصريح لفرنسا والدعم الضمني من واشنطن وحلفائها الاوروبيين لبذل المزيد من الجهود في غرب أفريقيا لمحاربة الإرهاب الإسلامي المتطرف.

وقال: quot;أولئك الذين يعتقدون أننا نستطيع تجاهل المجموعات الإرهابية المتطرفة، مثل تنظيم القاعدة في أجزاء من شمال أفريقيا، يقعون في خطأ كبيرquot;.

وقت طويل وجهد مضنٍ

معظم الخبراء يعتقدون أن الفرنسيين، حتى وإن نجحوا في طرد الاسلاميين من المناطق الرئيسية المأهولة في شمال مالي، لن يتحركوا بالقوة ذاتها في جميع أنحاء المنطقة الصحراوية الشاسعة، وعليهم تأمين الاستقرار الذي يمكن أن يسمح بإطلاق المفاوضات حول مستقبل سياسي جديد في مالي.

مالي سوف تنجح فقط في حال إعادة توحيد الدولة، مع حكم ذاتي أكبر نسبياً للطوارق في الشمال الذي طالما رغب بالاستقلال، وإعادة بناء المؤسسات الحكومية والشرعية. وبطبيعة الحال هذا سوف يستغرق بعض الوقت، وإن تم تحت إشراف القوى الأفريقية أو الأمم المتحدة.

التطرّف عصيّ على الاستئصال

وقال كميل غراند، خبير في الدفاع ومدير مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس، إن quot;الهدف الفرنسي هو العودة إلى الوضع السابق، بحيث يتم حصر الجماعات الإسلامية في المناطق الحدودية، مع قدرة محدودة على العمل ومن دون القدرة على السيطرة على المراكز السكانية حتى لا ينفذوا هجماتهم أو يأخذوا الرهائنquot;.

واعتبر أن هذه الأهداف منطقية من وجهة النظر العسكرية، quot;لكن إذا كان الهدف النهائي هو القضاء على وجود الإسلام الراديكالي في منطقة الساحل، فإن هذا ربما لن يحدث، وربما بعيد المنالquot;.

في كل الأحوال، باريس ليست طموحة. لكنّ منتقدي هولاند يشعرون بالقلق من أن الرئيس الفرنسي أدخل البلاد في مستنقع أعمق مما يتوقعه.